المحتوى الرئيسى

الثقافة وجرعاتها الوقائية العالية بقلم:رشيد قويدر

02/24 00:48

رشيد قويدر المفهوم الثقافي واسع في مدلولاته، ولا يكفي للوقوف على المعنى المتسع بمايرد في القاموس اللاتيني لكلمة (culture) وعلى الرغم من مدلولها كأصل، بما يحتوي معناها على نشاط انساني: فلاحة، حراثة، أي تخصيب ؛ بما تعني من ارتباط بمشكلات واشكالات العقل الاجتماعي . وهكذا فالثقافة طريقة حياة اجتماعية، وكل مجتمع يعبر عن ثقافته بطريقة حياته الخاصة، والثقافات الانسانية تتفاعل مع بعضها انسانياً وأممياً، فهي في تواصلها التاريخي تخضع لعملية تلقيح وتنقيح ، فضلاً عن رفضها الثقافات الاستبدادية المظلمة لأعداء الانسانية، وهي إن وقعت في مجتمعات شعوب حية معينة، سرعان ما تكنس هذه الشعوب الحيّة الأوساخ ولاتخفها تحت سجادتها، لأنها إن بقيت فهي كارثة ثقافية . يندرج في هذا كما يفيد االتاريخ؛ ماجرى مع الثقافة الفاشية والنازية، ومختلف الثقافات المنحطة عموماً؛ "الثقافات" التي تتسم بالحقد على الحياة بصرف النظر عن دعاويها ومبرراتها ومنطلقاتها ومسمياتها، فهي بالنتيجة ثقافات سوداء تُمرغ الانسانية بجرائمها وأوساخها، وبماهو مغاير للطبيعة الخيّرة الكامنة في الانسان؛ وحينها لن يرحمها التاريخ.. الانسانية دوماً في مواجهة الأذى والعدوان والتدمير، وعليه فالثقافة هي قيمة محسوسة تتطور وتتبدل وتتغير مع الزمن ومن حيث الزمان والمكان، فهي ليست قيمة مجردة أو (نصاً) يتعالى عن الشروط التي أنتجته؛ وهي ذاتها في حالة تفاعل مع التطور ومع خلاصات التاريخ . بيد أن الثقافة السوداء ينتجها الانسان ذاته، وهو الذي يضفي المفهوم الاجتماعي للدمار والعنف الهادف والمنظم، وهو بحسب ماركس على سبيل المثال في معالجته للاغتراب والاستغلال؛ أن العنف لايمثل الحالة الانسانية الطبيعية، فالطبيعة البشرية خيّرة، أما العنف فمرده الاستغلال والاستلاب والهيمنة، وعليه يركز استئثار رأس المال بوسائل الانتاج ومن ثم لعموم الخيرات الاجتماعية . صناع الحروب يمكن توفيرهم بسهولة في الحروب الثقافية العربية، طالما يوفر لهم "صنايعية حروب الحضارات" نظريات "الفوضى الخلاقة" وغيرها، ليتحركوا بتلقائيتها وكامل مدعاة حريتها، وفي مقدمات ونتائج الصراع الامبريالي الاحتلالي، في احالات صراع تدميري ماضوي وغامض؛ عبر الأصولي الماضوي و"النصي" عربياً، في مقدمات ونتائج الفوضى غير الخلاقة . عربياً؛ نشاهد غير محطة فضائية تبث وتحتضن خطابها الماضوي والتدميري في الحرب الثقافية، وبتوفير منظّرين مغمورين في "الفقه السياسي والديني"، فضائيات يقام بنيانها على محاربة كل مظاهر التنوير ونويات الحداثة، وتتسلل الى البيوت وغرف النوم والشوارع والمكتبات، في تتمة لما بعد خرائط (سايكس ـ بيكو)؛ التي تستعين باللامعقول في السياسة والثقافة والتعصب، وبكامل حمولة الزمن الفيزيقي، وبالانتقال على أجنحة المشاريع الامبريالية بكامل عديدها وعتادها، وعلى الرغم مما تدعي في الجوهر . إن ثقافات الماضوية الميثيولوجية المغلولة بالسرد (الحكواتي)؛ والمهووسة بتوقف التاريخ؛ تماماً مثلما "نهاية التاريخ"؛ هي مهووسة أيضاً ومن موقعها في الايديولوجيات العُصابية في محاربة الثقافة الانسانية والتنوير والحداثة، وهي هكذا محكومة بالشروط العالمية المهيمنة؛ التي سرعان ما تنتقل من حروبها النظرية الثقافية وحروب الحضارات وجدل الهويات الثقافية واللامعقول في السياسة والتعصب؛ وإلى ميدان الخرائط .. في حقبة عصر اللامعقول في الثقافة الانسانية؛ ومنذ اعلان المركز الشمولي ألحرب الباردة، حرب النجوم، حروب الحضارات؛ الطريقة الامبريالية لتوفير الحروب والأعداء واعادة انتاجها، وكامل هذه القياسات يعاد انتاجها في شعوب الشرق بمختلف التأجيجات والمسرودات، وبكل مايخدم المركز الامبريالي الشمولي . فالأصولي الماضوي الاقصائي يستثمر ميثولوجيات الوعي الشعبي، بكامل تداعيات متاهة الأزمة الوجودية للعقل العربي وأمراضه المعدية، الذي لم يصل بعد الى مستوى الهوية الجامعة، نتاج صهير ثقافي للتعدد والتنوع. أما الامبريالي فيحيل هذا الانحلال بكامل حمولته واصطراعه نحو قهر كل ماهو مضاد له ... عربياً؛ هنا تبدأ مهمة الثقافة وجرعاتها الوقائية العالية؛ وخروجاً من رداءة الفعل الثقافي والحضاري، لتغدو مهمة الثقافة بمقدار ماهي أساسية وشاقّة؛ هي بالذات موقفاً وطنياً وانسانياً أُممياً ضد الامبريالي والكولونيالي الاحتلالي .

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل