المحتوى الرئيسى

د.أحمد فؤاد أنور يكتب: حامل الصندل

02/27 19:32

عرف العصر الفرعوني وظيفه بروتوكولية في البلاط الملكي تحولت لوظيفة رفيعه في الدولة في أحد أسوأ مراحل العصر الفرعوني..وهي وظيفة "حامل الصندل" والذي كانت مهمته بالإضافة لحملة المباخر والمهرجين والاقزام أن يحمل صندل الفرعون ..حيث اكتسبت الوظيفة أهمية جعلت من يتولاها لابد أن يكون من أهل الثقة، والاتصالات، والعلاقات والتربيطات والذي منه..ثم سَمت الوظيفة أكثر وأكثر وأصبح من يتولاها يحمل لقب "أمير" أيضا. وكثيرا ما كان يتم تصويره على الآثار الفرعونية في حدث جلل ..معركة كبرى مثلا، وهو يقف خلف الفرعون حاملا الصندل ومعه وعاء من الماء أيضا.أما في العصر الحديث فقد لاحظنا أمثال صاحب هذه الوظيفة المندثرة وهم يؤدون نفس الوظيفة حتى بعد قيام ثورة 25 يناير واستجابة الجيش لطلبات الشعب وبدء التنفيذ بالفعل.فالهواجس تملأ كل حامل صندل خشية فقدان نفوذه..أو امتيازاته أو ما تبقى منها، ناهيك عن أن كل حامل صندل بطبيعته غير معتاد على المشاركة في اتخاذ القرارات وصناعة المستقبل أو حتى التفكير باعتبار أن تلك مهمة الفرعون وحده بلا منازع، وأن دوره يقتصر دائما أبدا على حمل الصندل، وتأييد سياسة الفرعون "الرشيدة" التي التصق بها هذا التوصيف التفافا على أية محاولة (دنيئة) لطلب تفسير اتجاه هذه السياسة أو طبيعتها أو أهدافها والمستفيدين الحقيقيين منها.ولحامل الصندل العصري نموذج آخر يتمثل في هؤلاء ممن يخشون بذل مجهود أي مجهود، خاصة للنظافة..لأن الراحة والدعة أفضل وأضمن..أو لأن القمامة ستعود بعد فترة من جديد فلا داعي لبذل المجهود وإضاعة الوقت في التخلص منها..ناهيك عن حساسية مفرطة من الهواء النقي وادمان الهواء العطن وحب الظلام وكراهية النور.بينما مصر تسير بشكل حثيث للأمام وتسعى لازاحة تلال الفساد والإفساد يحلو لكل حامل صندل أن يصور له خياله أنه يستطيع أداء نفس الدور في العصر الجديد، وأن يقفز على تضحيات وجسارة ثوار الشعب الحقيقيين ويتصدر المشهد، بل ويجني مزيد من المكاسب غير المستحقة بدلا من أن يتوارى خجلا، ويقتنع بأن الناس عاد لها الوعي مقرونا بشجاعة ورغبة قوية في التغيير الشامل للأفضل، وأن كل أوراق التوت ستسقط عن كل الفاسدين قريبا.وبينما نطالب بمزيد من الإصلاح والشفافية والتأهب لصد أي يد تحاول أن تدفع بالثورة إلى الثلاجة، أو أن تدفع في يأس عقارب الساعة للخلف، نجد كل حامل صندل يحاول بكل طاقته أن يعيق المسيرة بافتعال معارك وهمية وثانوية، على طريقة "بص العصفورة"، وأن يتطوع بكل همه لكي يعمل رقيبا داخليا على المؤسسات الإعلامية الكبرى يحذف عنصر في رسم كاريكاتيري يتحدث عن ضرورة الاسراع بمحاسبة قتلة ثوار ميدان التحرير هناك أو هناك. ونجد حامل صندل آخر يستمر في مساعيه -كما فعل لسنوات طويلة- الرامية لترسيخ مبدأ "التغطية على الخبر" بدلا من مبدأ "تغطية الخبر" فيقدم مثلا والده الجاني التي لم تحضر الواقعة، وستنحاز بالطبع لابنها ظالما أم مظلوما، على أنها "شهود عيان" للحادث، ويرفض نقل صوت أي من عشرات أو مئات شهود العيان الحقيقيين.لكل حامل صندل أقول بوضوح: قد يبدو لك أنك لا زلت تقف في مكانك خلف الفرعون، أو إن "فرعون ما" سيجيء قريبا ويقف أمامك، لكني على ثقة إنك واهم، ولو دققت قليلا لن تجد أي فرعون لأنه هرب ونسيك ونسى الصندل، ولو دققت أكثر ستجد نفسك أنت شخصيا وقد تحولت -من فرط اتقانك وتقمصك للدور-  إلى صندل.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل