نظرة
هذا هو نص المادة الثانية بعد تعديلها من جانب الرئيس السادات في عام1980, أما قبلها فقد كانت الشريعة الإسلامية مصدرا رئيسيا للتشريع وليست المصدر الرئيسي للتشريع. لم يكن السادات ينوي أخذ التعديل الذي أدخله علي المادة الثانية بحرفيته, وإنما كان فقط يريد المزايدة عبر التلاعب بالدستور بخصومه من الإسلاميين الذين زادت قوتهم في ذلك الوقت. مات السادات اغتيالا علي يد الإسلاميين, وتغيرت مصر كثيرا منذ ذلك الحين, لكن المادة الثانية بتعديلها الساداتي مازالت قائمة. ما ظنه السادات مجرد مناورة للالتفاف علي الإسلاميين, أصبح بالنسبة لهم مكسبا لا يمكن التراجع عنه. غالبية المصريين من المسلمين الطبيعيين لا يتعاملون مع المادة الثانية بشكل حرفي, لكنهم متمسكون بقيمتها الرمزية, ورأي هؤلاء ومشاعرهم يستحق الاحترام, وهو ما فعله البيان الصادر عن قادة الكنائس المصرية بطريقة عكست حسا سياسيا ووطنيا عاليا. بيان الكنائس المصرية يحسم موقف المسيحيين في مصر من المادة الثانية ويخرجهم من الجدل الدائر بشأنها. ستظل هناك تيارات تطالب بتعديل المادة الثانية من الدستور, وهذا حقها, وسيظل بعض الأقباط يتبنون المطلب نفسه لكن كمواطنين مصريين لهم الحق في التعبير عن رأيهم, وليس كممثلين للكنائس المصرية أو لعموم مسيحيي مصر. قد تبقي المادة الثانية من الدستور كما هي بينما يتمتع المسيحيون في مصر بكامل حقوق المواطنة, وقد يتم تعديلها بينما يتعرض المسيحيون لاضطهاد حقيقي, فالأمر لا يتعلق بنص المادة نفسها, وإنما بالطريقة التي يتم تفسيرها بها. ففي مجتمع تسوده تيارات متعصبة سيتعرض الأقباط وكثيرون غيرهم للاضطهاد بغض النظر عن نصوص الدستور, أما في مجتمع تسوده قيم التعددية وحرية الرأي والمعتقد فسيتم تفسير المادة الثانية بنصها الحالي بطريقة تتيح للمصريين جميعا حقوقا متساوية بغض النظر عن عقائدهم, وهذا هو بيت القصيد. فلنغلق باب النقاش حول المادة الثانية من الدستور, ولنركز الجهد بدلا من ذلك علي نشر قيم الحرية والمساواة والعدالة والمواطنة, فهذه هي الضمانة الحقيقية والأكثر قوة وفعالية من نص في الدستور.
Comments