فواصلالرقــــم الصعــــب
عاملان لا ثالث لهما وراء نجاح ثورة ٥٢ يناير، الأولي صمود فئات الشعب المصري، وفي القلب منه الشباب طوال ٨١ يوما ضد محاولات إجهاض والقضاء عليها بكل الوسائل والأساليب منها استخدام قوات الأمن وبطش البلطجية، واستعمال »مدفعية« بعض وسائل الاعلام الثقيلة.. التي سقطت في خطأ التهوين من الثورة، جريا وراء المقولة المشهورة، التي حكمت الموقف الرسمي »دول شوية عيال بتوع الفيس بوك« فبدأ في خطيئة التهوين »شرذمة مندسة« والتخويف، والعامل الثاني هو الموقف العظيم للقوات المسلحة المصرية تجاه الأحداث منذ بدايتها وحتي الآن، حيث انحاز منذ اللحظة الأولي إلي الشعب المصري، معتبرا مطالبه مشروعة، معلنا علي رؤوس الاشهاد أنه لن يمس أي مصري يمارس حقه الطبيعي، طالما ظل في إطار القانون والدستور، الذي يتيح حق التظاهر ولا أذيع سرا بأن المجلس الأعلي للقوات المسلحة اشترط عند تنفيذ تكليف النزول إلي الشوارع يوم الجمعة ٨٢ يناير نتيجة الفراغ الأمني أنه لن يستخدم سلاحه ضد المصريين، فهو ليس بديلا عن قوات الشرطة، ولن يخون ميراثه التاريخي، فهو جيش مصر وشعبها، وليس تابعا للنظام الحاكم، وشهدت الأيام التالية رغبة في ايجاد مسافة بينه وبين النظام، من خلال سعيه إلي فتح حوار مع جماهير ميدان التحرير، عبر الزيارة التي قام بها المشير طنطاوي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة إلي الميدان، وإلي مبني الإذاعة والتليفزيون، بالاضافة إلي الدور الذي لعبته قياداته الموجودة علي الأرض - كما أنه تدخل بسرعة وحسم لانهاء حالة الميوعة والبطء الشديد في التحرك السياسي، وانحاز للشعب الذي رفض تفويض نائب الرئيس لمسئوليات مبارك.ما قام به الجيش المصري ليس جديدا عليه ولا تاريخه، فهو الرقم الصعب في المعادلة المصرية الذي استطاع تغيير وجه مصر في ثورة يوليو ٢٥٩١ وكرس دوره الوطني ليس فقط من خلال دوره في حماية الوطن وتحقيق الانتصار التاريخي في ٣٧٩١، ولكن أيضا في الحفاظ علي الأمن والاستقرار في أزمات مصر الكبري، وعندما استدعت الضرورة ذلك، في انتفاضة ٨١، ٩١ يناير ٧٧٩١- وأحداث الأمن المركزي في ٦٨٩١ عندما أجبرته الظروف علي النزول إلي الشارع، أدي المهمة وعاد للثكنات والمعسكرات، ناهيك عن دوره الوطني في حل كثير من المشاكل الحياتية.وتتعدد المؤشرات علي حجم التغيير الذي يقوده الجيش المصري، برؤية متكاملة يتم تنفيذها عبر مراحل منها تأكيده علي أنه ليس بديلا عن الشرعية في الوقت الذي أعلن فيه حل مجلسي الشعب والشوري وتعليق العمل بالدستور، وانه لا يسعي للحكم أو الاستمرار في السلطة ودوره سينتهي بنهاية المرحلة الانتقالية وتسليم السلطة إلي حكومة منتخبة، واتوقف عند بعض القرارات التي أثارت الارتياح والاحترام والتقدير وخلقت حالة من المصداقية، من ذلك تشكيل لجنة بديلة عن تلك التي سبق أن تم الاعلان عنها لتعديل الدستور، علي رأسها المستشار طارق البشري، بديلا عن سري صيام- صحيح ان الأولي مثل الثانية ضمت كفاءات قانونية، إلا أن الحرص علي ايجاد مسافة مع النظام القديم استدعي لجنة جديدة بأفكار مختلفة تضم ايضا كفاءات قانونية ودستورية وتشريعية، وتضم تمثيلا لتيارات سياسية مثل الإخوان المسلمين وعنصر قبطي توافرت فيها شرط الكفاءة والنزاهة للقيام بالمهمة الأصعب، غياب أعضاء المجلس عن الاعلام، ارصدوا معي لغة البيانات الصادرة ووقتها- وما تحمله من رسائل في أكثر من اتجاه، داخلي وخارجي، أنها أمور مطمئنة علي أن التاريخ يفتح أوسع أبوابه لقادة القوات المسلحة.
Comments