المحتوى الرئيسى

د. عصام العريان يكتب :مخاوف مشروعة وضمانات حقيقية

02/27 04:31

سقط رأس النظام وبعض أتباعه لكن النظام المصرى ما زال يحاول جاهداً البقاء لاعتبارات عديدة.هناك الجيش الذى تولى السلطة على غير قواعد دستورية بناء على الشرعية الثورية التى يتعامل معها على أنها لم تكتمل وما زال يعمل وفق الدستور القائم قدر الإمكان ولذلك عطله مؤقتاً ليستطيع تولى السلطة وإجراء انتخابات نزيهة لبرلمان جديد ورئاسة جديدة، على وعد بالعودة إلى الثكنات بعد أن كرّس للمؤسسة الحق فى حماية إرادة الشعب لأول مرة فى التاريخ المصرى .وهناك أجهزة الدولة ومؤسساتها التى سخّرها النظام السابق لصالح شخص رئيس الدولة وعائلته وحاشيته، فمارست قمعاً لا نظير له وفساداً لم يعد يكفى القول بانه يزكم الأنوف بل تسبب فى اختناق المصريين الذين فوجئوا بحجمه وانتشاره وإتساعه وعمقه وتغلغله فى أوساط عديدة، والشعب ينادى بتطهير تلك الأجهزة والمؤسسات التى هى ملك للشعب ويريد استعادتها مع المليارات التى سرقها لصوص العصابة التى أمسكت بمقاليد الأمور خلال العقود الثلاثة الماضية.وهناك فلول الحزب الحاكم سابقاً وحواشيهم ورجال أمن الدولة والمباحث والأمن العام (خاصة القيادات) التى تورطت فى الفساد، والأخطر من ذلك أنها تورطت فى سفك دماء الثوار واعتقال المئات وتعذيبهم ببشاعة لإجهاض الثورة واستمروا فى ذلك ولا يزالون فى محاولاتهم مستمرون، ويستخدمون فى ذلك إثارة الفتنة بين المسلمين والمسيحين، وإثارة العمال والموظفين للمطالبة بحقوق مشروعة فى جوهرها إلا أن توقيت المطالبة وكيفيتها يربك المرحلة الانتقالية، فى غياب تنظيمات نقابية منتخبة بحرية تتولى عملية التفاوض لنيل الحقوق والمطالب، والمحاسبة لم تتم على الجرائم الحقيقية بينما بدأت بالححواشى ولم تصل بعد إلى النخاع.وهناك القوى السياسية، سواء تلك الحزبية التى عاشت فى ظل النظام السابق راضية بقدرها ونصيبها أو تلك الاحتجاجية التى كانت فى قلب الثورة، أو الأغلبيىة التى كانت صامتة وتحركت أخيراً بعنفوان الثورة وتريد كل تلك القوى جميعاً التقاط الأنفاس لإعادة ترتيب أوضاعها، وقد كانت بصورة أو أخرى جزءاً من أوضاع قديمة تغيرت الآن.وهناك الإخوان المسلمون الذين صبروا طويلاً وصابروا كثيراً ورابطوا أمام مطالب الشعب، ونجحوا فى المشاركة الفعّالة وتنظيم الصفوف وحماية الشعب، وضحوا بآلاف المعتقلين ، ومئات  المسجونين بعد محاكم عسكرية استثنائية، ومات منهم تحت التعذيب شهداء ويمتلكون تنظيماً جيداً، وشعبية معقولة، وإرادة صلبة، وغاية واضحة محددة لنيل رضا الله ورضوانه، وكانوا على قدر المسئولية حيث قدموا المقاصد العليا للشريعة الإسلامية كالحرية والعدل والمساواة والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية على الفروع الجزئية والطقوس الشكلية، وأنكروا ذواتهم أثناء الثورة، ورغم كل ذلك أثار المتطرفون من العلمانيين من رعايا النظام السابق وبعض المخلصين المشفقين على مستقبل الوطن قدراً من المخاوف بعد جمعة النصر التى خطب فيها الشيخ القرضاوى فى المصريين جميعاً رغم نصيحة الإخوان له بعدم الحضور، ورغم عودته سريعاً إلى وطنه الثانى فى قطر فما زال هؤلاء يثيرون المخاوف ويشبهونه بالخمينى رغم التباين الكبير بين المذهبين السنى والشيعى، وبين الرجلين، وبين البلدين، وبين السلوكين.ورغم إشادة الجميع بخطاب الشيخ ودوره فى الثورة فقد مارسوا ضده حملة كراهية وأدعْو أنه منع الشاب وائل غنيم الذى يشاركه أحد لإخوان فى صفحة كلنا خالد سعيد عبد الرحمن منصور بينما الذى منعه كان شاباً يسارياً لسبب مختلف تماماً وهو أن شباب ائتلاف الثورة اعتبره من الثورة المضادة بسبب دعوته لعدم الحضور إلى يوم جمعة النصر ولأنه كان يعد مع آخرين لاحتفال آخر حاشد فى الصالة المغطاة مع د. حسام بدراوى كما يتردد، بينما قال الشيخ أنه لا يعرف وائل شخصياً وقد لا يطابق شخصه على صورته وأنه لم يكن بين المنظمين كما أن الإخوان لم يحتكروا التنظيم للصلاة، وقد سبق صلاة الجمعة قدّاس للأخوة المسيحيين.هل يعنى ذلك أنه ليست هناك مخاوف أثناء المرحلة الانتقالية التى لن تنتهى بمجرد إجراء الانتخابات بل ستستمر إلى فترة أخرى لعلها تستمر 5 سنوات وهى فترة البرلمان القادم وستكون المهام الرئيسية فيها هى:1- إرساء قواعد واضحة لحياة سياسية وحزبية جديدة.2- بناء نظام ديمقراطى حقيقى يمتلك الشعب فيه السلطة ويمارسها وفق الدستور والقانون.3- استرداد ثروات الأمة المنهوبة خلال النظام السابق وإعادة تدويرها لتنمية حقيقية.4- الاتفاق الوطنى العام على دور الجيش فى الحياة العامة وحماية إرادة الشعب والدفاع عن الوطن.5- الاتفاق الوطنى العام على دور مصر العربى والإقليمى والإسلامى والأفريقى والدولى.فى هذه المرحلة سنحتاج إلى إجراءات عديدة من أهمها:1- تعديلات جوهرية على السدتور خاصة توزيع السلطات وتقليص صلاحيات الرئيس أو إعداد دستور جديد بانتخاب جمعية تأسيسية يشرف عليها البرلمان ويم التصويت على مواده فى البرلمان ثم الاستفتاء الشعبى عليه.2- مراجعة شاملة لترسانة القوانين المكملة للدستور والتى تنظم الحياة العامة بالذات، وهذا دور البرلمان والمشرعين الجدد الذين يجب انتخابهم وفق هذا الدور وتعاونهم فى لجان متخصصة من فقهاء القانون والدستور وكبار القضاة.3- إعادة النظر فى أحوال العاملين بالدولة من المدنيين وجهاز الشرطة والقضاة والقوات المسلحة، لتيمكنوا من حياة كريمة.4- بناء جهاز الشرطة من جديد لمهمة جديدة وهى خدمة الشعب وليس خدمة النظام.5- إعادة النظر فى نظام الإدارة المحلية وإجراء حوار وطنى شامل حول الانتقال إلى الحكم المحلى.اليوم تنتاب الكثيرين من المصريين مخاوف مشروعة حول هذه المرحلة الانتقالية.أهم تلك المخاوف فى تقديرى هى:أولاً: عدم القدرة على تحمل المسئولية.فالحرية لا تعنى الفوضى، ولكنها تعنى المسئولية.والمصريون اليوم أمام تحد خطير وهى أن يتحولوا من رعايا إلى مواطنين.والنواب الجدد لن يكونوا موافقين على طول الخط، ولن يبصموا على مشروعات القوانين التى تأتى من الحكومة، بل يمكن أن تكون لهم الأسبقية فى التشريع كما فى الدول المتقدمة أو على الأقل شركاء للحكومة فى اقتراح القوانين.والمجالس المحلية فى حالة تحولها إلى حكم محلى ستكون لها سلطات كبيرة فى الإدارة المحلية وليست مجرد هياكل صورية يشملها فساد رهيب.والشعب سيحترم القانون ويقوم بدوره فى الرقابة على الجميع.والإعلام سيكون مختلفاً جداً، إعلام حر مسئول.والأحزاب لن تكون مجرد معارضة صورية على طول الخط، بل ستكون أحزاب حقيقية تستعد حال معارضتها لتتحول إلى الحكم إذا فازت بثقة الشعب، وبلك لن تصرخ كما فى الماضى، بل تقدم البدائل الجادة إذا عارضت أو توافق عن بينة.الخوف من المسئولية يشمل الجميع، والسؤال هل ننجح كمصريين فى تحمل المسئولية والقيام بالأمانة كما نجحنا فى الثورة العظيمة التى غيّرت النظام أو فى طريقها لاكتمال تغييره.يقول الله تعالى : {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴿٧٢﴾ } [الأحزاب ]الخوف هنا مبرر، فلم نتعود على ذلك ليس فى تاريخنا الحديث، بل فى معظم فترات تاريخنا على مدار العصور.نحن أمام تحدٍ تاريخى، وأنا متفاءل بالمستقبل لأن الشباب المصرى حالياً من كل الأطياف أثبت أنه قادر على اجتياز الصعوبات وتخطى العقبات وصنع الأحلام، وهذا حلم للمستقبل.ثانياً: الخوف من التدخل الأجنبى وعورة الوصاية الخارجية:يرتبط خوفنا من تحمل المسئولية والنجاح فى الاختيار التاريخى بالخوف من التدخل الأجنبى فى حال الفشل.هذه الثورة المصرية تحقق فى الجوهر الاستقلال الحقيقى لمصر بعد أن كان استقلالنا ناقصاً لأنه لا يتحقق للأمة استقلال تام إلا بان تتحرر من أى هيمنة أجنبية، عسكرية أو سياسية أو اقتصادية أو روحية وثقافية.ولذلك وضع الإمام الشهيد حسن البنا تحقيق هذا الهدف فى المرتبة الرابعة بعد إصلاح النفس، وتكوين البيت، وإرشاد المجتمع.لقد نجح الأوروبيون فى إجهاض محاولة الاستقلال التى قادها محمد على وحاول فيها بناء مصر حديثة ذات استقلال عن الخلافة العثمانية وفى عام 1940 تم تحجيم تلك المحاولة بمعاهدة لندن ومازلنا حتى يومنا هذا نعيش فى ظل تلك المعاهدة بصورة أو بأخرى.اليوم نحن أمام تحدٍ حقيقى أن نستكمل استقلالنا فى كل الجوانب التى ذكرتها، ونحن أهل لذلك لأن ثورتنا لم تستند إلا إلى إرادة الله وحده، وصنعناها بأيدينا دون مساعدة أحد، وفاجئتنا كما فاجئت الجميع بما فيهم أمريكا، وبثت الخوف فى نفوس أعدائنا الذين يتسابقون اليوم للتدخل فى أمورنا، فهل نسمح لهم من جديد بالتدخل فى أمورنا وشؤننا، أم نتحمل المسئولية كرجال دولة بعد أن كنا ثواراً يشيد بنا الجميع.بقية المخاوف المشروعة هى:1- بقاء الجيش فى الحكم وإطالة الفترة الانتقالية وعدم نقل السلطة إلى الشعب أو نقلها صورياً أى بقاء عسكرة الحياة السياسية.2- الثورة المضادة ومحاولة فلول الحزب الوطنى إجهاض الثورة.3- صناعة فرعون جديد بصلاحيات مطلقة أو شبه مطلقةوعدم التحول إلى نظام رئاسى برلمانى يتم فيه توزيع السلطات والفصل بينها.4- سيطرة اتجاه واحد وحزب واحد على الحياة السياسية وهنا بالذات الخوف من الإخوان المسلمين، ويرتبط بذلك الخوف غير المبرر من ما يُسمى بالدولة الدينية وهى وهم لا يعرفه الإسلام خاصة أهل السنة.ولنا عودة إلى مناقشة تلك المخاوف إن شاء الله.ما هى الضمانات الحقيقية لتبديد تلك المخاوف جميعاً .الضمان الأصلى هو رعاية الله تعالى لتلك الثورة وهذا الشعب الصابر والتى تجلت فى عنوان "ولكن الله رمى".والضمان الثانى هو صحوة الشعب المصرى التى علينا أن نمدها بالماء والغذاء والهاء حتى تستمر وتتحول إلى طاقة عمل لبناء مصر من جديد.والضمان الثالث هو الفرز الجاد للنخبة المصرية (سياسية وفكرية واقتصادية واجتماعية ) حول مهام المرحلة المقبلة والذى سيؤدى بالتالى إلى وضوح المواقف أمام الشعب المصرى ليختار عن بينة.والضمان الرابع هو التحول الضخم الذى يجرى فى المنطقة كلها نحو الحريات العامة.ولن يستطيع أحد ان يعيد عجلة التاريخ إلى الوراء .

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل