المحتوى الرئيسى

> الحرية المطلقة وهم مطلق

02/16 22:22

الحرية لا تعني حكم الإنسان لنفسه كما يتصورها البعض، وكذلك الحرية لا تعني أن تكون تصرفات الإنسان وسلوكياته من وحي فكره الخاص بمعزل عن الآخرين والمحيطين به في الداخل والخارج، سواء كان ذلك الإنسان فردا أو جماعة، وكذلك الحرية لا تعني منح الناس كل ما يريدون أو تلبي ما تشتهيه أنفسهم وغرائزهم الشخصية الطبيعية، وكذلك الحرية لا تعني أنه يجب علي جميع الناس أن يشاركوا في جميع الأمور السياسية أو الاقتصادية أو الإدارية أو العلمية أو أي شأن آخر، لأن بعض الناس أو كثير من الناس ربما ليس لديهم الخبرة ولا العلم الكافيين بهذه الشئون، بل وربما منهم من لا يريد أن تكون له خبرة أو علم بالشئون السياسية أو الاقتصادية أو الإدارية أو العلمية، وكذلك لا يمكن إجبار هؤلاء الناس علي ممارسة هذه الشئون وهم لا يريدون. إذ ستتحول إلي حرية بالإكراه أو إجبار للناس علي ممارسة الحرية. إن الحرية لا تعني اللاحدود أو اللاتوقف أو اللامنتهي وإلا ستتحول إلي تطبيق فعلي لقانون (الغابة) بحذافيره، ويصبح الناس أحرارا في أن يقتلوا ويقتلوا، ويأكلوا ويؤكلوا، ويسرقوا ويسرقوا ويظلموا ويظلموا ويصادروا ويصادروا، وكذلك الحرية لا تعني أن أكثرية ما أو أقلية ما تري أن الحياة الأمثل تتمثل في الالتزام بالشرائع الدينية وحدها وتتغافل عن أكثرية أو أقلية أخري لا تري ذلك ولا تريده، وكذلك الحرية لا تعني أن أكثرية ما أو أقلية ما تري أن الحياة الأمثل تتمثل في الالتزام بقيم علمانية أو ليبرالية أو اشتراكية أو ديمقراطية أو شيوعية وتتغافل عن أكثرية أو أقلية أخري لا تري ذلك ولا تريده، وكذلك الحرية لا تعني أن يلبي الفرد حاجاته وما يراه هو ويتغافل عما تريده الجماعة وما تود تلبيته، وكذلك الحرية لا تعني أن تلبي الجماعة حاجاتها وما تراه هي وتتغافل عما يريده الفرد وما يود تلبيته.فالحرية بهذا المفهوم ما هي إلا وهم كبير وخدعة نخدع أنفسنا بها وكذبة نحاول تصديقها، فلم ولن توجد جماعة بشرية في أي مكان من أرض الله منذ أن خلق الله الإنسان وإلي أن يرث الله الأرض ومن عليها كانوا أحرارا في كل شيء يفعلونه وكانوا أحرارا في تلبية كل شيء يريدونه، فواقع الحياة وطبيعتها يؤكدان أن الحياة علي كوكب الأرض ما هي إلا بيت فيه شركاء قد تتعارض فيه المطالب والمصالح والرغبات. ثم من ذا الذي يحدد للناس المفهوم الحق والتعريف الحق للحرية، ومن ذا الذي يضع للحرية حدودها، فلو سألت سجينا عن الحرية لقال خروجي من السجن، ولو سألت كاتبا أو مفكرا أو صحفيا أو إعلاميا عن الحرية لقال أن أدلي برأيي وأعبر عنه من دون مقص أو رقيب، ولو سألت شاذا جنسيا عن الحرية لقال أن أمارس الشذوذ الجنسي دون منع أو ازدراء، ولو سألت متدينا عن الحرية لقال أن أمارس عقيدتي دون قيود، ولو سألت ملحدا عن الحرية لقال أن أمارس حقي في الإلحاد دون تكفير أو اضطهاد، ولو سألت مدمنا عن الحرية لقال أن يتم السماح بتعاطي المخدرات من دون منع أو ملاحقة، ولو سألت فتاة عاشقة عن الحرية لقالت أن أتزوج بمن أحب من دون تدخل الأهل، ولو سألت تلميذا بليدا عن الحرية لقال أن تلغي المدارس. ومن ذا الذي يملك أن يحدد للناس الحرية الصواب من الحرية الخاطئة؟، ومن ذا الذي يملك أن يفاضل بين الحريات؟، ومن ذا الذي يملك أن يحدد أولويات الحرية وأيها أسبق علي الأخري؟، وأيها أولي من الأخري؟، ومن ذا الذي يسمح بالاستقلالية في ممارسة الفكر والثقافة والأخلاق والقيم والعادات والتقاليد، الفرد أم الجماعة؟، وأي الحريتين يجب أن تقدم علي الأخري، حرية الفرد أم حرية الجماعة؟، ومن له الحق في الفصل إن تعارضت الحريتان؟. (والبقية تأتي). باحث إسلامي مقيم في أسيوط

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل