المحتوى الرئيسى

نار الثوارت ونور الحريات بقلم : د عمر حمد

02/17 18:10

بسم الله الرحمن الرحيم بقلم : د عمر حمد التاريخ : 15/2/2011م تعيش مجتمعاتنا العربية اليوم تغيرات متلاحقة ومتسارعة في العديد من أقطارها ، وتحولات حساسة ومصيرية ذات مدلولات دقيقة وهامة على الأقطار بنفسها ، والأمة بكاملها ، بل وعلى العالم بأسره . لقد انفجرت براكين الغضب الملتهبة ، وثورات الحرية والكرامة ، ضاربة عرض الحائط بكل أقوال المرجفين في المدينة ، والمتخاذلين عن الخروج والنهوض ، والمتقاعسين عن النصرة بالقول والعمل ، ومزلزلة أركان الظلم وأشكال الاستعباد والاستبداد ، وعروش الاستكبار. نعم لقد انهمرت أمطار الحرية وفاضت أنهار العزة لتغمر بلاد العرب ، ولتروي منها أرضاً عطشى وشعوباً ظمأى للعيش بكرامة وحرية. لقد صدق حدس من راهن على هذه الشعوب وقوتها وعظمتها وصحوتها ، وخاب وخسر من راهن على ضعفها وخوفها ونومها ، وصدق الشاعر التونسي أبوالقاسم الشابي حين قال : اذا الشعب يوماً أراد الحياة...... فلابد أن يستجيب القدر. ولابد لليل أن ينجلي ............. ولابد للقيد أن ينكسر. نعم إن ثمن الحرية غالٍ ومن أجلها تزهق الأرواح والأنفس ، ومن أجلها تستعذب المعاناة والآهات والمحن ، ومن أجلها تكثر وتعظم التضحيات ، وتتوحد الحناجر والعبارات والهتافات ، وتنسى كل الإقليميات والعرقيات والديانات. لقد ضحت هذه الشعوب بخيرة أبنائها وشبابها من الشهداء والجرحى لتعيش بعدها أمتهم وشعوبهم بكرامة وعزة وإباء. ولو بحثنا في أسباب هذه الثورات لوجدنا كثيرة جداً ، ولكنها خليط من متطلبات حقيقية أساسية أصيلة للمواطن العربي - أغتصبت منه - وهي حقه في أن يعيش حياة كريمة عزيزة ينعم بها بالحرية والكرامة والعزة وبالانتماء لقطره ووطنه وأمته ، فهي خليط من حقوق اقتصادية وسياسية ومعيشية وانسانية، وهي تراكمات أخطاءٍ كثيرةٍ ومتعددةٍ ولا حصر لها وقعت فيها هذه الانظمة ، أخطاء في فهم طبيعة شعوبها وتطلعاتهم وآمالهم وآلامهم وطموحاتهم ، أخطاء جعلت الهوة والمسافة بعيدة جداً بين الانظمة وشعوبها ، أخطاء تمثلت في كبت الحريات وقهر الانسان تحت حجة المحافظة على الاوطان من الخونة والمندسين وعملاء الاستعمار ، والكل يدعى الحرص والخوف على الوطن وحمايته ولكن بطريقته الخاصة. لقد صنعت هذه الانظمة نعوشها بأيديها يوم أن تخلت عن شعوبها وباعت مقدرات أوطانها بثمن بخس ، لقد راهنت وخسرت الرهان ، وليتها راهنت على شعوبها بدلاً من أن تراهن على معونات الاستعمار وسطوة ظلمه واستعباده ، رغم تجمله بأسماء الحرية المزيفة ، والديمقراطية المنمقة ، والحقوق المنقوصة ، وهو أبعد ما يكون عن الحرية والديمقراطية والعدالة. قد يعتقد البعض منا والجاهل بطبيعة الغرب – المستعمر - وأهدافه الخبيثة أن الغرب سعيدٌ ومنتشي لما حدث ويحدث وسيحدث من تحولات وتغيرات وتبدلات في المنطقة ، ولكن لنعلم انه يريد تغيرات وتحولات بمقاييسه وبتفصيله ، يريد ديمقراطية على هواه وبمواصفاته هو لا بمواصفات الشعوب والجماهير المتطلعة لها والمضحية من أجلها. هو لايهمه من كل ما يحدث وسيحدث سوى مصالحه في المنطقة بغض النظر من يكون في دفة الحكم من أحزاب أو أشخاص ، هو يريد حماية والتزاماً بحماية ربيبته ومدللته في المنطقة المسماه – اسرائيل - . هو يخشى على أعوانه وحضورهم وتواجدهم ، هو يخشى على مصالحه وبكل تأكيد لن يسمح بأي حال من الأحوال لهذه الشعوب ومن يسوسها – رغم ما يحدث من تغيرات - أن ينعتق من التبعية له والانقياد لمواقفه وتنفيذاً لأوامره وتطلعاته. الخوف والخوف الشديد من إجهاض هذه الثورات والقفز عليها ، أو تحوير مطالبها وحرفها عن مسارها الحقيقي ، وتطويع أشخاصها وقادتها ، الخوف من الضغط بسيف المعونات الاقتصادية للخضوع والتنازل والركون. لذلك كان الكيان الصهيوني أول وأصدق من عبر عن تخوفاته مما حدث ويحدث وسيحدث ، وطالب بتوضيح الموقف من التعهدات والمواثيق الموقعة ، بل ولقد أكد الغرب بأسره على هذه التخوفات وهذا ما يدلل على صدق طرحنا وتحليلنا للامر. لقد ثارت مصر وشعبها العظيم يوم 25 يناير من هذا العام ، وسبقتها تونس الحرة على كل شكل من أشكال الظلم والقهر والاستعباد ، لتكون قبلة للثوار وللأحرار كما كانت عام 1952م ، لقد ثارت لترفع الظلم الواقع عليها في كل نواحي حياتها ، ولتضع حداً للغطرسة الصهيونية في المنطقة العربية ، لقد إمتدت أذرع – اسرائيل – لتصل الى منابع النيل وتهدد أمن مصر القومي لتطبق الخناق على مصر وتبتزها وتضعفها وتكبلها وتمنعها من أن تقود أمتها العربية الى العزة والكرامة والحضارة ، ولكن هيهات أن يكون لها ما تريد فشعب مصر قد ثار وانتفض وسيرى المعتدي الصهيوني شر ما إقترفت يداه. إن هذه الثورات ستجعل الكيان الصهيوني يفكر ألف مرة قبل أن يقدم على اعتداء على غزة أو لبنان أو حتى على سوريا وايران ، لقد ثارت مصر وشعبها الأبي الكريم ، وسيثور معها كل الشعب العربي من المحيط الى الخليج ليعيش بعزة وكرامة وحرية في ظل سيادته وتحت سماء أوطانه ومقدساته عزيزاً كريماً غير مهان أو مستباح الحرمات. نعم لقد تمت المراهنة على هذه النخبة قبل ايام قلائل من اندلاع هذه الثورات وعلى مر سنين طوال من ان تكون هذه الاجيال هي أجيال مخدرة ميتة لا تقدر على الحراك والنهوض والتغيير ، أجيال رقص وغناء وطرب ، بل وهروب من واقعها المرير، او باحثة عن لقمة العيش والعمل أو مدمناً على ملهيات ومخدرات تنسيه واقعاً مريراً يعيشه ويتجرعه يومياً في كل مناحي حياته. ولكن ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ، ولكنها سنة التغيير الالهية ، وسنة التبديل الربانية ولن تجد لسنة الله تبديلا ولقد قال تعالى في محكم التنزيل : " وتلك الأيام نداولها بين الناس ..." . نعم لقد انقلب السحر على الساحر ، نعم لقد قلبت هذه الثورات كل المقاييس وخلطت كل الاوراق ، وكشفت سوءات الكثيرين. نعم ما اشبه اليوم بالبارحة ، فلقد راهن الكيان الصهيوني الغاصب على جيل عام 1967 ميلادية على ان يكون جيل يؤمن بالاحتلال الصهيوني ، جيل المخدرات والفساد والافساد ، ولكنه قلب الامور والحسابات كلها رأساً على عقب فلقد فجر هذا الجيل انتفاضة عام 1987 ميلادية والذي أحيا أمة العرب وشعب فلسطين على وجه الخصوص بعد موات. كما وان العالم كله قد راهن وعمل على أن يكون هذا الجيل المعاصر جيل الإستكانة والخنوع ، الذي لا يستطيع أن يدرئ الاذى عن نفسه ولكنه كان جيل الثورة والكرامة ، جيل الحرية والتضحية. كلي أمل في أن تعي الحكومات العربية وقادتها مما - حدث ويحدث – وما هي آمال وطموحات وحقوق شعوبها في العيش بحياة كريمة وعزة وفخار على ترابها ، فتسارع الى اصلاح ذات بينها وبين شعوبها قبل فوات الاوان ، فلا تنظر لهذه الشعوب على انها حشرات ضارة تحتاج الى مبيدات حشرية للقضاء عليها ، بل لابد أن تأخذ بايديها لبناء حضارتها ونهضتها وعزتها ، فلتطلق لها الحريات في التعبير عن آرائها وأفكارها ، ولتنصف بينها ولتعطيها حقوقها في كل مناحي الحياة ، ولتوقف سطوة القهر والقمع ، ولتفتح كل سجون الجلاد وليفرج عن كل المعتقلين من غير الجنائيين ، وليتساوى كل الناس في الحقوق والواجبات ، وليتم تداول السلطة بشكل سلمي عبر انتخابات حرة ونزيهة يعبر فيها كل انسان عن رأيه وينتخب بحرية وشفافية مرشحيه وممثليه وقيادته. فمتى ترفع كل الشعوب العربية رأسها عالياً ؟! أقول ارفع راسك فأنت عربي بايمانك..... ارفع رأسك فأنت حر بتضحياتك ......... ارفع رأسك فانت عزيز في أوطانك ...... وأتمنى أن لا ياتي يوم لا ينفع فيه الندم والعاقل من اتعظ من أخطاء نفسه والحكيم من أتعظ من أخطاء غيره . إن نيران الثورات ستحرق كل شكل من اشكال الظلم والاستعباد ، وستحرق كل من يحاول الالتفاف والانقضاض على هذه الثورات ، وان طوفانها سيغرق كل سفن العبودية وقباطنة الظلم ، وسترسوا فقط سفينة الحق والحرية على شاطئها المنشود، وسيضيء نور الحريات والضياء والعدالة كل الطرقات للباحثين عن كرامة العيش وحرية العبارات والعبادات. فإلى كل الشعوب العربية الباحثة عن العزة والكرامة والحرية أقول ثوروا فلن تخسروا شيئا سوى انكم ستكسرون قيدكم وتعيشون بعزتكم وكرامتكم وحريتكم ، وستلفظون غبار التبعية والذل والهوان.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل