المحتوى الرئيسى

شعوبنا: بين جنون العظمة.. وعظمة الجنون بقلم:عزيز العصا

02/26 20:21

بسم الله الرحمن الرحيم شعوبنا: بين جنون العظمة.. وعَظَمة الجنون عزيز العصا [email protected] عندما تبتلى الأمة بمصاب جلل فإن المنقذين لها هم قادتها، الذين يجدفون بقواربها فوق الأمواج العاتية دون أن يَغرَقوا و/أو يُغرِقوا.. أما عندما تبتلى الأمة بالقادة أنفسهم فإلى أين يومئذٍ المفر؟! ولعل الإجابة على هذا السؤال المذهل تحتاج وقفة جادة ومطولة ممن يحاول أن يدلي بدلوه في هذا المجال.. لأن وصف الظواهر وتشخيصها هو الخطوة الأولى التي تسبق طرح الحلول، أو سيناريوهات الحلول.. ولأن عمر الظاهرة قيد البحث، والمتعلقة بتسلط بعض حكامنا وابتلاء الأمة بهم، تُقدر بعشرات العقود المتواصلة من الزمن.. ولأن أفواهنا مغلقة بإحكام؛ وبالتالي يحتاج الأمر إلى قوة هائلة لكي نصل إلى مرحلة قول كلمة الحق في وجه كل فاسدٍ ومفسدٍ بين المحيط والخليج.. ولأن ثمناً باهظاً قد يدفعه كل من يفكر بالسير باتجاهٍ معاكسٍ لرغبة جامحةٍ لحاكمٍ هنا أو حاكمٍ هناك.. ولأننا ننتمي إلى أمة عربية واحدة؛ موحدة اللغة والمشاعر الآلام والآمال والطموحات... الخ.. ولأن الأحداث التي شهدتها تونس ومصر، وما يجري هذه الأيام في ليبيا واليمن والبحرين، لم ينجُ من آثارها أي عربي بالغٍ عاقلٍ منتمٍ لذاته ومنتمٍ لأمته. فكل فرد من أبناء الأمة انعكست عليه الأحداث، ولا تزال، كما هي على أصحاب الجغرافيا التي تشهد الحدث مباشرةً دون أي نقصان.. لهذا ولغيره من الأسباب، فقد ارتأيت التوقف عند ظاهرة معمر القذافي كنموذجٍ لحاكمٍ من حكام الأمة، الذي تجتمع فيه مجموعة من الخصائص التي تستفز العقل وتثير المشاعر المقززة لكل عربي يحترم نفسه ويعتز بانتمائه إلى أمته. فقد عايشنا هذا الأفاك-الأشر منذ (42) عاماً بأيامها، ولياليها، وعذاباتها، وما فيها من هزائم ابتليت بها الأمة بسبب فرقة حكامها وتشرذمهم.. وبالتحديد منذ 1/أيلول/1969م.. ولأن الكاتب ممن تعمقوا في العقد السادس من العمر، فإنه يكون منذ نعومة أظفاره قد عايش هذا الذي ادعى، منذ اللحظة الأولى لتسلله إلى سدة الحكم في ليبيا، أنه قد نذر نفسه لخدمة شعبه وتحسين معيشة أبناء ليبيا بأن يوزع الثروات على السكان بمنتهى العدالة!! كما ادعى بأنه خليفة جمال عبد الناصر، وقد نذر نفسه لخدمة قضايا الأمة وعلى رأسها قضية فلسطين.. أضف إلى ذلك ادعاءاته بأنه سينقذ البشرية قاطبة مما تعانيه من شرور الاستغلال والاستغلاليين، ومن شرور الحكام المتسلطين على رقاب شعوبهم، ومن افرازات الرأسماليين والاشتراكيين على السواء، فخرج علينا بنظرية ثالثةٍ وكتاب أخضر لم أتمكن، لا أنا ولا أي أحدٍ من جيلي، من فهمه حتى اللحظة. وانتهى به الأمر إلى أن يخرج بتسمية "الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الإشتراكية العظمى".. هذه التسمية التي تحمل مفاهيم ودلالات لو طبق القدر اليسير منها لكان معظم أبناء ليبيا، ومن خلفهم أبناء الأمة العربية، يقضون رحلاتهم الاستجمامية على سطح القمر. أما النتيجة فكانت، باختصار شديد، أن هذا المدعي قد كذب في كل ما قاله وما ادعاه، وأنه مجرد فأر وصل إلى كومة خبزٍ أخذ يعيث فيها فساداً، ولعل أبرز الأمثلة على تتمثل فيما يلي: 1. عبث في تاريخ ليبيا ونبش قبور شهدائها الأبرار، وعلى رأسهم الشهيد عمر المختار، الذين تشرفت الأمة بانتمائهم لها، كما يتشرفون هم بانتمائهم إلى أمة ضربت أروع الأمثلة في عمق التاريخ. فحاول التشبه بهم بأن يرتدي الأزياء التي كانوا يرتدونها وهم يسطرون بدمائهم الزكية أبهى الصور في محاربة الظلم والظالمين مهما كانت قوتهم وجبروتهم. وانتهى به الأمر إلى أن يتحول إلى مسخ، بل مسخرة، لحاكم يرتدي ملابس الثوار، ويمارس ممارسة العملاء عندما رهن اقتصاد ليبيا ونفطها ومستقبل أبنائها، بل مستقبل الأمة بأسرها، بيد من كان يعتبرهم هو نفسه أعداء الأمة، مقابل استمراره في الحكم ولكي يحيى في رغد من العيش وهوآمن مطمئن، ومقابل صمتهم عن استثماراته وأمواله المودعة لديهم والتي قدرها الخبراء بأنها تُطعم الأمة العربية بكاملها لمدة أربع سنوات على الأقل، ناهيك عن ثروات أبنائه التي لم تصلنا تفاصيلها حتى اللحظة.. 2. قسم أبناء ليبيا إلى قسمين اثنين، لا ثالث لهما: قلة يحيطون به وكأنهم "كومبارس" لممثل في فلم كوميدي، تتركز وظيفتهم في الهتاف له بما يجعله بعد الله، جل شأنه، مباشرة وقبل ليبيا نفسها، بقولهم: الله.. معمر.. ليبيا وبس. أما وظيفتهم الأخرى فهي ظهورهم على شاشات التلفزة وهم يقبلون يديه وملابسه والتلمس منه كأنه ولي مرسل من السماء. أما القسم الثاني فهم تلك الغالبية العظمى المضطهدة، المروعة-الخائفة-القلقة المسلوبة ثرواتها. وهي التي ينعتها "قائد الثورة!!" بالمهلوسين والجراذين والفئران والمقملين (المقمل هو من ابتلي بانتشار حشرة القمل على جسده). 3. أفنى القذافي عمره السياسي وهو يفتش عن أمةٍ ينتمي لها بشرط أن يُمنح صفات وخصائص متعددة أقلها أن يُنعتَ بـِ "ملك الملوك"، فأدار ظهره للأمة العربية عندما هدد بسحب ليبيا من جامعة الدول العربية، وعندما كانت خطاباته وطروحاته مضرة بالأمة وقضاياها المصيرية، وتوجه لكي يقيم وحدة مع مالطا، فلم يفلح، ثم أخذ يبدد الثروات الطائلة لكي يهتف له الأفارقة ويمجدونه ويمنحونه الألقاب والنياشين التي تشبع صلفه وغروره اللامحدودين، فلم يفلح كذلك.. الآن.. يفاجأ القذافي بأولئك الشهداء ينتفضون في وجهه وهم يرفضون العبث بتاريخ ليبيا الأبية.. وها هم أحرار ليبيا وحرائرها، ومن خلفهم أبناء الأمة، يرفضون الظلم والطغيان ويصرون على أن تعود ليبيا جزءاً حياً من أمتهم، وأن تعود لشعب ليبيا ثرواته التي سيوقف هدرها في شعوذات وهلوسات حاكمٍ غير سوي.. أما "القائد الملهم! و"الزعيم الأوحد!" فإننا، حاشى لله، أن يكون لدينا وصف غير ما يقوله رسول البشرية محمد صلى الله عليه وسلم في المنافقين: آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان، وفي رواية : وإذا عاهد غَدَر، وإذا خاصم فَجَر. وها هو يهدد بأن يبدد ثروات ليبيا التي اختلسها في غفلة من الزمن في تسليح مرتزقة يسومون أبنا ليبيا سوء العذاب. وهنا لا يسعنا إلا أن نردد قوله تعالى: "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" صدق الله العظيم (الأنفال‏:‏ 30‏). وإلى أن ينجلي الأمر في ليبيا وغيرها، فإن كل مواطن عربي يتوجه إلى حكام الأمة مناشداً إياهم بأن يلفتوا إلى مصالح شعوبهم التي ائتمنوا عليها، وأن يكرسوا ثروات الأمة في خدمة قضاياها المصيرية، بما يحفظ لإنساننا كرامته وحقه في العيش الكريم دون أن يدفع ثمن مزاجيات "الحاكم الأوحد" الذي لا يحتكم إلى مؤسسات أفرزها الشعب.. وأن لا يكون بيننا مكان لحاكمٍ يعاني من جنون العظمة وشرود الذهن والهلوسة، لكي نحمي أبناءنا من عظمة الجنون؛ فجنون الحاكم يعني ضياع الوطن، وتبديد ثرواته، وسرقة حق الأجيال القادمة في حياة حرة كريمة على أرض الآباء والأجداد. أما حكمة الحاكم وحنكته وحمله للأمانة بصدق ونزاهة، فتجعله يقضي وهو يواجه الظلم بشجاعة منقطعة النظير، وينتهي به الأمر شهيداً.. شهيداً.. شهيداً؛ ليشكل رمزاً حياً للأجيال القادمة، وليصدق فيهم فيه قوله تعالى: "الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا" صدق الله العظيم (النساء: 69). العبيدية،

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل