المحتوى الرئيسى

الزواج الحزبي بقلم:أ. بسام أبو عليان

02/17 18:10

الزواج الحزبي أ. بسام أبو عليان منذ أن وقع الانقسام في حزيران/ يونيو 2007م في المجتمع الفلسطيني ـ وإن كنت أتحفظ على مصطلح "الانقسام السياسي"، لأن ما هو موجود في المجتمع الفلسطيني هو انقسام بالمعنى الشامل للكلمة، فهو انقسام في: السياسية، الاقتصاد، التعليم، الصحة، الزراعة، الأيديولوجيا... إلخ، ومن الخطأ اختزال الانقسام في شقه السياسي فقط ـ. على أية حال، فإن هذا الانقسام قد ألقى بظلاله على كل شيء في المجتمع، ولم يوجد شيء قد سلم من نتائجه السلبية والكارثية سواء على صعيد الأفراد أو الجماعات أو المجتمع عموما. ومن بين النظم الاجتماعية التي لحق بها الضرر "النظام الأسري" في كافة أنساقه: (الزواج، التنشئة الاجتماعية، العلاقات بين أفراد الأسرة، العلاقات القرابية). وفي هذا المقام سأتحدث فقط عن (النسق الزواجي) الذي يعتبر من أكثر الأنساق الأسرية تضررا من جراء الانقسام. إذ أنه منذ فترة "الفلتان الأمني" وحتى وقوع "الانقسام" وإلى يومنا هذا بدأت تغزو المجتمع الفلسطيني ظاهرة غريبة عن المجتمع وعاداته وقيمه، هي ظاهرة "الزواج الحزبي"، وأصبحت أغلب حالات الزواج في المجتمع الغزي تتم بناء على معيار الانتماء السياسي للشاب أو الفتاة أو لوالديهم وأشقائهم. وأصبح هذا المعيار مقدم على بقية المعايير الزواجية الأخرى. وهناك الكثير من الشواهد التي نسمعها بشكل شبه يومي تعكس هذا الأمر، والذي وصل إلى حد بات يشكل خطرا وتهديدا للبناء الأسري. كان الزواج في المجتمع الفلسطيني يتم بناء على أحد المعايير التي بينتها الأحاديث النبوية. فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" [البخاري]. إذن معايير اختيار الزوجة ـ كما بينها الحديث ـ هي أربعة: (المال، الحسب، الجمال، الدين)، ثم رجّح صلى الله عليه وسلم أفضل هذه المعايير، وأكثرها أمنا وحفاظا على سلامة واستقرار الأسرة وهو معيار (الدين). في المقابل بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم معيار اختيار الزوج الصالح، فعن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه؛ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: "إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه. إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" [سنن بن ماجة]. يتضح من الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قدّم معيار (الدين والأخلاق) على بقية المعايير الزواجية الأخرى كالمستوى الاقتصادي، أو المكانة الاجتماعية، أو الحالة التعليمية... إلخ، وهناك الكثير من الأحاديث التي تحدثت عن فضائل الأخلاق والمكانة التي يحظى بها أصحاب الخلق الحسن. ولا يعني هذا التقليل من أهمية هذه العوامل الاقتصادية والاجتماعية وتأثيرها على الزواج واستقرار الأسرة والتوافق بين الزوجين. لكن الحديث حذر من محاولة تقديم معايير أخرى للزواج على معيار الدين، لأنه في هذه الحالة ستقع الفتنة والفساد للأفراد والأسرة والمجتمع عموما. وبالعودة إلى حديث معايير اختيار الزوجة نجد أن المعايير الثلاثة الأولى: (المال، الحسب، الجمال) هي السبب الرئيسي والمحرك الفعال لكافة المشكلات الأسرية في حال انعدام التكافؤ بين الزوجين. وبالنظر إلى واقع الزواج في المجتمع الغزي اليوم، نجد أن هذه المعايير المتعارف عليها في أغلب حالات الزواج أصبحت معاييرا من الدرجة الثانية، وقدم عليها معيارا جديدا لم يكن مألوفا من قبل ـ وهو في الحقيقة انعكاس للواقع الاجتماعي والسياسي للمجتمع الفلسطيني ـ وهو معيار (الانتماء الحزبي). لقد تغيرت المعايير النبوية للزواج، فأصبح المعيار في اختيار الزوجة: "تنكح المرأة لفتحاويتها أو حمساويتها فاظفر بفتاة حزبك ترتب يداك"!!. وبالنسبة إلى معيار الزوج: "إذا أتاكم من ترضون فتحاويته أو حمساويته فزوجوه"!! إن هذا الأمر يعكس حالة التردي والانهيار القيمي التي وصل إليها النسق الزواجي في المجتمع الفلسطيني. لقد كانت الأسرة الفلسطينية على الدوام، وعلى مدار التاريخ الفلسطيني المقاوم؛ هي الحصن المنيع والمكان الآمن للحفاظ على تماسك المجتمع الفلسطيني، وكانت الأسرة الفلسطينية تقف كالجبل الشامخ في وجه كافة المحاولات الاحتلالية التي تهدف إلى قمع الشعب الفلسطيني واقتلاعه من أرضه، فنأتي نحن الآن ـ من حيث لا ندري ـ نقدم هدية للعدو الصهيوني بإلحاق الأذى والوهن والضعف بالأسرة الفلسطينية بسبب الانقسام اللعين. إن أغلب حالات الزواج التي تمت على أساس حزبي لن يكتب لها النجاح والاستمرار والتوافق الأسري، وهناك بعض حالات "الزواج الحزبي" بدأنا نلمس نتائجها وثمارها السلبية الآن، منها ما انتهت بالطلاق، وأخرى بعدم الاستقرار الأسري، ومنها حالات الهجر والفراق. وهناك حالات من "الزواج الحزبي" سنجني ثمارها المريرة مع مرور الأيام والسنوات المقبلة، وسيكون ذلك على صعيد تنشئة الأبناء والعلاقات الاجتماعية. الكل يعلم بأن الانقسام أحدث شرخا كبيرا في المجتمع ولن يلتحم هذا الشرخ ما لم تكن محالات الالتحام الأولى تبدأ من الأسرة التي تعتبر اللبنة الأساسية في بناء المجتمع، فبصلاح وتماسك الأسرة يكون صلاح وتماسك المجتمع، وبانهيار الأسرة يعني انهيار المجتمع. لماذا الأسرة الفلسطينية أولا؟ لأن الأسرة هي صورة مصغرة عن المجتمع، وبحكم التعددية السياسية في المجتمع، فتشهد الأسرة الواحدة عدة انتماءات سياسية موزعة ما بين إسلامي ووطني ويساري، والتي انعكست على علاقات الأخوة والوالدين فيما بينهم، فإذا حسن حال العلاقات الأسرية، سيحسن حال المجتمع عموما.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل