المحتوى الرئيسى

التاريخ يبدأ من طرابلس! بقلم:حيدر الجابر

02/28 20:22

حيدر الجابر ليبيا اليوم ليست ليبيا الأمس، في كل ساعة تلد الصحراء واقعاً يفاجئ الجميع. وكذلك الزعيم لم يعد زعيماً، إلا في باب العزيزية والساحة الخضراء. علم متعدد الألوان يرفرف اليوم في سماء بنغازي ومصراتة والزاوية وضواحي طرابلس، أزاح علماً أحادي اللون والاتجاه، غطى الصحراء بفكر هستيري. ليبيا اليوم ليست ليبيا الأمس. عندما نفكر في الثورات المتعاقبة التي اجتاحت شمال افريقيا، نقف طويلاً عند ثورة ليبيا، فهناك، لا عقل يوازي جنون العقيد، ولا منطق فوق المنطق "الاخضر"، أما اذا اردت ان تتحدث عن وطنك، فعليك ان تردد كالأبله "الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية.. الخ"! وهناك، حياة الوطن وموته رهن بإشارة من رجل لا يُحزر، والصح والخطأ قيم لا مفهوم لها إلا ما يتفوه به زعيم لا طائل من ورائه. أن تثور الشعوب في بقاع الارض، امر وارد، ان تهتز الانظمة على وقع المطالبة بالحرية والمساواة، أمر معقول، الا في ليبيا، حيث كل شيء تحت المجهر، وكل أنفاسك خارجة على الطاعة اذا لم تكن بموافقة العقيد. جاءت ثورة الفاتح في غفلة من الزمن، ادعى من ادعى انها ردة فعل على نكسة حزيران، وانها ثورة "ناصرية" كما يروج اصحابها. لكن الثورة "القذافية" لم تثر إلا على الأسماء، فغيرت مجلس الوزراء الى الامانة العامة، والبرلمان الى المؤتمر الشعبي العام، والمحافظات الى شعبيات، فقط لا غير، حتى توهم الآخرين بان الحكم من الشعب والى الشعب. والى ذلك فقد أضفت على الزعيم ألقاباً لا حصر لها، فهو القائد، والزعيم، ثم الإمام، وأخيراً ملك الملوك! في النتيجة كانت "نكسة" الفاتح. لم تعد ليبيا تحتمل ترّهات أكثر، وقد ضاق صدر ابنائها من فلسفة جوفاء تصدر من غياهب الغباء. لقد غادر التاريخ ليبيامنذ زمن بعيد، ولم تبق إلا أطلال "القرضابية" وتمثال "عمر المختار". وفي يقضة من الزمن، قرر محامو بنغازي الاعتصام، ليكتشف الجميع أن ليبيا ليست كتاب معمر "الأخضر"، وان الصحراء الواسعة في شمال افريقيا أرض صالحة للثورة، وان بنغازي غفلت عن تاريخها لكنها لم تنسه، وانها تذكرت بعد حين أنها عاصمة الثورات. عاد الليبيون الى التاريخ من خلال ثورتهم التي امتدت اسرع من لمح الزمن، وعلى طول الساحل. ولم يسع العقيد الا ان يفقد توازنه، وهو يرى ان شعبه "الأخضر" ينبض بالروح، وهم يحاصرونه في قاعدة باب العزيزية، ولم يتركوا لجنونه مجالاً سوى الساحة الخضراء، التي ستسقط بأيديهم عاجلا أو آجلا. معمر القذافي أخطر مستبد في افريقيا، معمر القذافي ليس مستبداً كلاسيكياً، انه معجب بنفسه الى اقصى حد، وهو يرى انه نصف إله على أقل تقدير، معمر القذافي موهوم بالعظمة، ومتوهم بقدرة شعبه. ليبيا اليوم ليست ليبيا الأمس، فليبيو اليوم يتساقط عليهم الموت من كل جهة، وهم لا يبالون، يصرون على ازاحة كابوس القذافي، ليعودوا الى وطنهم من جديد. ليبيو اليوم يذيبون الجليد عن الصحراء ليوصلوا حاضرهم بماضيهم. وكل ما يفعله الزعيم المجنون لا يقف بوجه الطوفان في طرابلس، كل الأسلحة المميتة وافواج المرتزقة، تنزاح كالاوهام على أديم طرابلس، وتتناثر الاكاذيب كالأشلاء الممزقة، حيث الحقيقة الواضحة، تثبت نفسها ككتلة صلبة من العزيمة. نعم، ستطول المعركة، فالقذافي مجنون، وكذلك أرعن، واولاده لايختلفون عنه الا بما يوفره لهم سوء التربية. الا انهم ـ القائد واولاده ـ جبناء كذلك. ليبيا لا تستحق الموت، لكن التاريخ يستحق الدم، وعندها ستزدهر بلون أخضر حقيقي، حيث الانسان انسان، والحرية دم الشهيد. سنفتقد القذافي وآراءه المبطوحة، ولن نراه بعد الآن يستعرض أفكاره المعتوهة، لكننا سنجد ليبيا الحقيقية أمامنا، التي افتقدناها منذ عقود. في طرابلس ستجري معركة التاريخ، وفي طرابلس تجري معركة اعادة كتابة التاريخ، حيث لا وازع عن الحق، والحق فقط، لا غير. لقد صنع الليبيون المستحيل، انهم بعيدون الحياة الى جسد مشلول، ويدفعون عنه مرضه بقوة واصرار. وبالرغم من كل الموت الذ يينتثر في الطرقات، يهتفون باسم الحرية، ويتعاهدون على بتر القذافي وحقبته من تاريخهم. ليبيا ليست أمراً هيناً، انها قادرة على صنع المعجزات، آمن بذلك القدماء، ونراه اليوم واقعاً حياً. من دم ولحم. قال "هيرودت" قبل خمسة وعشرين قرناً (من ليبيا يأتي الجديد)!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل