المحتوى الرئيسى

> اقتصاد «روبن كروزو»

02/24 22:01

أبسط مثال «لوضع اقتصادي» هو شخص واحد يعيش وحده علي جزيرة معزولة. هذا هو مثالي كمهندس يعتمد فقط في تفكيره علي المنطق ولم يدرس علم الاقتصاد بأي شكل أكاديمي. لكي يستطيع «روبن سان كروزو» أن يحيا علي جزيرته التي أخذته إليها أمواج المحيط إليها بعد أن غرقت سفينته كان عنده خياران. إما أن يعمل يوميا علي صيد الأسماك وقطف ثمار الأشجار أو أن يقلل وجباته واحتياجاته إلي أقصي درجة. بالطبع يستطيع «روبن سان كروزو» قبل أن يكتشف أن له جيران علي الجزيرة وقبل أن يتقابل مع «فراي داي» الشاب الأسود الذي أطلق عليه اسم «جمعة» أقول يستطيع «سان كروز» أن يخزن الطعام بشكل أو بآخر حتي ينعم في بعض الأيام بالراحة التامة. باستثناء الوحدة القاتلة والملل لا يوجد «لسان كروزو» عدو وعلي الأخص هو لا يعمل لحساب أي أحد يستطيع أن يستغله. من هذه المنظومة الأصغر بصفة مطلقة نستطيع أن نطور الفكر الاقتصادي للإنتاج والبيع والشراء إلي أن نصل إلي أعقد نظام اقتصادي وهو النظام الذي نراه اليوم في العالم بأجمعه. بالنسبة «لسوق» «سان كروزو» فإن الإمكانيات الموجودة في «سوق نيويورك» هي ما لا نهاية من النوع الذي لا يمكن عده.. من هذه الإمكانيات الهائلة يمكن أن يكون سان كروزو أسعد مخلوق في الكون، ولكني أعتقد أنه ربما تمني بعد فترة صغيرة في نيويورك أن يرجع مرة أخري إلي جزيرته ويلعن اليوم الذي أنقذ فيه من عزلته في الجزيرة. في نيويورك وجد سان «كروزو» أنه حر وبوسعه الاستماع إلي مئات الإذاعات ورؤية عشرات الفضائيات ولكنه عاطل ولا يجد عملا، وبالتالي لا يستطيع أن يشتري أيا من البضائع المعروضة من السوبر ماركات التي تضج بها نيويورك. أسوأ شيء سوف يجده سان كروزو هو أنه حتي لو استطاع أن يجد عملا وحتي لو اجتهد في عمله إلي أقصي درجة فإن أغلب الفائض أو الربح من عمله يعود بالخير علي صاحب العمل في المقام الأول والثاني وهذا ما لم يكن موجودا علي جزيرته بالمرة. إذا سجل «سان كروزو» كعاطل عن العمل ربما حصل علي مساعدة من الدولة وقد تكون هذه المساعدة أفضل من العمل الجاد الذي لا يترك له أي فترة للراحة والنوم كما اعتاد في جزيرته.. في الحقيقة رأي سان كروزو أن الفارق بين العمل الجاد والعمل بتكاسل بل وعدم العمل لا يعود بفارق مادي يستحق العناء ولذلك يختار «سان كروزو» الذي كان يعمل علي جزيرته شبه يومي من شروق الشمس إلي غروبها، الكسل عن اقتناع فلسفي ويشتري بما تبقي في جيبه تذكرة علي سفينة تأخذه إلي أعالي البحار علي أمل أن تغرق السفينة ويجد نفسه مرة أخري علي جزيرة وهذه المرة لن يشعر بالمل ويقرر أن الوحدة خير من «سوق السوء» وهي تحريف لمثال «الوحدة خير من رفيق السوء». أعتقد إذا أنا استمررت لمدة شهر أو شهرين في تطوير هذه الفكرة الأساسية لشقاء الشباب في العالم الثالث عامة وكثير من بلدان الشرق الأوسط خاصة سوف نري ما يحدث حولنا رؤية صحيحة وهي الشرط الأساس لبداية العلاج الشيء الوحيد الذي أنا متأكد منه أن مشكلة هؤلاء الشباب لها حل واحد وهو العلم. العلم هو الذي يوضح أن الجريمة لا تفيد.. العلم هو الذي يدفع إلي تقدير المسئولية وأن الفساد يساعد علي الفقر وينقض في النهاية علي الجميع بما في ذلك الفاسدون. الثورات لم تطعم أحدًا ولو كان قيصر روسيا أنفق عشرة في المائة مما فقده هو وروسيا من أموال علي إغاثة الفقراء وتجديد الصناعة وتحديث التعليم لما قامت ثورة أكتوبر التي قتلت الملايين وأخرت تقدم روسيا ما لا يقل عن نصف قرن إن لم يكن أكثر. لو أنفقت البلدان المتحاربة في الحرب العالمية الثانية عشرة في المائة مما أنفقته علي الحرب في الأعمال الخيرية لحصل كل إنسان في العالم الثالث علي منزل صغير ورأس مال بسيط يستطيع أن يبدأ به حياة إنسانية كريمة. للأسف علي الرغم من كل هذه الحروب وهذه الثورات التي أضاعت بلايين البلايين من الدولارات هباء وبدون أي داع أو فائدة. أقول للأسف لم تتعلم الإنسانية شيئًا دائما من كل هذا.. هل يمكن أن يتعلم أهل الشرق الأوسط علي الأقل.. ربما ويجب أن يبدأ الإنسان بنفسه لذلك سافرت إلي جزيرة في بحر الشمال ربما كانت شبه خالية الآن في فصل الشتاء لكي أعيش حياة روبن سان كروزو ولو لمدة أسبوع.  هذه المقالة كتبت قبل الأحداث الأخيرة في مصر ولظروف التطورات تأجل نشرها

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل