المحتوى الرئيسى

الثورة العربية بقلم:خالد أبوالفتح الأمين

02/26 20:21

الثورة العربية إن ما يحدث اليوم بالمنطقة العربية من ثورة كبرى وفريدة نتنسم رياحها الزكية ونتفيأ ظلال شجرتها الوارفة مبشرةً بعهد جديد طال انتظاره، يذكرنا كل ذلك بما حدث بأوروبا منذ قرون، لقد أرست ثورات أوروبا لبنات المجتمع الأوروبي الحديث، فمفهوم الدولة الحديثة التي قامت في أوروبا على أنقاض الأنظمة المستبدة التي كانت تحكم بالقهر والجهل وبموجب الحق الإلهي هو الذي فجر طاقات شعوبها، غير أن الحراك العنيف الذي خلفه زلزال التغيير في أوروبا تسبب في دمار كبير وإراقة دماء غزيرة، وهزاته الإرتدادية حطمت منطقتنا العربية التي كانت تسبح في دياجير الجهل والظلم والتخلف، فتشظت جراء ذلك إلى دويلات لا يحكم المنطق تقسيمها وإنما أهداف ومصالح الدول المستعمرة، وحينما انقسم الغرب إلى معسكرين شرقي وغربي دارت تلك الشظايا حول فلك كل من المعسكرين بغير ما انتظام، فكانت النتيجة مزيدا من التوتر والتشظي، فصارت المنطقة إستغلالاً وإستقلالاً نهباً لبلدان الغرب الحديثة التي كانت متعطشة لكل ما يمكن أن يسكب في شرايين دولها المتيبسة نتاج الحروب التي خاضتها. أوروبا الديموقراطية المتحررة من كل قيود الدين والكهنوت لم تكن ديمقراطية عادلة تجاهنا، ولم تكن تمتلك وازع أخلاقي في التعامل مع الشعوب المستضعفة التي قهرتها واستعبدت شعوبها بشكل مباشر وغير مباشر بخسة ودناءة، لقد كانت ثورات أوروبا عادلة وديموقراطية في اتجاه الداخل، بينما كانت جائرة وإستبدادية في اتجاه الخارج، لقد أقامت ثورات أوروبا داخلياً ديموقراطيات راسخة ونزيهة أدت إلى توحيد أوروبا نهاية المطاف على أساس ديموقراطي سليم وعقلاني وذلك بعد حروب جمة أهلكت الحرث والنسل فتجاوزت بذلك كل مرارات الماضي الدموي. في حين كانت نظرتها إلى الخارج مغايرة تماماً بدأت باستغلال الشعوب الضعيفة بشكل مباشر من خلال ما سمي بالاستعمار وهو وسيلة رخيصة لنهب مقدرات الأمم، وغير مباشر عبر إتلاف إقتصاداتها بتحويلها إلى اقتصادات تابعة دارت في فلك الأوروبي ولم تزل. لقد ابتكرت الشعوب الأوروبية قبل وبعد ثوراتها أبشع أنواع التجارة التي عرفها التاريخ الإنساني ألا وهي تجارة الرقيق، وأثارت القلاقل والفتن وخلقت بؤر التوتر والصراع في كل المناطق الأضعف حول العالم، وكل هذا حقائق دامغة لا لبس فيها باعترافاتهم هم وباعترافات أحفادهم اليوم. وحينما انهارت مقدرات أوروبا كنتاج حتمي للحروب التي ختمت بالعالمية الثانية، وحينما تفلتت الشعوب المقهورة من قبضة الاستعمار الحديدية التي ارتخت لما يشبه الموات، حيكت المؤامرات الدنيئة لتشظية المستعمرات بعد استغلالها ومن بينها عالمنا العربي، فقامت أوروبا بكل الخبث والمكر بتقطيع أوصال المنطقة عبر الدسائس والاتفاقيات، وخلقت وحمت أنظمة مستبدة خدمة لأهدافها ظللنا نعاني منها لما جاوز القرن من الزمان. إن حال الثورة في العالم العربي اليوم لا يختلف عن حال أوروبا قبل بضع قرون خلت .. فقط وفقط من حيث الدافع لتلك الثورات ألا وهو إزالة الاستبداد الذي جثم على صدر الأمة فخنقها بأكثر مما خنقها التسلط العثماني المتخلف، غير أن ثورة الغرب تمت بدون وصايات من شعوب أكثر حظوة في القوة، فثورات العالم العربي اليوم تتم في أجواء تحرسها المطامع والمصالح والاستخبارات والأساطيل، وهي أشبه ما تكون بانفجارات التجارب النووية عنيفة في القوة والاتجاه غير أنها تتم بمتابعة دقيقة من خلال غرف التحكم المخفية أو المموهة بالغرب. فمن المسلم به أن إنهيار الانظمة العربية المستبدة العميلة سيؤدي إلى كوراث ومنغصات جمة في إتجاهات مختلفة بالنسبة للغرب، فهنالك مصالح حيوية قصوى لدول الغرب في المنطقة لا تبدأ بالنفط ولا تنتهي بالدعم اللا محدود للكيان الصهيوني، وتطور الثورات العربية في اتجاه ديمقراطي سليم سيعزز من فرص الوحدة والتقدم والتفوق سيما وأن الخلافات البائدة ليست بين الشعوب وإنما بين الحكام ومن يخدمون مصالحهم مما سيقلل من طول الفترة اللازمة للولوج للوحدة الكاملة، والمنطقة بعلم الجميع زاخرة بالموارد الوفيرة التي يفتقر لها كل العالم، والثابت أيضاً أن إنسان المنطقة يمتلك طاقات خلاقة مبدعة إذا توفرت له المقومات المادية والمعنوية ما يعني تحقيق تقدم مذهل وسريع في فترة قصيرة جداً مقارنة بالفترات التي أخذتها الشعوب الأخري في ارتقاء سلم التقدم، فهل سينظر الغرب لكل هذا بعين الرضا؟؟!! نحن نراه اليوم ينظر شذراً لتقدم التنين الصيني برغم كل الفجوات في جسده المهتريء، فالغرب لا يقبل أبداً ظهور أمم منافسة له في الريادة. وهذا يقودنا مباشرة إلى النظريات الغربية الحديثة بل وحتى النبوءات الدينية التي تتحدث عن حتمية صراع الحضارات، فتوجس الغرب هو من ميلاد وحدة حقيقية بين شعوب المنطقة يمكن أن تقود إلى ندية حقيقية، والنموذج الصيني الحالي أو المستقبل ليس نداً حقيقياً لديموقراطيات الغرب الراسخة مهما أحرز من تقدم تكنولوجي وإقتصادي وعسكري، ومهما نمت قوته البشرية التي قاربت أن تمثل ربع سكان العالم، فحظوظ فنائه أبلغ من حظوظ إستمراريته وبقائه، وتجارب الغرب في هذا المضمار ناجحة وباهرة فقد تمكن من أن يسترجع جزء سليب منه تحت مسمى الشيوعية إلى حظيرته بعد أن أنفق أكثر من نصف قرن في حرب باردة. إن الحرية والديمقراطية التي ستنشأ بالمنطقة مدعومة بالتكوين النفسي الصلب لإنسان المنطقة الذي يرتكز على إنتمائه العقدي سيقف حجر عثرة أمام كل مخططات الغرب، فما سينشأ من حريات في المنطقة سيكون متسلحاً بالعقيدة الاسلامية التي هي دين السواد الأعظم، وليست هنالك من ثأرات للشعوب على العقائد كما حدث في الغرب، وكل ذلك سيقلل من إندفاع الديموقراطيات الوليدة غرباً، بل سينعكس في اتجاه آخر لطالما كان الغرب يخشى حدوثه. ولا نقول بحتمية أن المنطقة ستنزلق كحضن دافيء للحركات الموصوفة بأنها إسلامية إرهابية، فكل الدول التي تحررت من حكم الاستبداد بالمنطقة أو التي تجاهد للتحرر لم تعر بالاً للحركات الموصوفة بالإرهاب، بل لم يكن لتلك الحركات دور مطلقاً في دعم الثورات الممتدة عبر الوطن من المحيط إلى الخليج، لقد كانت كل تلك الحركات المذكورة شبيهة في تكوينها النفسي والبرامجي بالانظمة الاستبدادية التي حاربتها الشعوب، فليس لتلكم الحركات من حظ أو نصيب في تكوينات الدول الحديثة التي ستنشأ ونستبشر بولاداتها قريباً جداً. لقد بدأ العالم العربي فعلياً بالتحرر وسيطال التغيير كل المحيط الجغرافي الإسلامي والعرقي في المنطقة، بما يعني زلزالاً لا يمكن رصد قوته بمقياس ريختر، ووعي الأمة اليوم أكبر وأبلغ من أن يزيف بكل ألاعيب وآلات الغرب الدعائية ومؤامراته الدنيئة التي حيكت في الماضي كما تحاك حالياً، فهل سيتعامل الغرب باحترام مع هذا المارد القادم أم أنه سيختار المواجهة المبكرة على خلفيات الماضي المشئوم المليء بالاستغلال والتآمر على المنطقة مستلهماً في ذلك أفكار فلاسفته ونبوءاته بشأن حتمية الصراع؟؟!! بالطبع سيؤثر ذلك بالغ الأثر على مستقبل البشرية وعمرها المديد على هذه المركبة المثقلة بالذنوب والخطايا. خالد أبوالفتح الأمين - السودان [email protected]

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل