المحتوى الرئيسى

> تساؤلات حول مستقبل الدور الخارجي المصري

02/13 22:59

مما لا شك فيه أن تطورات الأحداث في مصر استحوذت علي اهتمام كبير من جميع مراكز اتخاذ القرار علي المستوي الإقليمي والدولي طوال الأسابيع الماضية؛ حيث بدا الأمر وكأنه مسلسل يومي يتابعه الجميع كل لأسبابه ودوافعه، ومع تزايد إيقاع الأحداث علي الساحة المصرية الداخلية ودخولها منطلق المباراة الصفرية وصراع الإرادات. عكفت الدوائر السياسية الدولية المختلفة علي إجراء حسابات دقيقة للموقف ووضع سيناريوهات حول تأثير التغيير علي مستقبل التوجهات المصرية الخارجية، لما لمصر من ثقل ووزن كبيرين إلي الحد الذي تراجعت معه العديد من القضايا الأخري المهمة إلي المرتبة الثانية. ومع طي صفحة الأحداث في الشارع، وتولي المجلس الأعلي للقوات المسلحة مهمة تسيير الأوضاع في البلاد تزايدت تعقيدات الحسابات في العواصم المختلفة وثارت التساؤلات حول مستقبل الدور المصري إقليميا ودوليا، وفي هذا الخصوص قد يكون من المفيد التذكير بأن التغيرات الجذرية في التاريخ المصري الحديث كانت علي الدوام منطلقا لتعديلات في موقع مصر في شبكات العلاقات الدولية وفقا لمقتضيات وتوازنات النظام الدولي السائد وهو ما يبرز من خلال النقاط التالية: 1. رافق اندلاع ثورة 23 يوليو 1952 تغيرات جذرية في التوجهات الخارجية المصرية تمحورت أساسا حول العلاقات مع القوي الاستعمارية السابقة واتجهت تدريجيا إلي توثيق الصلات مع المعسكر الاشتراكي وتأسيس حركة عدم الانحياز في ظل توجه عام مناهض للاستعمار ومساند لحركات التحرر العربية والإفريقية وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو ما وضع مصر في بؤرة التجاذبات الدولية التي دارت آنذاك بين قوتين عظميين تنافسا علي الحصول علي موطئ قدم في مصر. 2. مع تولي الرئيس الراحل أنور السادات السلطة، تسارعت حدة التنافس بين القوتين العظميين آنذاك لتوثيق العلاقات مع مصر في إطار سعي كل منهما لتحقيق أهداف استراتيجية عالمية لا تتوقف كثيرا عند مصالح الشعب المصري وتطلعاته، وهو ما أسفر عن تكريس العلاقات الأمريكية-المصرية والانخراط في عملية سلام وضعت واشنطن ملامحها ومحدداتها استنادا إلي توافق في الرؤي مع القيادة في مصر. 3. مع بداية حقبة الرئيس المنصرف محمد حسني مبارك كان من بين أولويات القوي الإقليمية والدولية الفاعلة السعي لتكريس المصالح والتوازنات التي تم التوصل إليها في عهد سلفه، وبصفة خاصة علي الصعيد الإقليمي وامتداداته الدولية، فكان الحرص الأمريكي ألا تتأثر العملية السياسية التي بدأت في عهد سلفه وأرست أسس توازنات جديدة في معادلة الصراع في المنطقة من خلال صياغات كامب ديفيد، واستمرار علاقات التعاون والتنسيق الوثيقة بين واشنطن والقاهرة فيما يتصل بملفات المنطقة الساخنة سواء ما اتصل منها بالقضية الفلسطينية وتطوراتها المختلفة أو فيما يتعلق بالتعامل مع "محور الشر" الذي ضم عددا من العواصم والقوي والتنظيمات العربية. 4. في الوقت الذي تقف فيه مصر علي أعتاب حقبة جديدة كان من الطبيعي أن تثار التساؤلات حول طبيعة التوجهات المستقبلية لنظام مصري تمخض عن رغبة شعبية صارخة في التغيير. وإذا كان التغيير علي المستوي الداخلي بجميع أبعاده الاقتصادية والاجتماعية والتشريعية هو المحور الرئيسي في الوقت الراهن، فإنه لا يمكن للقوي الخارجية إغفال حقيقة أن التغيير قد يطول التوجهات الخارجية، وتأتي في طليعته طبيعة الدور المصري علي الساحة العربية القائمة في ضوء ما يتمناه البعض من أن يعيد النظام الجديد حساباته متحررا من حسابات النظام المنصرف ومستندا إلي معايير موضوعية لتقييم المصلحة القومية. 5. وبعيدا عن إصدار أحكام مسبقة أو التنبؤ بتوجهات بعينها فإنه من الواضح أن القوي الإقليمية بدأت تضغط في اتجاه التغيير الذي ترغب كل منها أن تراه في التوجهات الخارجية المصرية، فبينما يأمل البعض (إسرائيل) في الحفاظ علي مكتسبات كامب ديفيد الأولي، ظهرت أصوات عربية أخري تري فيما حدث في مصر نهاية لتلك الاتفاقيات، بل تعالت أصوات منادية بأن "تستعيد مصر دورها الرائد والقيادي سندا لقضايا الأمة العربية والإسلامية، وفي مقدمتها قضية فلسطين والصراع مع العدو الصيهوني"، وذهب الرئيس الإيراني إلي حد توقع بزوغ "شرق أوسط جديد لن يكون فيه مكان لا للولايات المتحدة ولا للكيان الصهيوني". وبالنظر إلي ما تقدم تبرز دقة ومحورية المرحلة الراهنة في تاريخ مصر الحديثة ليس فقط علي صعيد تحقيق طموحات ورغبات الشعب في حياة أفضل وإنما كذلك في تحديد طبيعة التوجهات الخارجية المصرية والتي تتطلب التوصل إلي معادلات تغلب عليها الصفة البراجماتية والحسابات الدقيقة لمتطلبات الأمن القومي المصري بعيدا عن العواطف أو التوجهات الشخصية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل