بدايات الوقيعة بين الشعب والجيش
اليوم الأحد 27 من فبراير 2011م.. 24 من ربيع الأول 1432ه.. 20 من أمشير 1727.. وفي تاريخه مضي علي الثورة 32 يوماً.. وعلي رحيل الرئيس السابق 17 نهاراً.والذي جري وحدث في بر مصر الآن أنه بعد هذه المدة بدأ يطل علينا تعبير: الثورة المضادة. وتحرك رجالها في أكثر من مكان من مصر. وأنا لا أحب تعبير الثورة المضادة. ولا أعرف من الذي نحته ومن أطلقه. ولا تاريخه. فالثورة لا يصح أن تكون مضادة. والمضاد للثورة لا يمكن أن يكون ثورة. ومنذ نزول رجال القوات المسلحة للشوارع وثمة حالة من الترحيب الشديد من الشعب المصري بوجودهم. بل أن أبناء الشعب كتبوا شعارات خلاصهم علي الدبابات. والعائلات المصرية كانت تأخذ أبناءها من الأطفال لتصويرهم مع الدبابات بعد شراء الأعلام ورفعها. وعندما تم فتح السجون والمعتقلات وخرج منها المجرمون ومعهم الأسلحة. لم يبق ملاذ أمام الناس سوي جيشهم العظيم.لكن الكلام الإيجابي عن الترحيب الشعبي بالجيش وزغاريد النساء بمجرد رؤيتهم لرجال جيشنا وترحيب الفقراء وأبناء الطبقة الوسطي بالقوات المسلحة. قابلته حالة من الحذر ربما الريبة لدي فلول ما سبق. بدأنا نسمع من بقايا وأطلال الحزب الوطني الديمقراطي الذي كان سائداً ومن بعض رجال الشرطة. خاصة من كانوا جزءاً من جهاز أمن الدولة. كلاماً علي أن رجال الجيش يداهنون الناس ويتغاضون عن أخطائهم بحثاً عن حب الشعب لهم حتي لو كان علي حساب الوطن. وأن عين الوطن التي كانت حمراء أصبحت الآن إما بيضاء أو لا لون لها. وأن الأمر قد يستلزم بعض الشدة وربما القسوة. لأن أقدار الأوطان لا تقاس برضي الناس بقدر ما تقاس باستقرار البلاد.لا أستطيع المرور علي ما جري في ميدان التحرير مساء الجمعة الماضي. فقد قيل أن بعض أفراد من الشرطة العسكرية قامت بتفريق المتظاهرين بالقوة وأنه استخدم في ذلك قطع التيار الكهربائي عن الميدان واستخدام العصي الكهربائية. ثم عرفنا أنه جري إلقاء القبض علي المتظاهرين الذين رفضوا مغادرة الميدان. وقرروا المبيت حتي صباح اليوم التالي. وجري نقلهم إلي جهات مجهولة. أكثر من هذا سمعنا أن الشرطة العسكرية كانت تحاول منع المتظاهرين من الوصول إلي ميدان التحرير. رغم الطابع السلمي الذي كان سائداً للمظاهرة والمعلن عنه والذي تم الحفاظ عليه. تدفعني الحقيقة والإنصاف للقول أن القوات المسلحة قالت أنه حدثت بعض التجاوزات في فض المظاهرات ووعدت ألا تتكرر هذه التجاوزات مرة أخري. وأنه تم الإفراج فوراً عن المقبوض عليهم من شباب التحرير. وهو أمر نحمد الجيش عليه.يوم الخميس السابق علي المظاهرة عرفنا أن رئيس الوزراء الفريق أحمد شفيق تسبب في عدم استكمال حلقة برنامج واحد من الناس. التي كان ضيفها إبراهيم عيسي وخالد يوسف. وهو تطور مؤسف رغم انزعاجي من بعض ما قاله صديقي إبراهيم عيسي. صباح السبت عرفنا أن حلقة صباح دريم التي تقدمها دينا عبد الرحمن واستضافت فيها شابين من شباب التحرير أحدهما زياد العليمي. وكان من المفترض أن تعاد الحلقة. إلا أنه مورست ضغوط علي المحطة وعرض لقاء قديم مع المستشار هشام البسطويسي بدلاً من إعادة الحلقة التي دارت حول تجاوزات جرت عند فض مظاهرات ميدان التحرير. نتمني أن تكون هذه حوادث عابرة غير مرشحة للتكرار. وإلا لا أعرف إلي أين نحن سائرون؟إحدي المتظاهرات وهي طبيبة قالت لي أنها استمعت من أحد الضباط - بشكل شخصي - كلاما عن أن حدود مصر في حكم المهددة الآن. خاصة الحدود مع ليبيا بعد تهديد حاكم اللحظات الأخيرة بطرد مليون ونصف مليون مصري إلي الحدود. وأن الأشقاء في السودان يهددون بتغيير وضع حلايب وشلاتين. وأن العدو الإسرائيلي عدو الأمس ما زال عدو اليوم ومن المؤكد أنه سيكون عدو الغد وبعض أجزاء سيناء مهددة. ولذلك كان لا بد من فض من بقوا في الميدان بعد انتهاء المظاهرة. قلت لها: لماذا لم يعلن هذا الكلام علي الشباب؟ ربما كانوا قد انصرفوا من تلقاء أنفسهم.تذكرت علي الفور ما قاله لنا اللواء مختار الملا أن القوات المسلحة التي تتعامل مع المدنيين ليست هي القوة القتالية الأولي ولا الثانية في الجيش المصري. وبالتالي فإن الدور الحالي لا يشكل أي انتقاص من القدرة القتالية لجيشنا العظيم في مواجهة أعداء الخارج. ومع هذا تبقي الحادثة في حاجة إلي تعامل عقلاني بعيداً عن العواطف. لأننا نكتب الآن عن مصير وطن وليس عن لحظة طارئة في عمر هذا الوطن.لقد نزلت القوات المسلحة في الزمن السابق بمهمة محددة وهي مساعدة الشرطة علي القيام بدورها. لكن بعد رحيل الرئيس السابق وتفويضه القوات المسلحة لإدارة شئون البلاد. كان لا بد من أوائل المهام أمام الجيش تحديد طبيعة المهمة الجديدة للقوات المسلحة في إدارة الحياة المدنية وطبيعة دورها. هنا قد أصبحنا علي مشارف دور جديد. يختلف عما كان سائداً في ظل وجود الرئيس السابق. والجيش أصبح مطلوباً منه إدارة شئون مصر كلها. وفي هذه الحالة كان لا بد من إعادة صياغة الدور ووجود بعد زمن من لا زمن له.لكن استمرار بقاء الجيش في الشوارع طويلاً قد يكون غير مطلوب وربما حمل بعض جراثيم ضارة. أيضاً فإن تقديم بعض المدنيين للقضاء العسكري يجب أن يكون في أضيق الحدود الممكنة. وحتي يتم تسليم المهمة للشرطة وهو ما تسعي إليه بأسرع ما يمكن. لا بد من القول أن التواجد العسكري قد ركز في القاهرة والإسكندرية. ولكنه خافت في بعض محافظات الصعيد. لا توجد سوي دبابة واحدة أمام مقر المحافظة فقط.أما في البنادر والقري فحدِث ولا حرج. ونحن لا نطلب من قواتنا المسلحة أن تكون موجودة في كل شبر من أرض مصر. لكن تحديد الأمور مطلوب في هذه المرحلة الغامضة. بل ربما كانت شديدة الغموض.
Comments