المحتوى الرئيسى

لا يمكن القفز عن الاقتصاد للوصول إلى الديمقراطية بقلم أحمد ابراهيم الحاج

02/21 17:38

لا يمكن القفز عن الإقتصاد للوصول الى الديمقراطية بقلم / أحمد ابراهيم الحاج 20/2/2011م الديمقراطية بالمفهوم الإسلامي تختصر في القول المشهور لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما استدعى من مصر للمدينة المنورة عمرو بن العاص وابنه الذي تسابق مع القبطي حيث سبقه القبطي فضربه ابن عمرو بن العاص لأنه سبقه. وطلب عمر بن الخطاب من القبطي أن يقتص من ابن عمرو بن العاص بالمثل وقال لعمرو بن العاص "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم أحراراً" وتتجلىّ أيضاً في سورة "الكافرون" بقوله تعالى "لكم دينكم ولي دين" فالله وحده أعلم بالنوايا ويعرف المؤمن من غيره لو تظاهر الغير بالإيمان نفاقاً. إذن سيكون العنوان "لا يمكن القفز عن الإقتصاد للوصول الى الحرية للإنسان وليس للديمقراطية ذلك المصطلح اللاتيني الغربي. وخير ما نستشهد به في هذا الصدد هو القرآن الكريم في قوله تعالى في سورة قريش "لإيلافِِ قريش ايلافهم، رحلة الشتاء والصيف، فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف" جاءت هذه السورة بعد سورة الفيل التي هزم الله فيها جيش الحبشة بقيادة ابرهة الأشرم ورده على أعقابه خائباً منكسراً، ولم يكن لدى قريش من وسائل المقاومة ما يمنعه من احتلال الكعبة، حيث قال له عبد المطلب جد النبي عليه الصلاة والسلام "للبيت رب يحميه". وذلك ليذكرهم الله بفضله ووجوب شكره بعبادته هو وحده القادر على كل شيء. رحلة الشتاء والصيف هو تعبيرٌ عن: الإقتصاد : حيث كانت قريش تعمل بالتجارة بين الجزيرة واليمن شتاءً ومع بلاد الشام صيفاً ولا تتعرض قوافلهم للسطو والإعتداء خلال سفرها الطويل. ومارسها سيدنا محمد قبل الدعوة عندما كان يعمل بالتجارة لصالح خديجة بنت خويلد التي أصبحت زوجته الآولى فيما بعد نظراً لأمانته وصدق تعامله. فليعبدوا رب هذا البيت : تعبير عن عبودية الإنسان لله وحده وليس لأخيه من بني الإنسان أو للأصنام والأوثان وغيرها مما كان يُعبد، وهذا تعبير عن الحرية الشاملة للإنسان. والتحرر التام ضمن ضوابط المباديء والإخلاق التي حضت عليها الرسالات السماوية دون الأذى بالمصلحة العامة للناس وللجار وللأهل. والسؤال هنا : لماذا أمر الله قريش بالتحرر من العبودية لغير الله من الناس والأصنام والشمس والقمر وكل ما كان وما يزال يعبده البشر. والتحرر من كل هذه القيود.، والعمل على عبادة الله الخالق وحده والذي يتميز بأنه هو الله أحد ، فرد صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد. والجواب : لأن قريش بعملها وسعيها وجدها في التجارة آنذاك في بلد لا زرع فيه ولا ضرع وذلك لتنويع مصادر الدخل كانت تعيش عيشاً كريماً يوفر للإنسان حياة كريمة وبذلك ضمنت الأمن والإستقرار حيث كانت القبائل تعيش على السطو على بعضها البعض والإقتتال فيما بينها على المراعي والمياه فنعمت بالأمن والأمان والإستقرار بعد أن قهرت الجوع ومزقت سياطه التي كانت مسلطة عليها بالعمل والإجتهاد. فمنحهم الله الأمن والغنى مقابل سعيهم وكدهم في سفر طويل ومضنٍ على الجمال والخيول، يستغرق الشهور للوصول والعودة. وصدق المثل الذي كنا نسمعه من أسلافنا والذي يقول "إن الجوع كافر". "ولو كان الجوع بشراً لقتلته" ويؤكد ذلك ما قام به سيدنا عمر بن الخطاب حين أوقف الحد على السارقين بقطع أيديهم في فترة محل وقحط مرت على الأمة. ومع تقدم الزمن أخذت متطلبات الحياة وأعبائها تتزايد ، فأصبحت كلمة الجوع في عصرنا هذا تعني الحرمان، حرمان من القوت ومن التعليم ومن الصحة والعلاج ومن الضمان والتكافل المجتمعي لمحاربة الفقر والغلاء ومن العدالة الإجتماعية وحقوق الإنسان في ثروات وطنه نظراَ لاحتكارها في أيدي القلة من الناس لسيادة النظام الرأسمالي الحر والذي يفتقد للأخلاق والمباديء الإقتصادية السليمة نتيجة لتسلط الإنسان على أخيه الإنسان واستعباده من منطلق شريعة الغاب (القوي يأكل الضعيف). فأصبح المال يلد المال في زواج غير شرعي ناتج عن تزاوج الجنس الواحد، الذي لا ينتج عنه عملية اقتصادية نفعية، فاتجه الصناع والتجار والزراع الى هذه المنتجات المالية غير الشرعية، فأغلقت المصانع وجفت المزارع وتحولت الأراضي الزراعية الى فلل بداعي الإستثمارات الأجنبية داخل الوطن، وكثرت الفنادق والمنتجعات السياحية على حساب مراكز البحث والتطوير، وانحصر التبادل التجاري في المنتجات الإستهلاكية. واشتعلت نيران الأسعارالتي يتحكم بها راس المال دون رقيب أو رادع، وتحمل المواطن نتائج هذه الحالة العقيمة، فازداد عليه الضغوط والأعباء، واحتقنت نفسه باليأس والقنوط ، وتساوت لديه الحياة مع الموت، وقرر الثورة على تلك الأوضاع البائسة حتى لو أدت هذه الثورة الى موته الذي أصبح لا يخشاه. فامتلأت الساحات والميادين بالبشر تطالب بالتغيير والإصلاح. فكان الدافع المباشر لها هو الجوع والحرمان من الحياة الكريمة، وكانت تراكمات الكبت والقهر وفشل القيادات العربية في حل الأزمات والصراعات، وسكوت هذه الأنظمة على إهدار الحقوق العربية بالإنصياع للإملاءات الأجنبية بمثابة صب الزيت على النار. فتأججت نيران الثورة التي انطلقت بشرارة الشعب التونسي، فتحولت الى لهيب من السنة النيران التي طالت وتمددت في كل الأرجاء العربية. وأصبحت هذه الجموع والكتل البشرية مارداً وكأنها سيل جارف. فتمنع أمامها شخوص الحكام والنظام، مما زاد من شدة هذه الإحتجاجات التي أصبحت كالسيل العرم الجارف الذي لا يقاوم ولا تستطيع السلطة الحاكمة بكل ما اوتيت من اسلحة القمع والقهر أن تقف في وجه هذا التيار الهادر الجبار من الكتل البشرية الجائعة للحرية والتعبير والفاقدة للحدود الدنيا من حقوق الإنسان. وتلك هي ارادة الشعوب الحرة التي تجرف في طريقها كل موانع الإعتراض. فتراجعت السلطة الحاكمة وجرفها السيل العرم لتستقر في قاع البحر الهائج المائج من المجتمع الذي قفز من قاع البحر ليحتل طبقاته العليا. من هنا كانت الإنطلاقة لثورات الشعوب العربية التي تحملت وكظمت الغيظ وقيل أنها استسلمت وماتت. وخاصة بعد ما مورس من جرائم على تلك الشعوب من المحتلين لأراضيها ومقدساتها وما مورس من سلطاتها الحاكمة من قمع وتكميم للأفواه. كانت هذه الشعوب تنظر الى القتل والتنكيل والتعذيب الذي مورس ضدها في فلسطين وفي العراق وفي لبنان وفي كل الأوطان العربية بيد المحتل ووكلائه من العرب. وكانت الناس تراكم في نفوسها وتحتسب الى الله صبرها وكظمها للغيظ، وجاءت حمّى ارتفاع الأسعار ووباء الفساد الإداري والإقتصادي والسياسي لتزيد الطين بلة. ولم تعد هذه الشعوب قادرة على التحمل الى أن جاءت لحظة الحقيقة والإنفجار والثورة على كل هذه الأوضاع المزرية. ولكن الى أين؟ وماذا بعد؟ لكي توضع هذه الثورات في إطارها السليم والصحيح، ولكي تسجل بأحرف من نور في تاريخ هذه الشعوب الثائرة والمتعطشة للحرية لا بد مع الإصلاحات السياسية والعمل الجاد بالتوازي مع الإصلاحات السياسية بالإصلاحات الإقتصادية لتحقيق التنمية الإقتصادية والعدالة الإجتماعية وتغيير الثقافة المجتمعية من الإستسلام والقنوط واليأس الى الثقة بالنفس والقدرة على الإنتاج لتتحول هذه المجتمعات الى مجتمعات منتجة ومن ثم الى مجتمعات ديمقراطية. فإن تحقق الأمن الغذائي والصحي والعدالة الإجتماعية وحقوق التعليم وانتشرت ثقافة المهنة والحرفة يستطيع المجتمع أن ينتج سلطة حاكمة تقيم العدل وتحقق التطور، حيث يستطيع المواطن في تلك المجتمعات أن يدلي بصوته بدون ضغوطات أو تجاذبات أو استقطابات أو ميول عشائرية وقبلية أو حزبية. فتؤول النتائج لصالح الأكفأ. إذن لا تستعجلوا الديمقراطية وتقدموها على التنمية الإقتصادية، فإن تحققت التنمية الإقتصادية سوف تأتي بالديمقراطية تلقائياً. فلا تقفزوا عن حاجز الإقتصاد للوصول الى الديمقراطية حتى لا تنتكس ثوراتكم وتعودوا للمربع الأول. ولا بد للمجتمع من إسناد ودعم ومساعدة السلطة الحاكمة الجديدة التي ستنتج عن الثورة وذلك بالعمل الدؤوب والجاد ليتحول الى مجتمع عامل ومنتج، وأن يقتصد بالسلع الإستهلاكية المستوردة لاستبدالها بسلع وطنية وبأيدي وطنية. وأن يكتفي على الأقل بإنتاج غذائه بنفسه. ولا بد من العودة للإنتاج الزراعي وخاصة سلعة القمح التي تعتبر أقوى من السلاح النووي وتستخدمها الدول القوية في فرض ارادتها على الدول الضعيفة غير المتجة. الأسود تبقى في حالة هيجان وثورة ما دامت هي جائعة وما دامت جراؤها جائعة أيضاً، وعندما تشبع تشعر بالراحة والإستقرار ، مع الأخذ بعين الإعتبار أن متطلبات الإنسان في الحياة تختلف عن متطلبات الأسود نظراً لرقي عقله وسعة مداركه وأفقه.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل