أسامة كمال : رأس كتلة الغضب
بمجرد الإعلان عن تنحى الرئيس مبارك عن منصبه ، وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة مقاليد الفترة الانتقالية ، وعقلي ينقب عن رأس كتلة الغضب ، الكتلة التي بدأت حركتها في الخامس والعشرين من يناير ، وصمدت حتى حققت مطلبها ، بتنحي الرجل ، الذي ظل ثلاثين عاماً يحكمنا دون أن يجول بخاطره لحظة واحدة ، أن الشعب يوماً سينزله من عليائه بقصر الرئاسة ، إلى الغياب القسري عن المشهد السياسي المصري .. وبحثي عن رأس كتلة الغضب مبعثه محاولتي تخيل مصر خلال الفترة القادمة ، إذ مهما ادعى داع أن للكتلة رأس ، فلن يصدقه أحد ، لأن رأس الكتلة تمثل في لحظة فارقة ، يندر حدوثها ، لحظة تشارك فيها الجميع في الغضب ، بدءاً من شباب بريء حد شفافية الأحلام ، مروراً بمتعطلين سياسيين عزفت أقدامهم عن طرق أبواب أحزاب المعارضة المدجنة ، وعدد كبير من المنتمين لجماعة الاخوان المسلمين ، وفى قلب الكتلة وأطرافها جموع من المصريين ، ظلوا ثلاثين عاماً ، لم يشعروا خلالها بأي تحرك إلى الأمام ، وعانوا من الفساد والفقر وغياب الحريات ..ولأن الكتلة بلا رأس ، حاول الإعلام أن يخلق لها رأساً ، فبدأ باختيار عشوائي ومضحك في بعض الأحيان لبعض الشباب المشاركين في المظاهرات ، اختلفت فيه كل قناة إعلامية في اختياراتها عن الأخرى ، وكل برنامج يبث أحداث الثورة عن البرامج الأخرى المشابهة ، ثم تتالت موجات من هبوط السياسيين القدامى والمحدثين على المشهد ، سواء من الأحزاب الكرتونية ، التي صارت هي والنظام السياسي المصري شريكين في حياة سياسية بلا لون أو رائحة ، تماثل تماماً علاقة نادي القرن بغيره من الأندية المصرية ، في النتيجة المحسومة مسبقاً ، والبطولة التي تمهد كل الطرق كي يحصل عليها نادي القرن دون غيره من الأندية ، فرأينا على الشاشات : رفعت السعيد ، السيد البدوي ، منير فخري عبد النور ، مصطفى شردي ، سامح عاشور ، الذي احترمه بشكل شخصي .. أعقبها غزو مباشر من وجوه أكثر لمعاناً، بسبب تصدر أخبارها لواجهة الحياة السياسية قبل ثورة 25 يناير مثل : أيمن نور ، حمدين صباحي ، محمد البرادعي ، أسامة الغزالي حرب ، وجورج إسحاق ، والمتلون ، مصطفى بكرى .. ثم ظهرت أكثر من لجنة للحكماء بعد مزاحمة بعض الأسماء للشاشات المصرية والعربية مثل ، أحمد زويل ، عمرو موسى ، يحيى الجمل ، أحمد كمال أبو المجد ، نجيب ساويرس ، عمرو الشوبكى ، عمرو حمزواى ، عمار الشريعي ، وغيرها من الأسماء الأخرى .. حتى أذيعت حلقة العاشرة مساءً في قناة دريم ، مع وائل غنيم ، وكان صادقاً وشفيفاً حد إعلانه أنه ليس بطلاً ، وأنه لم يشارك طوال أثنى عشرة يوماً في مظاهرات الغضب ، بسبب اعتقاله في يومها الأول ، وأنه كان رهبن الحبس ، في الوقت الذي تساقط فيه الشهداء كأوراق الورد دفاعاً عن أحلامهم ، والتي إنسالت دموعه ، وتهدجت أوصاله بمجرد مشاهدته لصورهم ، وهو ما جعل الآلاف يتعاطفون معه ويفوضونه متحدثاً باسم الثوار عبر جمع التوقيعات على شبكة الإنترنت ..لكن كما بدأت الكتلة بلا رأس ، لم تفرز أيضاً رؤوسها حتى الآن .. وفى اعتقادي أن ذلك نجاحاً كبيراً للثورة ، فالتغيير هو رأس الكتلة ومحركها .. والتغيير ليست كلمة معلقة في فضاء ، التغيير يعنى قيام دولة مدنية ديمقراطية ، دولة عمادها الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية . دولة يحكمها دستور حقيقي ، لا يجرؤ أحد من كان ، أو جماعة من كانت أن تغيره أو تتجاوزه ، لأنه من صنع لحظة تشارك فيها الجميع ، وسرت بينهم خلالها موجات كهرومغناطيسية واحدة .. ولم تكن مصادفة أن يكون قبلة الحركة ومكانها الحي ، ميدان التحرير ، فمنه تحررت كل مصر ، وانتقلت إلى عصر جديد ..مواضيع ذات صلة
Comments