المحتوى الرئيسى

كيف لحركة النهضة أن تقبل بحكومة الالتفاف؟ بقلم:محجوب احمد قاهري

02/26 13:21

ليس من السهل بان تكون نهضويا وتعلن عن نفسك في ظل حكومة لم تنزع عنها أدران بن علي وخطاياه, السلطة هي نفسها نفس دستورها وقوانينها ومناشيرها, ونفس رموزها في قصر الحاكم وفي كل المؤسسات, نفس رجالها في المناطق ونفس أئمة مساجدها. ولأن التجمع حزبا إيديولوجيته الانتهازية فهو يتموقع دائما مع الغالب ومع من في المقدمة, فقد هجر الكثير من رموزه وقواعده إلى الانضمام إلى الحزب التقدمي الاشتراكي على الأقل بجهة القصرين, لسنا نعلم هل إن قيادات هذا الحزب تعلم بهذا الاندساس أو إنهم يعلمون ولكنهم يبحثون على من يشتري بطاقة اشتراك, ولذلك فان التجمع يجد نفسه في قلب الحدث لأن مؤسس حزبه الجديد في وسط الحكومة يأمر وينهي ويسب من كان معه في المعارضة. وكذلك بعض رموز اليسار القديم الذي أصبح قصر القصبة دارا له من أمثال السيد الهادي البكوش, وبرغم عدم حصوله على أية مسؤولية في الكعكة التونسية, فانه لا يقدم تفسيرا واحدا على وجوده هناك سوى لتحريك المشهد السياسي في تونس من خلف الستارة, ولفائدة من؟ فالأكيد لقوى الردة والتآمر على الثورة. كل المؤشرات تقول بان حزب التجمع وأزلامه رجعوا من الأبواب الخلفية, يقودهم زعيم الخصخصة والاستيلاء على ممتلكات الدولة لفائدة الخواص, والخواص ليسوا سوى عائلة وأصهار بن علي, وهو السيد محمد الغنوشي الذي تربى في أحضان دائرة الفساد الكبرى لبن علي, وقد صمت على ذلك لأنه أما مشاركا لهم في الفساد أو انه عاجز متخاذل وبذلك لا يقدر على إدارة شؤون البلاد. وهؤلاء جميعا بدون استثناء, كانوا مشاركين وشهودا على قمع قيادة وقواعد النهضة, بالقتل والسحق والتنكيل والسجن والتهجير, سقط رأسهم بن علي وبقوا هم يديرون المشهد كما يريدون وابقوا على قوانينهم كما هي, وأقاموا وزكوا ثلاث لجان لصالحهم وفائدتهم وبرؤوا كل الوزراء حتى من قبل أن يبدءوا تحقيقاتهم, وخلصوا إلى أن بن علي هو وحده الفاسد وذلك بعد أن تأكد لهم بأنه يغفو في غيبوبة طويلة قد لا يلقى فيها الموت القريب. منذ افريل 1972 عندما تمت اللقاءات التنظيمية الأولى لقيادات الجماعة الإسلامية, النهضة حاليا, والجماعة تعمل في السر خوفا من الاعتقال والقمع والقتل والذبح والسجن والتشريد, إلى أن جاء ماي 1991, حيث أتم بن على الإجهاز على كل نفس نهضوي. اعتقل أكثر من ثلاثين ألف من حركة النهضة, نكل برجالها في السجون أذاقوهم الويل بأبشع أنواع التعذيب وبالسجن الانفرادي, وبعد أن أفرجوا على البعض منهم زجوا بهم في سجن آجر, وهو سجن المراقبة الأمنية حيث على كل واحد منهم أن يزور مركز الأمن القريب منه ليمضى إلى حدود اثنتي عشرة مرة يوميا وإلا يعاد سجنه مرة أخرى, أطرد أبنائهم من أعمالهم ومدارسهم ومنعوا عنهم كل عمل مهما كان بخسا, ليضعوه بذلك في سجن الجوع وألم الحرمان. عذبوا نساءهم, أدخلوهم السجون, قاموا بتعريتهم في الشوارع أمام الملأ, وأمام أهليهم داخل السجون, طلقوهن من رجالهن غصبا وبهتانا. ولم يكن هذا القمع والإرهاب في زمن محدود, كان متواصلا ويوميا منذ بداية 1991, وأصبح الاعتداء على "مشتبه به" بالإسلام وأداء الصلاة أو ارتداء الحجاب غنيمة للبوليس السياسي, حيث انه ينال حوافز مادية ومعنوية لكل من يعثر على متهما من هذا الطراز, وتفننوا في التعذيب والتنكيل لأن الحوافز كانت مغرية جدا. ولم يسلم أيضا الكثير من الأشراف والأحرار في هذا الوطن من القمع والترهيب والسجون ولما نال التونسيون شرف ثورة تونس وثورة 14 جانفي الخالدة, كان المأمول بان تصبح تونس للجميع, ويساهم الجميع في بناء الدولة المحررة, لكن السيد الغنوشي مع من يحركه آثروا لأنفسهم بكل تونس, وشكلوا حكومة التفافية تليق بتاريخهم الأسود الحافل برائحة الدماء, ونصبوا أنفسهم حكاما منقذين للبلد, ومن ماذا سينقذونه؟ سينقذونه من طلب الحرية والديمقراطية وحقوق المواطنة كاملة لكل تونسي بدون اعتبار انتماءه أو جنسه أو لونه, سينقذونه من طلب تكوين مجلس تأسيسي لكتابة دستور يليق بمقام الثورة, ومن اختيار طبيعة النظام الذي يتوافق الجميع على شكله البرلماني, ومن انتخاب برلمان نزيه حر وليس على شاكلة من بقوا إلى الآن في البرلمان وتاريخهم يشهد بخيانتهم للشعب الذي من المفروض قد انتخبهم وصوّت لهم. لم يعش أي حزب أو حركة, قمع أو إهانة أو تعذيب أو إرهاب وقتل مثل ما عاشته حركة النهضة, 39 سنة من العمل السري, و20 سنة من القمع اليومي المتواصل. أليس من حقها التمسك بحكومة إنقاذ ينقذ شرف الثورة المغدورة, أليس من حقها المطالبة بدستور يضمن حرية الجميع؟ أليس من حقها المطالبة بانتخابات نزيهة حرة يتساوى فيها كل التونسيون؟ أليس من حقها المطالبة بقوانين تحمي حرمة الفرد في معتقداته وأرائه وأفكاره؟ إن ما أنتجته الثورة تريد حكومة بن علي الوريثة والتي تسمي نفسها حكومة التفافية, أن تجهز عليه وأن تبقي على كل موروث قمعي وإرهابي, لن يقبله عاقلا. وعلى الغنوشي ووزراءه بمن فيهم من كانوا محسوبين على المعارضة, نجيب الشابي واحمد ابراهيم والطيب البكوش, بان يفهموا بان هناك على الأقل ثلاثين ألف من حركة النهضة يرفضونهم رفضا قاطعا, يريدون أن يتنفسوا حرية وسلاما وعدلا ودستورا وقوانين تكفل مواطنة المواطن بعد ان عاشوا أوزار المحرقة التي أصابتهم, وقد انضم إليهم كل الشعب, فلماذا لا تفهمون صوت الشعب الذي وقف إليكم بالمرصاد؟. الدكتور محجوب احمد قاهري

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل