المحتوى الرئيسى

انتبــــــــــــه....! هذا مكان رسول الله بقلم محمد محمود عمارة

02/26 20:21

اعتلى أحد الشباب الملتحى المنبر ليخطب فينا الجمعة ، بدأ خطبته بتفسير الآية الكريمة " وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ " البقرة: الآية251 كانت الأمور إلى هذا الحد تسير بشكل طبيعي ، لولا أن الشاب بدأ يتحدث عن الليبرالية و معناها و مفهومها و الهدف منها ثم تحدث عن المذهب البروتستانتي و تاريخ تأسيسه ثم تحدث عن مفهوم المواطنة و الأخطار الكامنة خلف تلك العبارة ، ثم تحدث عن أسباب الغزو التتري لبلاد المسلمين. كان مما قال في تعريف الليبرالية أنها دين خبيث ظهر في أوربا في القرون الوسطى و أنها دين الهدف منه القضاء على الإسلام مثلها مثل الدين العلماني و الدين الشيوعي ، و حين انتقل للحديث عن منشأ المذهب البروتستانتي قال إن المسيحية انقسمت إلى ثلاثة أديان : الكاثوليكية و الأرثوذكسية و الإيريسية ، و أن مارتن لوثر أنشأ هذا الدين في أمريكا بخلط بعض التعاليم المسيحية ببعض التعاليم اليهودية ، أما سبب غزو التتار للعالم الإسلامي فهو إسقاط الشريعة الإسلامية. أما كلمة المواطنة التي أسهب في سبها و الخروج منها للحديث عن الأقباط فكانت أطول أجزاء الخطبة. كان الخطيب يقدم هذه المعلومات للمصلين بثقة مبالغ فيها بينما أنا أتقلى في جلستي من شدة الغضب ، غضب لم تهدأ فورته حتى بعد انتهاء الخطبة و أداء الصلاة و الخروج من المسجد. التفت إلىّ ابني البالغ من العمر أربعة عشرة عاماً و هو يقول لي : " ما شاء الله يا أبي ، هذا الشاب غزير العلم و المعلومات " . التفت إليه قائلاً : ماشاء الله يا عبد الرحمن هذا الشاب مثال واضح للجهل الصارخ ، و إن كان هناك درساً أريدك أن تتعلمه فأريدك أن تتعلم ألا تتحدث في موضوع لم تقرأ عنه و لم تحط به علماً خصوصاً إذا وقفت في مكان له مهابته كمنبر خطبة الجمعة. فوجئت بخمسة كانوا يسيرون خلفنا أحاطوني ، و يبدو أنهم سمعوا الحوار الذي دار بيني و بين ابني ، فقال أحدهم: هل تريد القول أن "الشيخ" أخطأ في شئ ؟!! قلت له: بدايةً إنه ليس شيخاً ، إنه مجرد شابا ملتحي تجرأ على هذا المكان ظناً منه أن قليلاً من القراءة في العلوم الشرعية تؤهله للصعود إلى هذا المكان ، ثانياً إن 90% من المعلومات التي ذكرها خطأ . قالوا : مثل ماذا؟ قلت : أولاً ، لا الليبرالية و لا العلمانية و لا الشيوعية أديان بل هي مذاهب فكرية. ثانياً أن الليبرالية التي ظهرت في أوربا في القرن السادس عشر لم تكن تعرف الإسلام أساساً حتى تحاربه في حينه ، كما أن معناها يختلف تماماً عما ذهب إليه الشاب . سألني أحد الشباب ،الذين ازداد عددهم من حولي ، إذاً فما معناها ؟ قلت يا أخي كلمة ليبرالية إذا أخذتها في المعنى الإنجليزي فلها معانٍ عدة منها العقلانية و الحرية و هي لفظ مشتق في الأصل من اللغة اللاتينية ، من كلمة " Liber " بمعنى الحرية ، و هو مذهب فكري و فلسفي دعا إلى تحرير الفرد من قيود السياسة و الاقتصاد و الثقافة ، و أن للمرء الحرية المطلقة في اعتناق ما شاء ، لا تحكمه قيود سوى قيود حرية المحيطين به و القوانين الملزمة للمجتمع الذي يعيش فيه لأن هذه القوانين تتغير من مجتمع إلي آخر و المفهوم الاقتصادي يقوم على إطلاق حرية السوق و عدم وضع القيود عليه و ترك آلية تحديد الأسعار للسوق ، سواء صعوداً أو هبوطاً. ثانياً البروتستانية مذهب ديني مسيحي و ليست ديناً ، و مارتن لوثر أنشأ مذهبه البروتستانتي في ألمانيا و ليس في أمريكا كما قال صاحبنا ، و مذهبه قام على عدة نقاط اختلف فيها مع الكنيسة الكاثوليكية التي كان هو أحد قساوستها : 1- تقوم الكنيسة الكاثوليكية على مجموعة من الأسرار ، منها سر الاعتراف ، و عليه فكل مسيحي يجب أن يكون له قس اعتراف يكون همزة الوصل بينه و بين السماء ليعترف بخطاياه و يتلقى الغفران. انتقد مارتن لوثر هذا الوضع و اعتبر أن من حق المؤمنين التوبة دون واسطة وانتقد سلطة البابا و الكنيسة في هذه النقطة. 2- كانت الكنيسة الكاثوليكية تعتمد عدة شروح للأناجيل ، رأى مارتن لوثر أنه من حق المؤمنين المسيحيين قراءة الأناجيل و تفسيرها حسب فهمهم. 3- اعتمدت الكنيسة في الصلاة على اللغة السريانية و القبطية في كنائس أخرى ، بينما رأى هو أنه من حق المصليين فهم ما يتلونه من صلوات و أن تكون بلغتهم التي يتحدثون بها. 4- رأى أن للقسيس الحق في الزواج ، و بذلك تمرد على ركن من أركان الكنيسة الكاثوليكية و هو بتولة القس. 5- أنه رأى أن السيد المسيح سيظهر في آخر الزمان ، لكن لابد من استباق ظهوره بخطوتين : الأولى عودة اليهود إلى القدس و الثانية تحولهم إلى المسيحية ليظهر بعدها السيد المسيح و يطهر العالم من غير المؤمنين. ثالثاً : التتار لم يهاجموا العالم الإسلامي ليقضوا على الشريعة الإسلامية ، أولاً لأن التتار و قتها كانوا إعصاراً اكتسح في طريقة المسلمين و غير المسلمين . ثانياً أن الخلافة العباسية في ذلك الوقت كانت في عز ضعفها و كان المجون و اللهو أهم ما يميز تلك الحقبة ، و لعلنا نعرف ما دار بين هولاكو و الخليفة العباسي بعد أن أخرج الخليفة كنوزه المخبوءة من تحت فسقية قصره ليفتدي بها نفسه و أهله. ثم تحدثت عن سماحة الإسلام مع غير المسلمين و أن هذا ما يعلمنا إياه ديننا من خلال قرآننا و من خلال سيرة نبينا و تساءلت : هذا هو الإسلام الذي نعرفه ، فمن أين يأتوننا بهذا الإسلام المشوه الذي يطفح بالعصبية و التطرف؟! ثم أن الوطن في هذه الظروف العصيبة التي يمر بها ليس في حاجة لمثل هذا الخطاب الذي يسكب الزيت على النار. قلت لهم إن هذا المكان الذي تجرأ عليه هذا الشاب هو مكان رسول الله ، فعلى من يصعد إليه أن يعرف جلال و مهابة هذا المكان و أن يكون مسلحاً بالعلم الشرعي الصحيح لأنه ينقله إلى جموع لا تقرأ ، لا في الشرعي و لا في غير الشرعي ، و أن من يرد التحدث في السياسة فليجأ إلى كتب السياسة المتخصصة ، و من أراد الاستشهاد بالتاريخ فليرجع إلى كتب التاريخ الموثقة ، لا أن يصعد على المنبر ليتحدث في مكبرات الصوت ليسمع بجهله القاصي و الداني من غير المسلمين فيتخذونها ممسكاً يتهمون به الإسلام ككل و يطعنون و يشككون فيه لا لشئ سوى أن منا من تجرأ على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير علم ولا فقه !!!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل