بحد القلم أخلاقيات الثوار ومستقبل مصر
ثورة مصر تحتاج إلي دراسة شاملة من جوانب متعددة لعل أهمها أخلاقيات الثوار .ولعل أهم النتائج التي يمكن أن نتوصل إليها من دراسة هذه الثورة إن الشعوب يتزايد التزامها بالقيم والأخلاق والشرف والكرامة عندما تكون أهدافها كبيرة وعظيمة، وعندما تتزايد الهمة والشجاعة .إذا درسنا التاريخ العربي سنكتشف أن هناك ارتباطاً دائماً بين الفروسية والأخلاق، فالفرسان دائماً يتمسكون بالأخلاق ويدافعون عن القيم، ويكافحون لتحقيق أهداف عظيمة لكي يميزوا أنفسهم عن قطاع الطرق والقراصنة والمجرمين فتمسك الفارس بالأخلاقيات هو الذي يميزه ويعطي له الشرعية والقوة .في ضوء تلك الحقيقة يمكن أن نتوصل إلي تفسير صحيح لسلوك ثوار مصر وهم يكافحون ضد الاستبداد، ويحاربون معركتهم السلمية ضد النظام وهم يتمسكون بأعلي وأسمي الأخلاقيات التي عرفتها البشرية . لقد كانوا فرساناً يدافعون عن الحرية، ويحاربون الطغيان والاستبداد، ويواجهون جهاز الأمن وبلطجية النظام .وفي الوقت الذي كان فيه البلطجية يستخدمون أحط وأخس وأبشع أساليب الحرب، كان الثوار يدافعون عن ميدان التحرير وعن ميدان سيدي جابر في الإسكندرية مع الالتزام بأنبل الأخلاق ... وقد قام الثوار بأسر الكثير من البلطجية، لكنهم لم يقوموا بقتلهم، ولكن سلموهم لقوات الجيش .وكانت هناك ظاهرة أثارت حيرة المحللين وهي أنه لم تحدث حالة تحرش واحدة بالرغم من وجود آلاف البنات، ولم يحدث أنه اشتكت إحداهن من أي سلوك لا أخلاقي ارتكبه شاب .وكانت وسائل الإعلام قد نقلت في سنوات سابقة الكثير من الأخبار عن حالات تحرش جماعي في الأعياد وفي مناطق مختلفة من القاهرة خاصة ما يعرف بوسط البلد .ولكن هانحن في ميدان التحرير، وهو قلب البلد وليس وسطه ولم تحدث حالة تحرش واحدة ... فهل تغير الشعب المصري ؟!.إننا يمكن أن نقدم تفسيرين لذلك هما أن حالات التحرش فيما سبق كان يرتكبها بلطجية النظام، وأن هؤلاء البلطجية الذين جمعهم النظام ليحاربوا الثوار كانوا هم الذين يتحرشون بالبنات بشكل جماعي في الأعياد ... وان المتحرشين جنسياً كانوا يحاربون في الجانب الآخر دفاعاً عن نظام يوشك أن يسقط بينما كان شباب مصر الأحرار يدافعون في ميدان التحرير عن الحرية والشرف والفضيلة.أما التفسير الآخر فهو أن الشعب المصري قد تغير بالفعل، وأن الثورة قد جعلت هناك هدفاً عظيماً لشباب مصر وهو الحرية . وأن الشباب أدركوا أنهم عندما يحررون مصر من الاستبداد فإنهم سيجدون لهم فيها مكاناً وعملاً وبيتاً ومستقبلاً .. وأن النظام الفاسد هو الذي حرمهم من حقهم في الزواج والعمل والحياة والحرية، فقرروا ان يدافعوا عن الحرية باعتبارها أغلي من الحياة، وباعتبارها مفتاح المستقبل .الظاهرة الأخري أنه لم تحدث حالة سرقة واحدة في ميادين مصر التي كانت يتجمع فيها الملايين .وقد يكون التفسير الوحيد لذلك أن الثوار كانوا يحاربون بالفضيلة والأخلاق ذلك النظام الذي قام علي أكتاف اللصوص الذين نهبوا ثروات مصر وهربوها إلي بنوك الغرب .وكانت الرسالة واضحة وناجحة ... فالثوار يحاربون لصوص النظام وبلطجيته، وأنهم يؤكدون أنهم يستطيعون أن يبنوا مصر علي أساس الأخلاق والطهارة والشرف وأن لا مكان في مصر بعد اليوم للصوص، وأن الذين شاركوا في الثورة هم الذين يعتزون بوطنيتهم وشرفهم ونزاهتهم، بينما كان اللصوص الكبار يجمعون البلطجية ويدفعون لهم بعضاً مما نهبوه لكي يضربوا الثوار بالمولوتوف .الرسالة الأخري التي وجهها ثوار مصر لكل العالم هي إن كل من يأتي إلي مصر بعد تحريرها من الاستبداد لن يتعرض للسرقة أو الغش أو التحرش وأنه سيكتشف أن شعب مصر أمين وشريف ويعتز بأخلاقه .
Comments