المحتوى الرئيسى

تغيير الأنظمة بين رغبة الشعوب في التحرر وأطماع الغرب الرأسمالي بقلم: محمد بشارات

02/24 17:28

وأخيراً كانت ( الصحوة ) حسبما يسميها البعض , صحوة شعوب جثمت على صدورها دكتاتوريات , أعاقت من تقدمها وتطورها وكبتت أنفاسها لعشرات السنين , وكانت هذه الشعوب تغني للقائد مُكرهةً أو مُحبًةً , وخلقت هذه الأنظمة فجوة كبيرة بين السواد الأعظم من الشعب وبين طبقة منتفعة أُتيح لها من خلال الإتفاقات الإقتصادية التي وقعتها هذه الأنظمة مع الغرب وبالذات امريكا , اتفاقات عمًقت التبعية وأفرزت شريحة من البرجوازية الطفيلية التي لم تتوانى في استغلال الشرائح العريضة من الشعب لأجل تنمية رأسمالها مما زاد هذه الشعوب فقراً وزاد هذه الفئة غنىً , وتتفاوت هذه العلاقة بين هذه الطبقات من مجتمع الى آخر , ولكنها كانت جلية في بلد مثل مصر التي تم تكبيلها بسياسة اقتصادية قائمة على الإفراط في الإنفتاح الإقتصادي والتجارة الحرة وذلك منذ بداية السبعينيات على يد الرئيس انور السادات الذي شجع نمو هذا الشكل من اشكال الإقتصاد والذي جعل الشعب المصري ينقسم الى ثلاث فئات , الأولى تمثل من هم في عداد المدفونين في المقابر ( وبالفعل سكنوها أحياءً ) , والثانية طبقة من الموظفين وأرباب عمل صغار كانوا يفنون نصف أعمارهم في البحث عن المسكن , وفئة ثالثة وهي المتنفذة والتي استفادت من السياسة الإقتصادية ومن دعم النظام لها وفي معظم الأوقات كانت في شراكة حقيقية مع رجالات النظام , حيث نما وبصورة فظيعه القطاع الخاص المستفيد من تدمير القطاع العام , ولقلة الموارد ( أو تواضعها ) , واتسعت آلام وآهات الشعب , خاصة وأن امكانيات النظام اصبحت تعجز عن سد هذه الثغرات بسبب الإرتباط بالمساعدات الخارجية التي لا تسمح بدعم السلع الإستهلاكية على الأقل , هذه الصورة في مصر , لا تُقارن بالوضع في بلد آخر مثل ليبيا , حيث لا يتجاوز عدد السكان اكثر من ستة ملايين , وحيث الموارد الليبية الضخمة من عائدات البترول , وبسبب النمط الإقتصادي الليبي الهلامي والذي لا نستطيع تصنيفه على أي من الأنماط الإقتصادية في العالم ( رغم وجود قطاع عمومي ضخم ويستفيد منه كل الشعب الليبي ووجود قطاع خاص سيطر على الكثير من المقدًرات الليبية ) , فلم يشعر الشعب الليبي بذاك الفقر الذي عاناه الشعب المصري , وساد في ليبيا نمط قريب من النمط الملكي الذي جعل الشعب يأخذ نصيباً معقولاً من ناتجات الدخل دون السماح للإقتراب من سياج اركان الدولة ( المملكة ) , وفي كل الأحوال كان الغرب وبالذات الولايات المتحدة يدعمون هذه التوجهات ويساندون الأنظمة بتغطية كافية من أجل كتم أنفاس الشعوب المقهورة , لكي تحافظ امريكا على انظمة قوية تستطيع خدمة مصالحها وتمنع حركة الشعوب من الإنعتاق والعمل على محاولة تحررها , وبعد التحولات الكبيرة في العالم , ودخول الرأسمالية الغربية في وضع متطور يتطلب إعادة اقتسام الخيرات والموارد وإعادة اقتسام الأسواق , والحاجة الملحة لفلسفة تخدم المرحلة المتقدمة في هذا النظام الرأسمالي ( نظام العولمة ) , وبعد أن أزاحت هذه المنظومة من طريقها العدو الرئيسي وهو النظام الإشتراكي الذي قاده السوفيات في السابق , وبعد أن أصبح بالإمكان للولايات المتحدة أن تعيد صياغة سيطرتها على العالم ( على الأقل مكامن الموارد ) , فقد بات من الضروري لها أن تنتقل بالعالم الى تقسيم سياسي جديد يتيح تنفيذ هذه السيطرة , فلم تعد الولايات المتحدة بحاجة الى النظام الذي يتم استخدامه كشرطي لحماية المصالح , بقدر ما يهمها ترتيب النظام الذي لا يُعيق التواجد الدائم لأمريكا كمشرف مباشر على مصالحها , فالقوات الأمريكية متواجدة اليوم وبلا ازعاج في مختلف مناطق الثروة النفطية في الشرق الأوسط , فقواتها تتواجد بكثافة في قطر والعراق والبحر المتوسط والأحمر وبحر العرب وافغانستان , إضافة الى اسرائيل أحد أهم أركان الدعم للتواجد الأمريكي , وهذا أثر مباشرة على طبيعة التحالفات والحلفاء وطبيعة النظم السياسية التي في ممارساتها بدات تصطدم مع القدرة على تطبيق الدور المناط , وكذلك باتت هذه الأنظمة تشكل عائقاً أمام إعادة التوزيع والتقسيم للثروات وإمام اعادة تقسيم الأسواق , في وقت بدت فيه امريكا في حاجة ملحة للصراع على السيطرة على ما تبقى من مخزون النفط في المنطقة , بحيث أن حاجات العمل والإنتاج في امريكا ( بعد توسع حجم العمل والحاجة للموارد ) يتطلب خوض معركة على الأرض لإنقاذ الإقتصاد الأمريكي والإنفراد بالموارد التي كانت تتوزع على كل الجهات الإستعمارية , ومن هنا وللأسف , وبسبب الإعلام الموجه , تم تسخير وتوظيف هموم هذه الشعوب واستغلال قدرتها الحقيقية على التغيير لصالحها , بحيث أثيتت التجربة في مصر أن الشعب يستطبع خلق التغيير الذي يخدم مصالحه ويبني مجتمع قائم على العدالة في توزيع الثروات وممارسة العمل , ولكن هذا لا أعتقد أن الشعب المصري سيحصل عليه على الأقل في المرحلة الراهنة , لأن ميزان القوى الإقتصادي يميل بقوة غير متصورة الى نمط يزيد الغني غنى ويزيد الفقير فقراً , فلم تقد احزاباً وحركات سياسية قوية ووطنية وتقدمية التغيير الذي جرى في مصر ( رغم أنني لا أرى من التغيير سوى تغيير اسم الرئيس ) , ولم تتقدم أي من الحركات السياسية ببرنامج اصلاحي قائم على المساواة والعدالة في يقسيم الثروات والموارد وفي فرص العمل , فجميع هذه الأحزاب والحركات ضعيفة الدور وتعبر عن وجهة نظر أقطاب أرباب العمل وذوي رؤوس الأموال , الذين سيمنعون إجراء أي تعديلات اقتصادية تحُد من نفوذهم وتكون لصالح الشعب . فما الذي يجري , هل هو صحوة الشعوب أم اللعب على وتر آهات هذه الشعوب ؟ هل ما يجري هو ثورات تغيير أم أم تثوير من أجل الثروات ؟! هل ما يجري هو مجرد حراك جاد لأهداف وبسبب ظروف إجتماعية أم أن هناك قضايا سياسية تتحكم في الأمر ؟! وبناءً على ما نلاحظ يومياً من هذه التحركات والجهات الداعمة أكاد أجزم أن ما يجري هو إستباق للأمور ومحاولة لسرقة الصحوة الحقيقية للشعوب قبل حصولها , وأمريكا تدرك مدى هرم الأنظمة في المنطقة وأنه اقترب اليوم الذي ستصحو فيه هذه الشعوب وتثور على الأوضاع من اجل ضمان مصالح هذه الشعوب , وحينها لن تكون نتائج التحرك الا لمصلحة الشعوب , أي سيكون ضد المصالح الأمريكية الرأسمالية مما قد يٌفقد امريكا السيطرة التي تُريد , وقبل أن تُنظم الجماهير العربية صفوفها من خلال حركة سياسية شعبية للتغيير الحقيقي , فإن امريكا ادركت خطورة المسألة ووجدت نفسها مُضطرة لدعم هذه التحركات وضمن الخطة التي تريد لكي تكون نتائج هذه التحركات ضمن الإطار العام لطموح امريكا والغرب وبحيث لا تكون هناك نتائج من شأنها أن ترفع المستوى الإقتصادي والإجتماعي للشعوب . وفي الختام : ما الذي يجري ؟! ربما الأيام المقبلة تُوضٍح لنا ذلك . محمد بشارات

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل