فضفضةسير عگـــس إتجــاه الثـــورة
الوقت ذروة، الطريق مزدحم، وبصعوبة أخذت طريقي الي مطلع كوبري 6 أكتوبر، وسط سيارات تسير بصعوبة شديدة، لأجد سيارة تسير عكس الاتجاه، وتنزل من الكوبري من مطلعه.. ما فعله قائد هذه السيارة، الذي لم يشعر أنه فعل شيئا غريبا، والذي كان علي يقين أن أحدا لن يستوقفه، ليس لكي يحرر له مجرد مخالفة مرورية، ولكن ليذهب به الي السجن، لم يكن وحيدا، فغيره الآلاف علي مستوي الجمهورية الذين رأوا في الثورة فرصة للخروج علي القانون، فراحوا يسيرون عكس إتجاه المجتمع : يبنون فوق الأراضي الزراعية، ويحتلون شقق الإسكان والأوقاف، وشقق القطاع الخاص، بل واحتلال البيوت الأثرية ... أليست ثورة؟30 ألف بلاغ أمام النائب العام المستشار الدكتور عبد المجيد محمود منذ 25 يناير وحتي اليوم، كلها قضايا تتعلق بالفساد بصورة أو بأخري.. هذا الرقم المفزع، يمكن قراءته من عدة زوايا : أولها أننا كنا أمام مجتمع بناؤه الهرمي مشيد علي الفساد والإفساد، وأن الرأس في أي موقع لكي تفسد، لا بد أن تفسد من تحتها، إذن نحن أمام ما يمكن أن نسميه منظومة فساد متكاملة .ويمكن قراءة هذا الرقم من زاوية أخري، تقودنا الي أنه، ليس من المعقول أن يكون كل هذا الرقم يتضمن إتهامات حقيقية تتعلق بالفساد، بل إن الأمر يتضمن، بالتاكيد، ما يمكن إعتباره مجرد شكاوي كيدية، وتصفية حسابات، فأي مدير " رخم " أو "ماسك إيده "، هو في هذه الأيام متهم الي أن يثبت العكس، والحل هو بلاغات للنائب العام، واذا فشلت البلاغات، فالشارع موجود والفضائيات أكثر من الهم علي القلب، سوف تجبر من يتردد علي تنفيذ المطلوب، إن لم يكن اليوم فغدا.. لا خلاف علي أهمية حق الفرد في ان يقدم شكواه للنائب العام، بشرط ألا ينحرف هذا الحق عن طريقه، ويتحول الي أداة إرهاب وترويع للشرفاء، فمصر لم تكن كلها لصوص، فوسط هذه المنظومة الفاسدة التي تتكشف لنا يوما بعد الآخر، كان هناك من هو قابض علي دينه، وشرفه، كالقابض علي الجمر، أما نظرية ان كل من كان في موقع قيادي في الفترة الماضية، هو بالضرورة من المفسدين، ستوردنا المهالك، وسوف تؤدي بنا في النهاية الي طريق خاطيء، وفي الإطار ذاته، فأنا أحذر من شيء : ليس بالضرورة أن يكون كل من أستبعدهم النظام السابق، شرفاء، وكانوا ناجحين، يرفضون الفساد.وكل ما يحدث في هذا الإطار يكشف لي أننا كمجتمع قد ننحرف عن الهدف السامي للثورة التي قامت، لتطيح بمنظومة الفساد، وليس للإطاحة بالصالح مع الطالح، أو لتصفية حسابات مع أشخاص، بقدر ما هي إرساء معالم لمصر جديدة، قائمة علي قيم العدل والحرية والمساواة والعدل الإجتماعي.لذلك فأنا أضم صوتي لصوت المطالبين بأن يعاقب النائب العام أصحاب الشكاوي الكيدية التي لا تقف علي دليل أو بينة، ولا تتضمن سوي كلام مرسل.. وفي إطار مخاوف فقد المجتمع لبوصلته حتي بعد قيام الثورة، يأتي إستهداف الجهاز الأمني، الذي لا أستطيع أنا أو أنت أن نعيش من غيره، وأخشي ما أخشاه أن تتفاقم البلطجة في الشوارع، ويزداد ترويع الآمنين، في الوقت الذي ندمر فيه، بعلم أو بجهل، جهاز الشرطة الذي نسعي لإصلاح دوره، ورسالته،وتقويم مساره، وليس للقضاء عليه، كما يحدث الآن حتي وصل الأمر بالضابط الي التردد في تحرير أي محضر أو مخالفة مرورية، أو توقيف متسيب يسير عكس الإتجاه، حتي لا يتجمع حوله الأهالي، ويستهدفونه.. حتي الان أشعر أن يد وزير الداخلية الجديد مغلولة، ولم أر بصماته، سواء في إستعادة هيبة الشرطة بدون غلظة أو عنف، أو في إحساس المواطن بأن هذا الجهاز بجد في خدمته .. قد أكون متعجلا لكن لابد من بدايات حقيقية علي الأرض .
Comments