المحتوى الرئيسى

الانتخابات بديلاً عن نفاق "المصالحة" بقلم: هاني عوكل

02/24 00:48

الانتخابات بديلاً عن نفاق "المصالحة" بقلم: هاني عوكل [email protected] لعل أعظم شيء حصل في هذا العقد الوليد من القرن الجديد، هو هذه الثورات التي اشتعلت في البلدان العربية، لتعبر عن صمتها إزاء ما تعانيه من سنين طوال تناوب عليها حكام لا يطمحون سوى في البحث عن التخمة المالية وتوسيع نطاق الفساد، وتوزيع ثروة الشعب على طغمة أصحاب القرار والمحتكرين للسلطة. الثورة بدأت من تونس وانتقلت إلى القاهرة، وهي تشهد الآن في عدد من الدول العربية، معارك ساخنة لتغيير الأنظمة الحاكمة أو المطالبة بإصلاحها، حتى أن القيادة الفلسطينية هي الأخرى تقوم باتخاذ سلسلة من القرارات، تستهدف عن طريقها إحداث حراك سياسي بمقتضى التغيير. السلطة الفلسطينية طرحت في أسبوع واحد تقريباً، استحقاق الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وبعدها بقليل استقالت حكومة الدكتور سلام فياض، من أجل استبدالها بحكومة أكثر وساعة ورحابة من حيث التمثيل الفصائلي والشعبي، وقبل ذلك استقال الدكتور صائب عريقات من منصبه، لإثبات تسرب وثائق المفاوضات من مكتبه. إذا كان قرار السلطة بشأن الانتخابات صحيح مائة بالمائة ولا يدل على ارتباك أو تخريف، فإن استقالة حكومة فياض تأتي في وقت غير مناسب، خصوصاً وأنه كان يمكن انتظار الانتخابات في حال عقدت، وبالتالي تشكيل حكومة جديدة. رداً على الذين يرفضون إجراء الانتخابات التشريعة والرئاسية، على اعتبار أن السلطة باطلة وأن شرعية الرئيس منتهية، نقول إن شرعية الجميع منتهية، والمقصود هنا النظام السياسي الفلسطيني بكل أجهزته، ويشمل ذلك مؤسسة الرئاسة في رام الله وحكومة غزة. لأن الجميع فاقد الشرعية، وجب إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، ومن يرفض إجراءها وينادي بضرورة التوافق والتصالح الوطني، فإنما يجد مبرراً لكسب الوقت من أجل المناورة في خياراته المحدودة. لماذا؟ لأننا طوال سنوات الانقسام التي فاضت عن الثلاث سنوات، لم نتحرك سنتيمتر واحد باتجاه مصالحة حقيقية تؤدي في نهاياتها إلى وحدة وطنية أو حتى وحدة قائمة على الشراكة المحاصصية. ومع أن أطراف كثيرة دخلت على خط المصالحة، وأبدت مصر بورقتها موقفاً يسعى لحل مشكلة الانقسام، إلا أن الحال ضل على ما هو عليه، نتقدم خطوة ونعود إلى الوراء خطوات كثيرة، ولا حياة لمن تنادي، ويبقى الانقسام هو سيد الموقف وأول وآخر خسران هو الشعب الفلسطيني. إذا كان الخلاف الفصائلي مستعصياً إلى هذه الدرجة، وأحد الأطراف المتصارعة لا يريد مصالحة وطنية، فإن الأجدر الاحتكام للشعب في انتخابات نزيهة، وليأتي كل العالم ومؤسساته المدنية والحقوقية والإنسانية، من أجل الإطلاع على العملية الانتخابية من ألفها إلى يائها. هكذا فقط نستطيع حل هذه الأزمة المقيتة، ذلك أننا لو بقينا نراهن على المصالحة الوطنية من قبل الفصائل، فلربما سننتظر دهراً ويأتي جيل ويذهب جيل ولا أحد يحل الخلاف. إذاً هو الشعب الذي يقرر مصيره بانتخابات نزيهة، وفي النهاية الأمر من يحصد ثمار الانتخابات هو الذي يسيطر على الساحة السياسية، حتى لو كان "إبليس". غير ذلك، لا يمكن ولا ينبغي البقاء على هذا المنوال، إذ أن الانقسام مهين لتاريخ وكرامة الشعب الفلسطيني، ويكفي أن الإنسان مهان في وطنه وخارج الوطن أيضاً، ولابد من صحوة جماهيرية إما أن تطالب الفصائل بالشروع في حوار جاد ومسؤول، ينهي هذه القطيعة ويخلص بتوافق وطني، على أن يحدد سقف زمني لهذا الحوار، أو أن يطالب الشعب بانتخابات تهيئ لمرحلة جديدة بعيداً عن التناحر و"الحرد" الفصائلي. أما بالنسبة لاستقالة حكومة فياض، فهذا يدل على ارتباك واضح في قرارات السلطة الفلسطينية، لأن حكومة فياض تعمل جيداً على بناء المؤسسات الوطنية، وهي ليست بحاجة إلى تغيير شكلي لا يؤدي في النهاية سوى إلى تجديد الوجوه ضمن نفس الاستراتيجية. إن إحداث التغيير في الحكومات عادةً يحصل حينما ينتهي عمر الحكومة، أو إذا لم تطبق استراتيجيتها من أجل التغيير، أو في حال أوغلت في فساد أدى إلى تصاعد النقمة الشعبية، لكن في حالة حكومة فياض، لم نسمع أن هناك فساد ولا انتهاء صلاحية الحكومة، ولم نسمع أيضاً توقفاً في الخطط المتصلة بعملية البناء والتنمية في كافة الميادين. فقط الذي سمعناه أن "فتح" كانت تنادي من فترة بضرورة تغيير الحكومة، واستبدالها بحكومة بين "فتح" وتكنوقراط، ولعل تصاعد الثورات الحاصلة في الدول العربية، ساعد القيادة الفلسطينية على الإسراع في المطالبة بتغيير حكومي يستهدف توسيع الحكومة. جيد أن يحصل التغيير وهو أمر مقبول طالما انحاز للأفضل، لكن ينبغي الاحتكام للعقل، بحيث أن نركز في المشوار السياسي الحالي على انتخابات رئاسية وتشريعية تقوم على انتخاب رئيس ومجلس تشريعي جديدان وشرعيان، حتى ننهي مهزلة تضارب الشرعيات. إن أي تغيير حكومي حالي لن يستجيب لتطلعات الشعب الفلسطيني المطالب بإنهاء الانقسام، ذلك أن الإعلان عن تشكيل حكومة في الضفة لن يضمن مشاركة كافة الفصائل، لكن وصفة الانتخابات هي الحل المناسب الذي يضمن إعادة إنتاج النظام السياسي الفلسطيني على أسس ديمقراطية صحيحة. ولعل من يرفض إجراء الانتخابات إنما لا يحترم إرادة الشعب، لأن من يطالب بالمصالحة الوطنية قبل الانتخابات وهو لا يؤمن بالحوار ولا يسعى من أجله، إنما يستخدم الممطالة حجة لبقائه في الحكم. الأجدر بهؤلاء أن يطالبوا بإجراء انتخابات نظيفة ومؤهلة للتعبير عن خيارات الشعب الفلسطيني. يبقى على الشعب أن يقول كلمته، فهو مصدر السلطات وهو مصدر الفصائل، فإما أن يخرج من رحم هذه الفصائل ويفرض اتفاقاً محترماً على الجميع، بما يضمن صون البلاد والتأسيس لوحدة وطنية حقيقية، أو أن يطالب بانتخابات نزيهة تعيد له حقوقه التي أهدرتها فصائل الانقسام.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل