الفاروق عبد العزيز يكتب:عصا إبراهيم عيسى تضيء في شهادة مجرّحة من خارج الميدان

ياله من عنوان!...شهادتي التي أبعث بها من خارج ميدان التحرير ومصر كلها مجرّحة لأنني أنشرها في صحيفة إبراهيم عيسى. ولكن أيا كان الأمر فقد تملكني شعور غامر في خضم تلقي التهاني بسقوط الفرعون مبارك أن تكون أول مباركة صادرة مني لأول من ناضل حقاً في سبيل الوصول إلى هذه اللحظة التاريخية...إن أول جدير بأن أتذكّره الآن هو هذا الرجل الذي كافح على مدى خمسة عشر عاماً ببسالة لم يضاهيها سوى إقدام شباب الفيسبوك ونساء ورجال مصر من كل الأعمار على القيام بثورة مصر الرابعة والجمهورية الثانية في الخامس والعشرين المجيد من يناير الرائع.كان إبراهيم يكتب عن عناد الرئيس المؤبد بوضوح وفدائية نادرة وقد شاهدنا ذلك وعايشناه خلال الأسبوعين الماضيين، وهي خاصية رئاسية أفاض في شرحها إبراهيم، تجلّت في شعارات الشعب في كلمات مثل التناحة والتلامة والرخامة..كان إبراهيم منفرداً يكتب في ظل نظام بوليسي قمعي شرس...وكنت كلما قرأت مقالة له كنت أتساءل ما إذا كان سيعود إلى بيته وأهله سالماً من حادث سيارة أو ضربة "شومة" تسحق جمجمته...والآن أتذكر بعد إعلان رحيل الفرعون مبارك وانتصار ثورة الشعب ما كتبه إبراهيم قبل أعوام عن أن مبارك يسلك كفرعون النبي موسى عليه السلام حين خلق طبقة حوله من العبيد والسحرة ليكونوا قومه (تحالف السلطة والمال وقوادي الحزب الوطني) وزينوا له ملك مصر فكان أن...  فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (سورة الزخرف)حقاً فاسقين حين تملّقوه برفع ابنه إلى مقام الخليفة...ليعود إبراهيم ليتساءل في دهشة حقيقية: "كيف يحكم مصر واحد ماركبش أوتوبيس في حياته!"...تذكرت اليوم أيضاً أن الفرعون مبارك، الذي سقط في حالة إنكار للواقع منذ بدايات الثورة وبدأت تتساقط منه في مهانة تنازلات واحدة في تلو أخرى وهو غير مصدق ككل ديكتاتور في التاريخ أن هذا يحدث له، أنه تلقى أيضاً النذر والإشارات المرة تلو المرة وعبر أعوام طويلة من حامل العصا إبراهيم...لقد كان إبراهيم المتصدر الوحيد الحامل لعصا النذر وبأعلى صوت للدكتاتور المنكر... نجّا الله إبراهيم حتى جاءه المدد أخيراً من شباب ونساء ورجال الثورة المصرية الجديدة.والغريب أن زوال فرعون مبارك قد تقاطع أيضاً مع زوال النبي فرعون موسى عليه السلام في الشكل والمضمون حيث بينما كان الفرعون ميرنبتاح يغالب الغرق مغرغراً وهو يقول: ...آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {10/90} (سورة يونس)جوبه برفض الثورة الحاملة لعصا إبراهيم لوعوده الكاذبة... آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ {10/91} فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ {10/92} (سورة يونس)مباركة عصاك يا إيراهيم في يوم العبور ومبارك "دستورك" الأصلي الأصيل...ولك مني أول مباركة أطلقها لأول من يستحقها...فأنا ونحن مدينون لك يا إبراهيم بالشكر والتقدير والعرفان... مبروك لك ولنا ولمصر التي تتحدث اليوم عن نفسها بأروع الأصوات...