آخر عمودالخروج اللائق والنادر
بدأت في تونس، وانتقلت قبل أن تنتهي هناك إلي مصر. ومن مصر انتقلت بدورها إلي اليمن، فالبحرين، ثم الجزائر، ثم السودان، وليبيا، لتشتعل مرة أخري بعد غياب عام في إيران.ما يتكرر في هذه الدول حتي الآن بدأ بتظاهرات متواضعة، سرعان ما تضخمت لتنقلب في تونس ومصر إلي ثورة شعبية حقيقية فرضت تغييرات هائلة تحققت بالفعل، وينتظر الثائرون المزيد.. والمزيد منها.قرأنا، وكتبنا، الكثير عن تلك التظاهرات الشبابية وانضمام الشعوب إليها: إعجاباً وتأييداً، ومشاركة فعلية إلي أن تتحقق كل المطالب المعروفة و تلك التي لم يفصح عنها بعد. ولأن الشعوب تختلف من شعب إلي آخر، فمن الصعب تحديد سبب واحد أو بضعة أسباب معدودة وراء اندلاعات هذه التظاهرات الشعبية المناهضة لحكوماتها. الأسباب التي نسمعها ونرددها كثيرة، قد تكون مشتركة في إطارها أو مختلفة في تفاصيلها.. أو حتي رافضة لهذه أو تلك.اجتهد أحد المؤرخين البريطانيين دكتور »مارك ألموند« الأستاذ في العلاقات الدولية بحامعة أنقرة في محاولة تحديد الأسباب الأساسية لنشوب الانتفاضات التي أيدتها الشعوب في تاريخنا المعاصر. في بحث مهم كتبه المؤرخ »مارك ألموند« قرأه أمس علي موقع ال »بي. بي.سي« بدأه بالتفرقة بين الثورات السريعة الدموية، وبين الثورات البطيئة السلمية.. وإن جمعتا بين الأنماط المشتركة والمتكررة. ويذكرنا أستاذ العلاقات الدولية بمقولة شهيرة ل »تروتسكي« تقول: [إذا كان الفقر سبباً للثورات فستكون ثمة ثورات مستمرة في كل الأزمان والأوطان، لأن معظم الناس في العالم هم من الفقراء. وما تحتاجه لجعل مليون من الناس الساخطين والمتذمرين يتحوّلون إلي وحش تكتظ به الشوارع هو مجرد شرارة تحفزهم لإحداث الثورة]. تعقيباً علي مقولة الفيلسوف والمفكر الروسي الراحل »تروتسكي«، يضيف المؤرخ البريطاني »مارك ألموند« محدداً حافزاً ثانياً وأهم لنشوب الثورة هو استخدام العنف في مواجهة التظاهرات، وسقوط قتلي وجرحي بين المتظاهرين المسالمين، يثبت ذلك كل الثورات التي شهدها العالم علي امتداد العقود الثلاثة الماضية.فمثلاً..كان أبشع عنف مارسه نظام حكم لقمع التظاهرات وإرهاب المتظاهرين، عندما اتهم الشعب الإيراني عام 1978 شرطة الشاه بمسئوليتها عن الحرق الجماعي لمئات الأشخاص وتحولهم جميعاً إلي رماد داخل إحدي صالات السينما. وعندما أحرق الشاب التونسي »محمد بوعزيزي« نفسه يأساً من حياته في ديسمبر الماضي لم يتحمل التونسيون هذا المشهد البشع، واندفعوا لهدم أي شيء وكل شيء يتصدي لتظاهراتهم.العنف والقتل العمدي للمتظاهرين ليسا فقط اللذين يشعلان شرارة الثورة الشعبية. وإنما يكفي كما يقول أستاذ العلاقات الدولية البريطاني إطلاق الشائعات عن استخدام السلطات العنف لقمع المتظاهرين كما حدث في العاصمة التشيكية »براغ« في عام 1989.. حيث اقتنع الشعب بأن الشرطة السرية الشيوعية آنذاك قامت بتعذيب طالبين حتي الموت. فكانت هذه »الشائعة« حافزاً لإشعال الغضب المكتوم في القلوب.ويذكرنا المؤرخ أيضاً بحافز العنف الدموي الذي مارسه الزبانية في الصين عام 1989 عندماقام طلاب صينيون باحتلال باحة »تيانانمين« احتجاجاً علي فساد الحزب وديكتاتورية الحكومة. وينبه الكاتب إلي أن العنف الصيني لم يشعل ثورة شاملة مثلما حدث في بلاد أخري إلاّ هذه الأزمة قدمت للعالم نموذجاً رائعاً لكيفية تنظيم الاحتجاجات واحتلال ميادين وسط العاصمة بكين.من هذه الأمثلة وغيرها، انتقل »مارك ألموند« ليحدثنا عن كيفية انهيار نظام حاكم من خلال من كان الحاكم يعتمد عليهم في حماية نظامه. وآخر مثال علي ذلك ما حدث في تونس عندما طلب من الجيش التصدي للتظاهرات وقمعها، فرد قادته بأن العسكر لن يطلقوا الرصاص علي المحتجين.ويختتم البحث المهم تأريخه مؤكداً أن المخرج اللائق للملك أو الرئيس من مثل تلك الأزمة هو الرضوخ لرغبة شعبه والتنازل عن موقعه. ففي عام2003 انتفض الشعب ضد رئيس جمهورية جورجيا شيفارنادزه« وطالبوه بالتنحي مع كل الاحترام لشخصه والتقدير لإنجازاته.. فبادر بتقديم استقالته.وهذا ما حدث أيضاً في مصرنا العزيزة عندما قرر الرئيس حسني مبارك التخلي عن منصبه، وتكليف المجلس الأعلي للقوات المسلحة بإدارة البلاد وتأمين شعبها.
Comments