المحتوى الرئيسى

خطبة القرضاوي‮: ‬المشهد والمنصة

02/21 11:00

الجمعة 18‮ ‬فبراير‮. ‬الجمعة الأولي بعد رحيل‮ ‬مبارك‮. ‬الشيخ الدكتور يوسف‮ ‬القرضاوي يصلي بالملايين في ميدان التحرير الذي تعطر بروح الشهيد حسن البنا‮. ‬الوصف ليس من عندي‮. ‬لكن ذكرته بعض الفضائيات الإسلامية عند وصف ما جري وقالت إنها أعظم صلاة جمعة في التاريخ منذ أن دخل‮ ‬الإسلام مصر‮. ‬والقرضاوي وصف الزحام بزحمة الرحمة‮. ‬ورغم عدم وجود عداد عند مداخل الميدان لنعرف عدد من حضروا‮. ‬إلا أن الفضائيات قالت مليونين‮. ‬والقرضاوي قال أنهم ثلاثة ملايين‮. ‬وبعد الصلاة تجاوزت بعض الفضائيات المتعاطفة لتقول أنهم أربعة ملايين‮. ‬صلوا صلاة الظهر والعصر‮. ‬وقال القرضاوي للمصلين أنه يمكن الصلاة أمام الإمام‮. ‬ومن لم يجد مكاناً‮ ‬يجوز له السجود علي ظهر أخيه‮.‬وقبل الصلاة بساعات وصل القرضاوي ليجد في انتظاره صحفاً‮ ‬قومية كانت ترفض ذكر اسمه لتصوره لحظة الوصول لمصر‮. ‬وعرضت الصلاة وياللعجب العجاب علي القناة الأولي والفضائية المصرية علي الهواء مباشرة‮. ‬وتجاوزت الأربع ساعات‮. ‬لأنه جمع بين ثلاث صلوات‮. ‬الجمعة والعصر والغائب للشهداء‮. ‬وصلاة الجمعة التقليدية والتي كانت تعرض كل يوم جمعة جري عرضها من مسجد القوات المسلحة علي القناة الثانية‮.‬لحظة وصول المتظاهرين قامت قوات الجيش في ميدان التحرير بتوزيع الأعلام عليهم‮. ‬وعندما اتصل بي إعلامي من الإعلام الذي كان حكومياً‮ ‬ويريدون أن يصبح الآن أهلياً‮. ‬وطلب مني أن أعلق علي مشهد النصر في ميدان التحرير‮. ‬وقلت له‮: ‬إنني أختلف في التوصيف‮. ‬فالمحاذير أكثر من الأفراح‮. ‬قال لي هذا رأيك وليس رأينا وأغلق الخط‮. ‬وهذا معناه أن الأمس مستمر في اليوم‮. ‬وقد يمتد تأثيره إلي الغد وبعد الغد وربما الزمن الآتي‮.‬أنا من الناس الذين لا يرضون بسهولة ولست من هواة الجري وراء نصف الكوب الملآن‮. ‬فربما كان التحذير والنذير عند التحديق في نصف الكوب الفارغ‮ ‬أجدي وأهم لهذا الوطن‮. ‬خطبة القرضاوي جيدة كنص يقال في مثل هذه الظروف‮. ‬ربما كان فيه ما يشعر به المصريون جميعاً‮. ‬وهو موقف عقلاني أقرب للعقل والعلم منه إلي الغيبيات‮. ‬يكفي أنه خطب عموم المصريين‮. ‬وذكر الأقباط‮. ‬وتحدث عن المعتقلين‮. ‬وطلب الرفق بالقوات المسلحة وعدم الاستعجال‮. ‬لكن الأخطر أن القرضاوي حاول أن يبدو وكأنه يتحدث باسم المصريين‮. ‬مع أنه لم يفوضه الشعب المصري ليعلن مطالبه‮. ‬ويحددها‮. ‬ويصلي بجماهيره في ميدان التحرير‮. ‬نظرت للمنصة وتساءلت‮: ‬أين شباب التحرير؟ جاءني الرد أن وائل‮ ‬غنيم حاول الصعود للمنصة ومنعوه‮. ‬فالتف بعلم مصر وذاب بين الجماهير‮.‬أكتب هذا الكلام مع أنني أعرف القرضاوي‮. ‬قرأت له في الزمن القديم كتابه المهم عن مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام؟ وهو الكتاب الذي لم يعد طباعته أبداً‮. ‬تشككت في الحكاية‮. ‬لن أتهم الرجل فله في نفسي مكانة بأنه جاء ليخطف الثورة ويقدمها علي طبق من الفضة لجماعة الإخوان‮. ‬دهشت وتساءلت‮: ‬لماذا يخصص يوم الجمعة لمثل هذه المظاهرات الأسبوعية؟ قيل لي لأنه يوم الأجازة‮. ‬ومن السهل أن يتقاطر علي الميدان الملايين‮. ‬وهم لا يحبون أن يكون ذلك في أحد أيام الأسبوع حتي لا يعطل مصالح الناس‮.‬كانت هذه مشاعري الأولي‮. ‬لكني عندما فكرت في الأمر وحاولت أن أصل إلي أعماقه بدلاً‮ ‬من التعامل مع قشوره الخارجية اكتشفت أن الخطيب رجل ينتمي إلي الماضي ويتكلم كلام الماضي‮. ‬وهو خطاب ربما لم يصل لكل هؤلاء الشباب الذين ملأوا ميدان التحرير‮. ‬طلب مني البعض أن أفرق تماماً‮ ‬بين المنصة والمشهد‮. ‬بين الخطيب والملايين‮. ‬ورغم عوامل التهدئة فالجدل بين المنصة والمشهد قد يؤكد لنا في الأسابيع القادمة إن الثورة ربما خطفت أو سرقت أو نشلت أو تم الاستيلاء عليها‮.‬ما رأيته بأم عيني كان أدق من مخاوف المتخوفين‮. ‬وأنا كنت منهم‮. ‬كان الشبان في الميدان يرفعون الأعلام وليست المصاحف‮. ‬مع أن المصحف أعظم كتاب علي وجه الأرض‮. ‬ورددوا شعارات أن الشعب يريد إسقاط الحكومة‮. ‬ولم يقولوا أن الإسلام هو الحل‮. ‬مع أن الإسلام ختام الأديان‮. ‬سنة الله المطهرة‮. ‬لم أجد الطواقي فوق الرءوس ولا الحجاب والنقاب ترتديه النساء‮. ‬بل إن لحظة انصراف الشيخ القرضاوي مرت دون أن يشعر بها أحد‮. ‬ثم إن صلاة الجمعة يقبل عليها البعض باعتبارها طقساً‮ ‬اجتماعياً‮ ‬علاوة علي البعد الديني الكامن فيها‮.‬فما هي الحكاية بالضبط؟ من ناحية أن هناك محاولات لسرقة الثورة فهذا مؤكد‮. ‬وأقول من حق الجميع أن يحاولوا بم فيهم الإخوان المسلمين‮. ‬فمن ينفي أي اتجاه ومن يحاول منعه يقف علي تخوم الفاشية والنازية‮. ‬وأيضاً‮ ‬فليس كل من دخل ميدان التحرير متظاهراً‮ ‬وصاحب قضية‮. ‬ولديه الوعي الكامل الذي يمكنه من إدراك كل ما حوله‮. ‬لذلك فإن هذه اللحظة المصرية كلها معرضة للاختطاف‮. ‬ربما نصحو لكي لا نجدها وكأنها لم تكن‮.‬إن كان لا بد من التظاهر يوم الجمعة‮. ‬لماذا لم يكن الخطيب أحد شباب التحرير؟ أو خطيب محترف من سنهم؟ بدلاً‮ ‬من خطباء آخرين؟ لماذا لم يخطب فيهم شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب؟ مشكلة ما جري في الحادي عشر من يناير أنه مبتدأ جملة ما زلنا ننتظر خبرها‮. ‬فإن كان رأس النظام قد رحل فإن النظام نفسه ما زال يراوح مكانه‮. ‬يحاول أن يستبدل ملابسه وأن يغير ألسنته وأن ينطق بكلام جديد ينطلي علي الناس ويفرغ‮ ‬فائض الغضب عندهم من محتواه‮.‬لقد نجت مصر مؤقتاً‮ ‬ من الوقوع في هذا الفخ‮. ‬ولم يتمكنوا من سرقة الثورة‮. ‬تري ماذا سيفعل المثقفون الذين كانوا قد بدأوا في رحلة التحول لكي‮ "‬يتأخونوا‮"  ‬أي يصيروا إخواناً‮. ‬وقد لاحظت علي بعض الإخوة المثقفين المنحدرين من أصول يسارية ربما شيوعية‮. ‬بدايات تسلل مفردات الإخوان لألسنتهم‮. ‬قلت لنفسي‮:‬‮- ‬اللهم احمي مصر من المثقف المتحول‮.‬

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل