انتباهالأحزاب.. ومستقبل الديمقراطية
إذا كان كل المصريين مجمعين علي ان مصر بعد ٥٢ يناير، وثورة شبابها، تختلف عما كان من اوضاع قبل هذا التاريخ المجيد، فإن اكثر ما يجب ان يشهد »قطيعة تامة« بين العصرين الوضع الشاذ للحياة الحزبية، بكل ما يحيط بها من عوار.الاحزاب في مصر - بخلاف ما يحدث في الدنيا كلها - لابد ان تحصل علي »إذن« مما يطلق عليها لجنة شئون الاحزاب التي يرأسها الامين العام للحزب الحاكم - او الذي كان حاكما - ليسمح أو لا يسمح بطريقة مزاجية في منح التصريح بقيام حزب ما أو حجبه، ووفق أي منطق فإن المسأة تكون محكومة بمصلحة المانح المانع، واجندته، وتقاطع ذلك مع ما يراه الأمن الذي يدخل في علاقة عضوية مع الحزب الحاكم، وتكتمل المسألة بدخول رجال الاعمال »علي الخط« لتقود الوضع الحزبي الي حالة من الاحتقان والاختناق التام.وإذاكان المنع هو قرار »لجنة الاحزاب« فليس امام المؤسسين الا اللجوء لدائرة الاحزاب بمجلس الدولة، التي تتكون من خليط من القضاة والشخصيات العامة التي يعينها البرلمان الذي يحوز فيه الحزب الحاكم علي اغلبية يعلم الجميع كيف جاءت!باختصار، فإن الهيمنة علي هذا النحو وأدت الحياة الحزبية تماما، وكرست الاحتكار في السياسة، كما في الاقتصاد، ومن ثم فإن الشعب المصري عاني من الجور الشديد علي حقوقه الاقتصادية والاجتماعية، تماما كما تم انتهاك الحريات العامة، وصولا الي المساس الفاضح بالحقوق الاساسية، وكانت المحصلة الانفجار الهائل الذي قاد إلي ثورة ٥٢ يناير.الآن ونحن نعيد ترتيب البيت من الداخل، فإن تقنين الحريات العامة، لاسيما حرية التنظيم وتكوين الجمعيات، لابد أن تشهد تصحيحا جذريا يقرر حرية المصريين في تكوين احزابهم ونقاباتهم واتحاداتهم، وماعداها من التنظيمات غير الحكومية، وإلا فإن اي حديث عن وجود حياة سياسية وحزبية سليمة، يعد نوعا من الدعابة الثقيلة الظل!لجنة شئون الاحزاب يجب دفنها للأبد واعلان الحزب يكون بمجرد اخطار الجهة المختصة ليس إلا، ولابد ايضا من النص في الدستور الجديد علي انه لا يجوز وضع قيد علي ممارسة حق التنظيم، وتكوين الاحزاب إلا ما يمس الأمن القومي او ما يتعارض مع النظام العام كما يحدد أطره الدستور والقانون فقط.بعد ٥٢ يناير، اصبحت مصر جديرة بأن تكون مجتمعا ديمقراطيا دون تشكيك في جدارة واهلية المصريين، كما احترف ذلك لصوص المال العام الذين تصدروا المشهد السياسي طويلا دون وجه حق، ولابد ان يعي الجميع ان أي حديث عن ممارسة الحقوق والحريات المدنية والسياسية لا يستقيم في ظل اي قيود استثنائية علي النشاط الحزبي، بداية من الحق في تشكيل الحزب، وصياغة برنامجه وصولا الي التوجه للجماهير في الشارع، وممارسة كل الانشطة الداعمة لكيان الحزب ونموه.آن لمصر ان تري احزابا تولد من الشارع، وبإرادة الناس، وبعيدا عن رحم السلطة أو عصاها الغليظة لانها تفقد شرعيتها الحقيقية قبل ان تولد!حرية تكوين الاحزاب من الآن فصاعدا - يجب ان تكون ملمحا اساسيا في »مصر الجديدة« حتي نتحدث - بصدق وجدية - عن التحول إلي نظام ديمقراطي يترجم - علي الأرض - مفهوم الدولة المدنية الحديثة.
Comments