المحتوى الرئيسى

د. صلاح عبد الحق يكتب عن الدعوة والداعية (1- 5)

02/27 11:48

عرف الإمام البنا- رحمه الله- بصفات مؤثرة هي صفات كل قائد تحويلي وهو صنف قليل نادر. تجلت هذه الصفات في.1- قدرته على اختيار الصواب رغم زحام البدائل.2- وقدرته على الابتعاد عن الغموض والتعقيد.3- وقدرته على ترجمة الأفكار والمعاني إلى أفعال وأعمال.4- وقدرته على تفادي الصراعات وتلافي الأخطاء.5- وقدرته على العبور بدعوته إلى مراحل وغايات بشعارات ومهارات. أما عن قدرته على اختيار الصواب، فقد تبدت في بدايات حياته، حين خُيِّر بين التصوف الصادق وما يعنيه من الإخلاص والعمل.. وبين التعليم والإرشاد وما يعنيه من مخالطة الناس وغشيان مجامعهم. يقول الأستاذ الإمام في مذكراته.. فاخترت الثاني بعد أن نهجت الأول؛ لأن العمل الذي لا يتعدى نفعه صاحبه قاصر ضئيل, أما العمل الذي ينتفع صاحبه به العامل وغيره من قومه وبني جنسه يكون له شرفه وخطره وجلاله. كما تتبدى تلك القدرة على اختيار الصواب في اختياره لجمهوره في المقاهي والشوارع والمساجد، فأعلن أن المسجد وحده لا يكفي، ورأى هؤلاء البسطاء قوة مهملة تفيض إيمانًا, وأنهم الأولى بالتعهد والرعاية وبالتعليم والإرشاد وبالتنظيم والرقابة، وقد وجد فيهم الكفاية رغم كونهم لم يكن فيهم ما يميزهم إلا ميزة الإصغاء والاتباع بما تعنيه من القدرة على التعلم والاستعداد للقبول، وعلم المطلوب منهم أن يكونوا نموذجًا لغيرهم بحسن استعدادهم لإصلاح العيوب، وأن يحسنوا القدوة بأن يكلفوا أنفسهم غاية ما يستطيعون، فقد يأتي من يقفوهم فيستطيع فوق ما استطاعوا، ورضي منهم أن يكونوا صفًا أولاً تتلوه صفوف على مثاله.. وقد كان منهم من واجه الموت وهو لا يحفل بمقاومة ذوي السلطان والبأس. وكذلك بدت قدرته على اختيار الصواب رغم زحام البدائل عندما اختار من بين تراث هائل مشرق، أنتجته عقول مشرقة منيرة طوال أربعة عشر قرنًا، فاختار منه ما يناسب روح العصر، فطرح على أمته فكرًا نضيجًا، فيه كل ما تطمح إليه الأمة من كمال وما تحرص عليه من خير هو موجود وزيادة، ومحرر من دخنه كذلك، وأعلن أننا لن نقيد أنفسنا بغير ما قيدنا الله به، ولن نلزم عصرنا لون عصر لا يتفق معه، والإسلام دين البشرية جميعًا. ثم عرضه عرضًا لائقًا كريمًا قابلاً للاعتماد ممكنًا للتطبيق.. يسع احتياجات الأمة جميعًا، وقد شهد له بذلك معاصروه.. فكل انطلاقة للأمة بعيدة عن فكره إما قاصرة.. وإما مستحيلة... كما ظهرت قدرته على اختيار الصواب عندما دعاه بعض من فصيله أن يعدل عن مشروعه طويل الأمد في العمل السلمي الهادئ والمعتدل إلى الارتطام والصراع، فأعلن أنه لن يدع يقينه لشكوكهم.. لأن ما اختاره من وسائل لتحقيق أهدافه إنما استقرأه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو ما كلف نفسه فيه عناء البحث والدراسة.. ما أورثه الاطمئنان واليقين.. والرضا والارتياح.. وهو ما أشار إليه بقوله "ليست في كل الظروف مخاصمة الحاكم وإحراجه من الإسلام، فقد يقف الحاكم أمام عدو قوي للمسلمين يدفعه ويحول دون غايته.. فمن الحمق وليس من الدين أن يحرجه المسلمون.. وهو يحول بين وصول عدوهم إلى غايته منهم، وكذلك عند صدور قرار بحل جماعته واعتقال رجاله، وقد ضاق به صدر من ضاق فنأى بنفسه وبدعوته أن يكون أداة صراع داخلي.. وادخر قوته للوطن ولخدمة قضايا أمته الكبرى.. وقال لأتباعه أسلموا أكتافكم للسعديين.. فلن أضيع الأمة من أجل الحكومة، ولن أضيع الوطن من أجل الدولة (أي السلطة) فالعبرة بأخلاق الأمم وليس بشكل الحكومات.. والدولة في الإسلام إنما هي تعبير عن مفاهيم الدين والأخلاق.. فتجلى ذلك كله حسن اختياره للصواب رغم زحام البدائل وضجيج الأصوات.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل