المحتوى الرئيسى

الثورة المصرية: مخاوف وتوجسات بقلم:ياسين السعدي

02/15 20:50

هدير الضمير الثورة المصرية: مخاوف وتوجسات!! ياسين السعدي ما حدث في مصر هو ثورة شعبية حقيقية عارمة صادقة بما لا يمكن أن توصف به بغير الثورة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من الانفجار الناتج عن كثرة الضغط والكبت والحرمان والهوان والخذلان. لقد كانت بدايتها (انتفاضة) نفض الشعب المصري من خلالها مظاهر الخوف ودواعي التخاذل التي اتهمه به أعداء الأمة العربية، وألصقوا بهذا الشعب الطيب صفات ليست من طبعه، ولا تليق بشعب قاد الأمة العربية في مواطن كثيرة من مواطن النصر والعزة والكرامة. وأود أن أشير إلى مقالي السابق المنشور في القدس الغراء يوم الأحد بتاريخ 6/2/2011م عن دور مصر وعظمتها، لأقتبس منه فقرتين صغيرتين فقط: (وفي العصر الإسلامي كانت مصر مركز الثقل ونقطة الانطلاق في انتشار الإسلام في شمال إفريقيا. ومن مصر ركب المسلمون البحر لأول مرة وخاضوا أول معركة بحرية وانتصروا على الأسطول الرومي في معركة ذات الصواري. ومن مصر انطلق صلاح الدين الأيوبي بعد توحيدها مع بلاد الشام، ونازل الصليبين في معركة حطين، مما كان مقدمة لنهاية الحروب الصليبية. ومن مصر خرج جيش المماليك لملاقاة المغول في عين جالوت، وتمكن الجيش المصري بقيادة السلطان قطز والظاهر بيبرس من دحر المغول وحماية مصر وغيرها). ونضيف اليوم اعتزازاً بمواقف هذا الشعب العظيم؛ أن قائد الحملة الصليبية لويس التاسع، ملك فرنسا، تمت هزيمته في معركة المنصورة سنة 1250ميلادي، ووقع في الأسر ودفع الفدية وعاد إلى فرنسا مهزوماً ومدحوراً. ويذكر أبناء جيلي، كما كان يقول الأديب الفلسطيني الراحل، إميل حبيبي، صمود هذا الشعب أمام العدوان الثلاثي سنة 1956م والمقاومة الشعبية الباسلة في بور سعيد خاصة، التي كان لبطولات أبنائها الدور الكبير الذي أجبر المعتدين في النهاية على الرحيل. مصر صاحبة المعجزة العسكرية الكبرى في العصر الحديث، عندما حطم أبطال الجيش المصري خط بارليف سنة 1973م ودحروا العدوان ومهدوا لانتصار تاريخي، لولا مواقف تدور حولها علامات استفهام كبيرة وإشارات استغراب كثيرة. مصر هي التي أنجبت جمال عبد الناصر ورفاقه الضباط الأحرار من رجال ثورة 1952م. وقد شاهد العالم كله الشباب المصري، ومثله الشباب التونسي وكذلك اللبناني، وهم يرفعون صور هذا القائد العربي الخالد، صاحب الصرخة المدوية: إرفع رأسك يا أخي العربي، بالرغم من التحالفات الحاقدة على العروبة والإسلام التي أودت بطموحات جمال عبد الناصر التي كان يعمل بها من أجل بناء دولة عربية قوية. وهي القوى نفسها التي حطمت (السد العراقي) الذي بقي صامداً لوحده في وجه المؤامرات الغربية، إلى أن تم تحطيم العراق واستشهاد صدام حسين. مصر هذه هي التي أنجبت العباقرة من العلماء والأدباء والشعراء والفنانين والموسيقيين، وكان إسهامها في إثراء الحضارة الإنسانية مشهوداً ومشكوراً. مصر هذه تم التآمر على تاريخها العريق وحاضرها التليد ومستقبلها الواعد، وصوروها بأنها بلد التخاذل وموطن التخلف، بالرغم من أنها مهد الحضارة منذ آلاف السنين. ثورة مباركة كانت انتفاضة الخامس والعشرين من الشهر الماضي التي تحولت إلى ثورة شعبية عارمة، حدثاً سوف يسجله التاريخ على أنه إحدى أهم المحطات التاريخية في تاريخ المنطقة في العصر الحديث، ونقطة انطلاق لكثير من الشعوب، ودرساً نموذجياً تقتدي به الأجيال من الشعوب المسحوقة والمنكوبة بقيادات متخاذلة. لقد أذهلت الثورة المصرية العالم كله من الأصدقاء والأعداء، وجعلت الجميع يراجعون مواقفهم من مصر خاصة، ومن العرب عموماً، وأفهمتهم أن الشعوب الحية قد تُغْلَبُ، ولكنها لا تُهْزَمُ، وأنها تحطم قيودها وتنهض بعد كبوتها، وتواصل مسيرتها الحضارية، وترسيخ وجودها على خارطة الدنيا. لم يشاهد العالم شعباً، بشبابه وشيبه وحتى أطفاله ورجاله ونسائه، يخرج بهذه الأعداد التي تفوق الحصر، وهي تهتف منادية بالحرية والكرامة وتحطيم قيود الظلم، بالرغم مما واجهته هذه الجموع من تهديد وقتل وإصابات بلغت المئات من الشهداء والآلاف من الجرحى، ومع ذلك يزيد إصرارها على مواصلة المسيرة حتى تحقيق الآمال العريضة والوصول إلى الأهداف النبيلة. مخاوف وتوجسات لقد تحقق النصر الكبير وانطلق الشعب المصري إلى فضاء الحرية وإعادة مصر إلى موقعها الذي تستحقه والذي أبعدها عنه من قادوا الأمة العربية كلها إلى مواطن الذلة بعد رحيل جمال عبد الناصر. ولكن تظل هناك مخاوف وتوجسات لا يجب أن تغيب عن أذهان الذين سوف يقودون الشعب المصري للعبور به إلى المرحلة المقبلة، والتي قد تواجه قضايا ومخاوف لا نعتقد أنها غائبة عن الأذهان، ولا بد أنهم يحسبون حسابها. أولى هذه المخاوف هي أن الذين يعملون جاهدين على منع قيام دولة عربية قوية؛ ابتداء من محمد علي باشا، وانتهاء بجمال عبد الناصر وصدام حسين، سوف يمارسون كل أساليب الخداع والغدر، وإن تظاهروا اليوم بالدعوة لاحترام إرادة الشعوب، وتلبية المطالب التي قامت من اجلها هذه الثورة المباركة. فهل نصدق أن من يقف بكل عنف ضد الطموحات العربية، ومنع التقدم والاستقرار، صار من دعاة الحرية للشعوب، والمناداة بتطبيق الديموقراطية وحقوق الإنسان وغير ذلك من الشعارات؟ لا يمكن أن نصدق أن الذئاب تغير من طباعها، وان لصوص الثروات يؤيدون ويدعمون مفجري الثورات. لا يمكن أن نقنع بان الذين يستنزفون موارد الأمم الأخرى لبناء الرفاهية والرخاء لمجتمعاتهم على حساب جوع وحرمان الشعوب الأخرى، يمكن أن ينقلبوا على أنفسهم ويغيروا من طباعهم التي نشأت على نهب خيرات الشعوب الضعيفة. ومن هذه المخاوف أن تتم حركة التفافية حول هذه الثورة، ويتم إرباكها بزرع من يقوم بنفس الدور الذي قام به من انفجرت الانتفاضة ضده وضد ممارساته وسياساته المعادية لتطلعات شعبه وأمنيات أمته. ولعل ما يشغل بال الغيورين على مصر العربية ذات الوجه الحضاري المتألق، أن يتم إعادة طلاء الوجه العربي المصري الجميل، بلون سياسي غير اللون الذي تريده الأمة كلها، وغير اللون الذي يحبه الشعب المصري العريق. ثم هناك توجسات من أطماع الأحزاب والمجموعات المصرية الهامشية، فيبدأ الصراع على المناصب والكراسي، ويحدث تصادم المواقف، وتنشأ صراعات بين التيارات التي لحقت بالثورة، وركبت موجتها بالرغم من تلكئها في البداية إلى أن اطمأنت إلى قوة اندفاع الثورة، وتأثيرها الواضح منذ اللحظات الأولى لانطلاقتها. لقد حذرت القيادات الشبابية والشعبية من مثل هذه التوجسات، ولذلك رفضت ادعاءات الذين ادعوا تمثيل الجموع الغاضبة في الميادين والساحات، وأعلنت أن الذين فاوضوا الحكومة لا يمثلونها، واعتبرت تلك الخطوة خذلاناً لأهدافهم السامية التي رووها بدمائهم الزكية. لكن الذي يزعج، بل ويقلق كل غيور على هذه المسيرة، هو أنه لم تبرز قيادة واضحة المعالم من بين الشباب، يمكن أن تلتف حولها الجماهير، وتقودها للوصول إلى تحقيق أهدافها وطموحاتها التي هي أهداف الأمة وطموحات الشعب، بالرغم من أن مصر تزخر بالقياديين الصادقين في انتمائهم لمصر وللعروبة والإسلام، ولكنهم تم تغييبهم بالقوانين الظالمة التي حرمتهم من مواقعهم في قيادة الشعب. كان دور الجيش المصري دوراً مشرفاً بالرغم من بعض المحطات التي اتهم موقفه فيها بعدم الوضوح خلال مسيرة هذه الثورة المباركة ضد النظام غير المبارك الذي مضى وانقضى وإلى غير رجعة. نقولها اليوم مطمئنين لأن الدور المصري سوف يكون ملهما لغيره من شعوب الأرض، ودور الجيش المصري سوف يكون رائداً في (عبور) جيوش كثيرة في هذا العالم والوصول بشعوبها إلى بر الأمن والأمان والاستقرار والحرية والاستقرار. لكن الخوف هو أن الذين يتربصون بهذه الثورة المباركة، وسوف يبذلون كل ما يقدرون عليه لكي لا تحقق أهدافها، لأن في ذلك خطراً على الأنظمة التي تدور في فلك القوى الغربية التي لا تحب الخير للعرب والمسلمين، ولذلك نرجو ونأمل أن لا يخيب أمل الأمة العربية، بإنجاز هؤلاء الذين عاشوا ثمانية عشر يوماً ليلاً ونهاراً في الساحات والميادين العامة في كل الديار المصرية، وهم يهتفون مرددين أناشيد الحرية؛ يحدوهم الأمل بالوصول إلى ما يصبو إليه هؤلاء الغاضبون إلى أن حققوا المعجزة. والشيء الخطير الذي يجعلنا نتخوف ونتوجس، هو محاولات القوى المعادية أن تعمل على تجميع فلولها وإعادة (الهجوم المعاكس)، كما حدث بعد أيام من بدء انطلاقة الثورة الشعبية الغاضبة باستخدام المرتزقة و (البلطجية)؛ ممن لا دين ولا خلاق ولا انتماء لهم، فيحدث ما لا تحمد عقباه؛ من أعمال تخريب بهدف إرباك الثورة. لقد انتصر الشعب المصري ودخل التاريخ من أوسع أبوابه مرة أخرى كما سبق له في كثير من المواقف البطولية التاريخية، فهنيئاً لشعب مصر وللأمة العربية والإسلامية، ولكل الشعوب المحبة للحرية وتحقيق العدالة والاستقلال والاستقرار. رحم الله شهداء تونس الرائدة وشهداء مصر القائدة، وندعو الله أن يعجل في شفاء الجرحى وأن يحيط (مصر المحروسة) بعنايته ورعايته، وأن يحفظ مصر وشعب مصر وشباب مصر، إنه سميع قريب مجيب الدعاء. قال أبو الطيب المتنبي: ومن تكن العلياء همة نفسه ***** فكل الذي يلقاه فيها محببُ وقال أبو فراس الحمداني: تهون علينا في المعالي نفوسنا ***** ومن يخطب الحسناء لم يُغْلِهِ المَهْرُ وقال أمير الشعراء، أحمد شوقي: وللحرية الحمراء بابٌ ***** بكل يد مضرجة يُدَقُّ!!ُ نشرت في جريدة القدس الفلسطينية يوم الأحد بتاريخ 13/11/2011م؛ صفحة 44 [email protected] ملاحظة: أرسل المقال إلى الجريدة صباح الخميس العاشر من شباط وتمت تنحية مبارك مساء الجمعة الحادي عشر من شباط الساعة السادسة مساء مما اضطرني لتعديل المقال وإرساله مرة أخرى بعد تعديله صباح السبت

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل