المحتوى الرئيسى

ناظم السيد.. سيريالية وغرابة الصور الممتعة

02/25 09:03

بيروت (رويترز) - مجموعة ناظم السيد الشعرية (منزل الاخت الصغرى) تمثل تطورا في نتاج الشعر لم يخالف ما سلف عنده بل تجاوزه بشكل بيّن.مجموعة الشاعر اللبناني تتألف اجمالا من قصائد قصيرة تتسم بأجواء سيريالية وغرابة في الصور ورمزية مميزة احيانا كثيرة وترافق ذلك متعة جمالية لا تخفّ قوتها الا في بعض القصائد القليلة التي تحولت الى مجرد افكار وردت ببرودة ليست مألوفة في المجموعة ككلّ.وردت المجموعة في 105 صفحات وضمت نحو 77 قصيدة قصيرة توزعت على عنوانين رئيسيين هما (تفريق المفرد) و(متسولو الوقت). وقد صدر الكتاب عن مؤسسة (الكوكب) وهي فرع من دار (رياض الريس للكتب والنشر.)تبدأ المجموعة بقصيدة (نصائح الاخرين) وفيها نصل مع المجاز والرمز الى التحول الذي يطول كل شيء الاشياء المادية وتلك المعنوية ومنها الحكمة او مانتوهمه كذلك ..وتستمر التجربة البشرية في تحول لا حدود له. يتكلم ناظم السيد هنا في هدوء لا توتّر شعوريا مشعّا فيه او هدوء ربما استطاع تبريد التوتّر وتحويل ما في النفس الى حديث هاديء يبدو ايضا انه يحوّل الكلام الى ما يشبه النصائح التي اهملها الشاعر.ومن ناحية اخرى يبدو الشاعر كمن يتساءل (ما الذي تغيّر ..نحن ام العالم حولنا..ام كل ذلك .. ) يقول (لا افعل شيئا سوى كتابة نصائح الاخرين) اكتبها على اوراق صغيرة واضعها في الجارور المعتم (بعد فترة طويلة او قصيرة اعود الى هذه النصائح )ولا اتفاجأ حين اجدها لا تشبه تلك التي قدّمت اليّ/ لهذا اكتبها/تلك النصائح ( واتركها هناك تتغير من تلقاء نفسها.)في (هذا الانتظار) نصل مع الشاعر الى ما يشبه نظرية الفن للفن او الى القول بان اهمية السعي هي في السعي ذاته او لعل الامر اقرب الى رياضة نفسية تغيّرنا كما تتغير يدا الشاعر.يقول (في المكان ذاته) حفرت طويلا (وما كان همي ان اجد شيئا) او اثرا او مقعدا او حتى عظاما/ كل ما طمحت اليه ( ان تتغير - مع الاصرار- يداي.)وفي (الخيط الاعمى) سيريالية من ناحية وما قد يشبه القول في بعض سطورها من ناحية اخرى بان العمل نفسه هو الذي يحدد الغاية وليست الغاية هي التي تؤدي الى العمل والجهد. ترى ايريد القول ان الجهد وما يبعثه من دفء هو متعة الحياة او الدليل عليها.. وربما بدت القصيدة حديثا عن فقدان الاهتمام وغياب الادوار والشغف وما يبدو اشبه بالحسد او الغيرة من كل جهد.ومهما توصلنا اليه هنا فهو يبقى ضمن عالم تساؤلات "وجودية" ناظم السيد يقول في القصيدة (لو كنت احتكاك الاكتاف في الاماكن المزدحمة) التصفيق المتعاطف (الرقبة التي تلتفت لتغيّر مشهدا وتنقل حياة. او الثرثرة الحماسية والواهمة للخارجين من صالة سينما) لو كان لي اكتفاء بلاطات الغرفة بالمجاورة ( او النظرة التي لا تعرف ماذا ترى الان )بعدما فقدت صلتها نهائيا بالعين ( لو كنت الخيط الاعمى تدلّه الابرة على الطريق.)في قصيدة (بعد السباحة) صور سيريالية وغرائبية بامتياز وكأنها هنا التقطت بالة تصوير فريدة اي بعين طفل تصور وتخلق الصور كذلك. يقول (اسندت السماء على سطح بناية) على جبل ( على الطرف القصيّ للبحر)على نظرات الممددين على ظهورهم بعد السباحة (غرقى الاعالي.)وفي نطاق تجربة انسانية مألوفة وعلى غرار ابي الطيب المتنبي الذي قال انه لو عاد الى صباه (لفارقت شيبي موجع القلب باكيا) فان ناظم السيد في (استعادات) يفيض طفولة حلوة ويختم قصيدته بصورة رائعة.يقول بموسيقا نابضة بهدوء (لا احب مغادرة شيء ) مثلا ( حين اترك بيتا كنت استأجره اتألم)حين اتخلى عن كنبة قديمة/ او حذاء كنت انزّهه بعناية كقدمي ّ/ العادات السيئة ايضا افارقها بندم/ الامراض التي تزول لكنها تخلّف ألمها الدائم))وهذه الكسور القديمة تحت الجلد/ الجروح الموزّعة في الوجه والرأس واليدين و الرجلين/ اشتاق الى اوجاعها المعطلة/الاشياء كلها اعيشها مستعادة/ كأنما حياتي ليست اكثر من وجه/ ملتصق باحكام على نافذة قطار./واحيانا نصل الى ما يبدو صعبا على الفهم ولعل الشاعر نفسه في الصورة التي رسمها لم يصل الى وضوح كاف. لعله ..و لعلنا ففي (فكرة واحدة) يقول الشاعر (عشت بفكرة واحدة )قليلا ومشوشا ( كعشبة رأت نفسها في عين بقرة.)في (مترجمو النوم) تمجيد لحياة الحلم بما يذكرنا بتقسيم بيتاغوروس الناس الى ثلاثة انواع وافضلهم هم الذين جاؤوا الى الحياة للتأمل او" للفرجة وللحلم".يقول الشاعر (لا لم افعل شيئا في حياتي)سوى هذه الاحلام الخالدة/ اناس غيري سيواصلونها/ متغلبين بها على العيش/ من هذه الاحلام/ سيصنع اخرون منازل/ سيحرزون تقدما في وظائفهم ( ويربون ازهارا شبيهة بالاطفال) الاخرون واقعي./وفي قصيدة (مكابدة النوم) صورة مميزة يأخذها من "الواقع" ليدفعها اليه و ليجعلها تراوح بين الحلم الحلو والكابوس الخفيف. يقول (يحدث ان اقوم في منتصف الليل) باحثا عن صوتي/ الذي ما زال نائما/ غارقا في الحلم ../ من هنا أراه/مبلّلا بالعرق/ لاهثا باتجاه الواقع./ونصل احيانا الى "تقريرية" باردة كما في (اه طبعا) حيث يقول ( منذ متى اكتفيت من القصائد بعناوينها )..وصرت تظن ان العناوين توازي تأليف كتاب/ تقول سأكتب كتابا اسمه "علي الميت"/واخر بعنوان "الولد الشفهي"/ واصبحت ترتاح لهذا التدبير.../كما نصل احيانا اخرى الى صور سيريالية خاصة فيها غرابة وفيها ايضا ما قد لا يوصلنا الى المقصود منها ..باستثناء غرابتها. في (ذات مرة وكل مرة) يقول (ادور في الشوارع) حاملا رأسي تحت ابطي/ مغلقا فمه ( بيدي التي انتزعتها )من مستقبل شخص اخر./وعلى غرار القول مع فيروز (يبكي ويضحك لا حزنا ولا فرحا) فناظم السيد في (كنت اسرع منهما) يقول (الفرح والحزن)يصلان متأخرين/ويقعدان على كل خطوة مغادرة من خطواتي/ لدرجة ان يومي نفسه (يمضي معي ) ويجعلني متشابها./في ختام القصائد نقرأ قصيدة مؤثرة تصور الجفاف بما ليس جافا بل بحياة محزنة وهي (اخت بعد الخمسين) وفيها يقول (لاخت الكبرى )حين يخطر لها المستقبل ( تقول اشياء غريبة عن الحياة) تتمتم امثالا شعبية/ وهناك/ بعيدا في عينيها/ يلمع ما كان في السابق دمعا./القصيدة الاخرى هي التي اعطت للمجموعة عنوانها اي (منزل الاخت الصغرى) وفيها يقول في تصويرية حلوة جارحة (في المرطبان الزجاجي) بقايا متيبسة من مربى المشمش/ وعلى الباب ( قشر برتقال )يقود النمل الى بيت فارغ./من جورج جحا

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل