المحتوى الرئيسى

د. نادر فرجاني يكتب: لتبدأ مصر الفل صفحة بيضاء من غير سوء

02/14 14:20

غداة انتصار ثورة شباب الفل، تكررت مناشدات، أراها نبيلة المقصد، لإعادة بناء مصر الحرة على أساس من التسامح، من المخرج المبدع خالد يوسف مثلا، وأذكره بالاسم لأن دعوات أخرى مماثلة صدرت عن بعض من أعوان نظام الاستبداد والفساد البائد طمعا في طيب سجية الثورة التي عملوا جاهدين على محاولة منعها، ولم يتورعوا عن محاولة تدنيسها لما قامت، ولما تأكد انتصارها حاولوا تملقها وركوب موجتها طمعا في مغنم، تماما كما فعلوا مع نظام الحكم البائد. وأعلم أن القصد النبيل، إن صح، هو تفادي تضييع الوقت والجهد في ثأرية جموح وقعت في بلدان عديدة في مراحل ثورية، ومع هذا اتفق تماما، وأدعو إليه بكل قوة، حتى لا ينحرف جهد المصريين، أفرادا وجماعات وهيئات، عن المهام الجسيمة التي ينطوي عليها إعادة بناء مصر لتكون دولة قوية عصرية تضمن الحرية والعدل والكرامة الإنسانية لجميع أهلها،وليست بالمهام الهينة.ومن ضمن هذه المهام الجسام أن نضمن مستوى من الاستقامة الشخصية والوطنية لدى جميع المصريين الذين يمكن أن يشاركوا خصالهم تلك في بناء مصر التي نروم بفعالية. ولهذا، فأنه ليس من حق أحد التسامح مع من نهب ثروات مصر فأفقر أهلها وذلَّهم أو من أزهق روح مصري بغير حق، أو قام بتعذيب إنسان، ولو كان متهما بجريمة، أو انتهك حق إنسان على أرض مصر. هذه جرائم لابد من الاقتصاص من مرتكبيها حتى يصح البناء الجديد لمصر الحرية والعدل والكرامة الإنسانية. والتحدي هو ضمان القصاص *العادل* مع تفادي الثأرية الجموح المدمرة، بالتأكيد القاطع على ألا يقدم متهم، أيا كانت طبيعة الجرم المنسوب إليه، إلا إلى محاكمة نزيهة وعادلة أمام القاضي الطبيعي، المستقل تمام الاستقلال، وأن تُضمن جميع حقوقه الإنسانية كافة طوال المحاكمة، وحتى بعد الإدانة. يتعين أن يتوافر هذا الضمان لجميع من يقدمون للمحاكمة على جرائم اقترفوها في العهد البائد، ولو كانوا ممن انتهكوا هذه الحقوق عندما نكلوا بخصومهم السياسيين، فيما مضى وبالإضافة إلى هذه الضمانة التي يجب أن تستقر في مصر الحرية والعدل، للجميع وإلى الأبد، فإنه يمكن أن تدعو السلطات جميع المصريين إلى الإفصاح طواعية لجهة مسئولة عن "الإفصاح والمساءلة" عما يمكن أن يكونوا قد اقترفوه في حق الشعب أوالوطن إبان الحكم التسلطي، على أن يأخذ القضاة العدول الذين يحاكمونهم هذا الإفصاح، خاصة إن اقترن بأفعال اعتذاريه مثل إعادة أموال منهوبة إلى الوطن والشعب كعوامل تعذير تخفف من الأحكام التي تصدر بشأنهم. ويؤكد على أهمية هذا المنحى ذلك العدد الهائل الضخامة من الوزراء والمسئولين السابقين، والحاليين، الذين طالتهم يد القانون بالمنع من السفر أو التحفظ على أموالهم، في خلال أيام قليلة فقط من سقوط الطاغية الرئيس السابق. وليس المدهش هو اقتراف هؤلاء ولو جزء مما هو منسوب إليهم والذي بح صوت الحركة الوطنية المصرية من الشكوى منه لسنين طوال، على حين كانت "القيادة السياسية تتعامي عنه، بل وتدافع عنه، ففي كل مجتمع بشري بعض اللصوص والمجرمين. لكن المدهش حقا أن تزاوج في كل هؤلاء الذين اختار الطاغية السابق، ونجليه وزوجته، من مسئولي النظام البائد خصلتا العهر السياسي واللصوصية، أو القابلية للصوصية.وحيث يصعب منطقيا تصور أن رؤوس النظام البائد لم تكن تعلم عن هذه الخصال اللعينة لمن اختاروا لمعاونتهم في إفساد البلاد وقهر العباد، على حين كانوا يراقبون رموز الحركة الوطنية ليل نهار ويتفاخرون بمعرفة "دبة النملة" في عموم مصر، فلا مناص من من الاستنتاج أن هذه الخصلة المزدوجة الدنيئة كانت هي السبب في اختيارهم، وبأن رؤوس النظام البائد كانوا على الشاكلة نفسها، ولم يكن أمثال هؤلاء المسئولين المنتقون إلا عناصر مساعدة في تشكيلهم العصابي لنهب البلد وإفقار شعبها وقهره.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل