المحتوى الرئيسى

نظرة إلي المستقبلارفع رأسك فوق‮: ‬أنت مصري قراءة أولي في وقائع ثورة الغضب‮ (‬2‮)‬

02/14 22:45

كنت قد بدأت سلسلة مقالات لقراءة أولية لوقائع ثورة الغضب‮. ‬كنت أتوقع أن‮ ‬يظل العناد قائما والوضع ملتهبا لعدة‮ ‬أسابيع أخري،‮ ‬وربما حتي سبتمبر القادم حين تنتهي الولاية الرئاسية التي كانت قائمة‮. ‬لكني فوجئت بهذا الانتصار السريع،‮ ‬نسبيا،‮ ‬للثورة،‮ ‬مثلما فوجئنا بهذا الاشتعال الكاسح لها‮. ‬لذا كان لابد أن أقفز علي الوقائع لألحق بلحظات النصر‮. ‬هناك أحداث تسمو علي كل الكلمات‮. ‬هناك لغات أخري أقوي من لغة الكلمات‮. ‬هناك مثلا لغة المشاعر والأحاسيس التي يصعب وصفها تماما بالكلمات‮. ‬وهناك لغة الثورة التي تعلو علي كل اللغات‮. ‬فكيف أعبر بالكلمات عن‮ »‬البداية‮« ‬المدوية لنجاح ثورة الغضب التي انطلقت من جموع الشعب المصري بقيادة شبابه في الخامس والعشرين من يناير الماضي؟ نعم هي بداية أول الطريق إلي التغيير،‮ ‬وما زال الطريق طويلا‮. ‬‮<<<‬حدث الأمر هكذا‮: ‬كنت متسمرا أمام التليفزيون مع عائلتي‮. ‬أذيع خبر بقرب إلقاء بيان مهم من قصر الرئاسة‮. ‬أذيع الخبر علي‮ ‬غير العادة بغير اهتمام مسبق كبير،‮ ‬كما حدث مع البيانات التي سبقته والتي كنا ننتظرها بالساعات‮. ‬لم يذكر التليفزيون علي‮ ‬غير العادة من سيلقي البيان‮. ‬اندهشنا قليلا ولكننا لم نتوقع أن يأتي هذا البيان بما كان ينتظره الناس،‮ ‬حتي كثير من أعضاء الحزب الوطني‮. ‬أطل علينا السيد عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية بطوله الفارع ووجهه الصارم ونظرات عينيه الحادة،‮ ‬وكلماته القوية الواضحة،‮ ‬ونبرات صوته المميزة العريضة‮. ‬قال في الواقع كلمة واحدة‮: »‬تخلي‮«‬،‮ ‬ولم يقل‮ »‬تنحي‮«. ‬رئيس واحد فقط في تاريخ مصر الحديث‮ »‬تنحي‮« ‬ولكن الشعب خرج في مظاهرات عاتية يرفض تنحيه‮. ‬كنت واحدا من هؤلاء المتظاهرين وأنا في السنة الثالثة الإعدادية في منفلوط‮. ‬بينما كنت واحدا من المطالبين بتنحي رئيس آخر بعد ذلك بأربعة وأربعين عاما‮!! ‬سبحان مغير الأحوال‮. ‬كانت كلمة‮ »‬تخلي‮« ‬هذه كافية ليقفز الجميع واقفين مهللين‮. ‬ولنسمع ضجة علي السلم‮. ‬خرجت لأجد نسيبي محمد ضخم الجسد يقفز علي درجات السلم آكلا منه درجات ملوحا بمسدسه مهللا فرحا‮. ‬سألته فأجاب أنه صاعد الي السطوح ليطلق النار ابتهاجا‮. ‬لم نستطع المكوث في المنزل‮. ‬تركنا التليفزيون فقد حصلنا علي ما نريده منه‮. ‬خرجنا إلي الرمز‮: ‬ميدان التحرير‮. ‬ذبنا في الملايين‮. ‬قابلت بائعا شابا للأعلام‮. ‬طلب مني عشرة جنيهات مقابل علم صغير‮. ‬قلت له إنه يستغل الظروف‮. ‬فأصر علي منحي العلم مجانا لكي يبعد عنه شبهة الاستغلال‮. ‬تصوروا‮! ‬لا استغلال بعد اليوم‮. ‬هكذا عبر لي الشاب الصغير بائع الأعلام عمليا وبدون كلام عن أخلاق خلقتها الثورة‮. ‬وسوف أعود إلي هذه الأخلاق،‮ ‬والتي يجب تنميتها والحفاظ عليها،‮ ‬فيما بعد‮. ‬هذا مجتمع جديد‮. ‬شعب يخرج من رحم شعب‮. ‬لم نكن ملايين من البشر‮. ‬كنا واحدا‮. ‬اندمجنا في صوت واحد نردد شعارات النصر‮. ‬لكن الشعار الذي بح به صوتي وأدمعني هو‮: »‬ارفع رأسك فوق‮: ‬أنت مصري‮«. ‬فأنا لا كينونة لي‮ ‬غير أن أكون مصريا‮. ‬‮<<<‬أقر هنا وأعترف أنني أنا الذي نشأت وتربيت علي حب هذا الوطن منذ طفولتي،‮ ‬وحملت ترابه فوق كتفي في معسكرات العمل التي أقامتها منظمة الشباب في منفلوط،‮ ‬وشاركت في تنظيف بركه ومستنقعاته هناك وزراعتها،‮ ‬أقر وأعترف أن السنوات الأخيرة أصابتني بالإحباط‮. ‬حتي أطلقت تعبير‮ »‬الشعب المصري الشقيق‮« ‬ونشرته في بعض من مقالاتي هنا‮. ‬والمقالات موجودة منشورة‮. ‬أقر وأعترف هنا أنه لم يكن لدي أمل في التغيير‮. ‬كنت واثقا أن الابن سيحل محل الأب بفضل سلبية الشعب‮ »‬المصري الشقيق‮« ‬وما أصابه من فساد‮. ‬أقر وأعترف هنا أنني لم أكن أتصور أن يضحي شباب مصر بأرواحهم من أجل التغيير‮. ‬من أجل تحقيق الحلم الذي تصوره كثير من الناس بعيد المنال‮. ‬أن نصبح دولة ديموقراطية حديثة متقدمة‮. ‬لذا فأنا مدين لهؤلاء الشباب الذين قادوا التغيير،‮ ‬وعلي رأسهم شهداؤنا،‮ ‬بأنهم أعادوا لي روح الوطن التي افتقدتها علي الأقل في الخمسة عشر عاما الأخيرة‮. ‬فقد كنت متفائلا في المدتين الرئاسيتين الأوليين من حكم الرئيس السابق،‮ ‬وأقل تفاؤلا بعدها،‮ ‬حتي فقدت التفاؤل‮. ‬كنت أتمني أن أجري مع الشباب في الشارع لأصد قنابل الغاز المسيل للدموع وأدوسها بحذائي كما فعلت في عهد الرئيس السادات مرتين‮: ‬قبل حرب أكتوبر‮ ‬1973‮ ‬وكنت طالبا في كلية الإعلام،‮ ‬وفي الانتفاضة الشعبية في يناير عام‮ ‬1977وكنت ما زلت صحفيا شابا جديدا في جريدتي‮ »‬الأخبار‮«. ‬لكن العمر الآن تأخر‮.‬أنا،‮ ‬وكثير جدا‮ ‬غيري،‮ ‬مدين لهؤلاء الشباب بأنهم أعادوا اكتشاف هذه الروح،‮ ‬روح الشعب‮. ‬أعظم ما في هذه الثورة ليس سقوط أشخاص،‮ ‬ولا تحقيق أهداف‮. ‬إن أعظم ما أنجزته ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير هو هذا الاكتشاف‮. ‬اكتشاف الروح الأصيلة الحقيقية‮. ‬هذه الروح التي لن تغادر جسدها بعد‮ ‬25‮ ‬يناير‮ ‬2011‭.‬‮ ‬هذه الروح التي أعادت السلطة إلي الشعب‮. ‬وستظل السلطة للشعب‮. ‬ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير صهرتنا واحدا‮. ‬ليس هناك شعب وجيش‮. ‬هناك واحد‮. ‬لذا فعندما سمعنا أن السلطة انتقلت إلي الجيش شعرنا أنها عادت الي الشعب‮. ‬هذا الجيش العظيم الذي لم يخذل الشعب قط ولن يخذله‮. ‬لماذا؟ لأنها قوانين مصرية‮. ‬وليست قوانين سيد قراره عليه رحمة الله‮. ‬وليست قرارات حكومية‮. ‬هذا هو الذي حافظ علي مصر في أحلك الأوقات‮. ‬والذي جلب لنا أحلك الأوقات قوات أخري علمها حاكمها ودربها علي أن تكون ضد الشعب‮. ‬وعندما عجزت عن مواجهة الشعب وممارسة دورها بالوحشية التي طلبها منها حاكمها وزير الداخلية المتهم،‮ ‬هربت من الشعب‮. ‬فلم يعد للشعب من يحميه‮ ‬غير نفسه والجيش‮. ‬وحمي الشعب نفسه مع الجيش‮. ‬هذا تاريخ جديد يكتبه الشعب بنفسه لأول مرة في تاريخ مصر كله‮. ‬وليس في تاريخ مصر الحديث فقط‮. ‬هذه المرة الأولي التي يفرض فيها الشعب إرادته في التاريخ كله‮. ‬في التاريخ الحديث الذي يبدأ من بداية دولة محمد علي في بداية القرن التاسع عشر قام الشعب بثورة واحدة هي ثورة‮ ‬1919‮ ‬ولم تحقق هذه الثورة أهدافها‮. ‬وليس هنا مجال الجدال في هذا الموضوع‮. ‬سبقت ثورة‮ ‬1919‮ ‬محاولة ثورية لم تنجح أيضا قام بها قائد الجيش المصري أحمد عرابي باشا،‮ ‬وتلت ثورة‮ ‬1919‮ ‬ثورة نجحت قام بها ضباط أحرار من الجيش هي ثورة يوليو‮ ‬1952‭.‬‮ ‬ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير‮ ‬2011‮ ‬هي أول ثورة شعبية تنجح في تغيير حاكم مصر وتفرض إرادتها في الوطن‮. ‬لم تنته الثورة بعد،‮ ‬ولم تحقق كل مطالبها المهمة بعد‮. ‬لذا علينا أن نحميها ونتابعها حتي نحقق هدفها الأسمي وهو إقامة الدولة الديموقراطية المدنية السليمة،‮ ‬والتي بدورها سوف تحقق التقدم والازدهار الجديرين بمصر وبتاريخها وبشعبها وبخاصة شبابها المذهل الذي لم نكن نعرفه علي حقيقته‮. ‬لقد كان من أهداف ثورة‮ ‬1952‮ »‬إقامة ديموقراطية سليمة‮« ‬وفشلت الثورة في تحقيق هذا الهدف‮. ‬ولابد أن تنجح ثورة‮ ‬2011‮ ‬في تحقيقه‮. ‬ولأن مصر هي مصر تأثر العالم كله بثورتها الشعبية،‮ ‬وارتفعت علي الفور مؤشرات البورصات الكبري بعد أن انخفضت‮. ‬وأشادت بنا شعوب الأرض،‮ ‬وفرحت الشعوب العربية واحتفلت بنجاح ثورة مصر‮. ‬لقد شعر العرب كلهم بأنهم استعادوا مصر بكل رموزها وبكل ما تعنيه مصر لهم‮. ‬لذلك فأنا أرفع رأسي فوق لأنني مصري‮. ‬

نرشح لك

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل