المحتوى الرئيسى

شاهد: هل يكرر التاريخ نفسه في مصر؟

02/13 13:04

يعمل ادموند بلير رئيس مكتب رويترز في مصر والسودان منذ عام 2009 وعمل مراسلا في الشرق الاوسط معظم فترات السنوات العشرين الماضية. وامضى في فترة سابقة سنوات مع عائلته في المنطقة. وفي سنوات مراهقته شاهد الانقلاب العسكري في السودان ويقارن بينه وبين الأحداث التي غطاها في مصر على مدار 18 يوما.وفيما يلي شهادته تحت عنوان "هل يكرر التاريخ نفسه في مصر؟"القاهرة (رويترز) - نزل المواطنون بالالاف الى الشوارع للمطالبة بالاطاحة بالحكومة وساروا الى مقر إذاعة الدولة التي كانت تمجد سياسة الحكومة. سقط الرئيس. وانتقلت السلطة للجيش.لا أسرد ما حدث في القاهرة في عام 2011 بل ما شاهدته في السودان عام 1985.وفيما أتابع الاحتجاجات غير المسبوقة في مصر التي أطاحت بنظام حكم الرئيس حسني مبارك الذي كان يبدو انه غير قابل للتغيير وجدت نفسي أفكر باستمرار في آخر مرة تابعت فيها عن كثب انقلابا عسكريا.أتساءل دائما ما اذا كان الانقلاب في السودان الذي كان الخطوة الاولى نحو تشكيل حكومة مدنية لم تدم سوى أربع سنوات يعطي دلائل لما سوف يحدث في مصر.ومن وجهة نظري أعتقد أن البهجة التي شاهدتها في القاهرة يوم الجمعة خطوة أولى فقط وان المحتجين سيعودون لمنازلهم فقط اذا تأكدوا أن المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي تولى زمام الأمر الان سيحل النظام القديم ويساهم في قيام حكم مدني.كنت في سن المراهقة حين شهدت سقوط الرئيس السوداني جعفر النميري وكان لوالدي منزل بشرفة تطل على نهر النيل وعلى ضفة النهر طريق يؤدي الى راديو ام درمان وهو المبنى الرئيسي للاذاعة.ما من مكان أفضل لمشاهدة انقلاب اثناء حدوثه.وسار الاف من المتظاهرين الى مبنى الاذاعة الناطقة بلسان الحكومة وهتفوا ضد النميري.وكانت حالة عدم الرضا تصاعدت بسبب الاقتصاد الذي انهار تدريجيا ليصيب الفقر الملايين.وفي احدى المرات امضى والدي المغترب الذي يعمل في السودان 60 ساعة نائما في السيارة انتظارا لتزويدها بأربع جالونات من الوقود وهي الحصة الاسبوعية المقررة. وكنا نقف في طوابير للحصول على اسطوانات الغاز فضلا عن نقص في البيض والسكر والطحين (الدقيق).كان ذلك صراعا يوميا لاسرة غربية تكسب اجرا جيدا وتتضاعف المعاناة بالنسبة للسودانيين وفي تلك الفترة هوى الجنيه السوداني.ونفد الصبر وطالب المتظاهرون بالتغيير وتدخل الجيش وتخلض من احد رجاله اذ ان النميري كان ضابطا في الجيش وصل للسلطة عام 1969 .وهنا تغير السيناريو الافريقي المعتاد للانقلابات العسكرية. فقد تعهد عبد الرحمن سوار الذهب الضابط الذي أمسك بزمام السلطة باجراء انتخابات في غضون عام. ولم يصدقه كثيرون ولكن المواطنين الذين اصابهم الانهاك صدقوه واوفي بتعهده.وفي عام 1986 اجرت أكبر دولة افريقية من حيث المساحة وفي وقت تمزقها حرب اهلية بين الشمال والجنوب انتخابات تعددية. وانتقلت السلطة لحكومة مدنية.والى أن اندلعت الانتفاضة في تونس في يناير كانون الثاني الماضي كانت تلك المرة الاولى التي يمكن فيها لشعب عربي أن يزعم انه غير حكومة من خلال تحرك شعبي.ومثل السودان دفع خليط من المشاكل الاقتصادية والسياسية المصريين للنزول للشارع.وطالب المصريون في ارجاء البلاد برحيل مبارك وحملوه ونظامه مسؤولية ارتفاع الاسعار والبطالة والفجوة الكبيرة بين الاغنياء والفقراء والقمع السياسي.ويوم الجمعة حققوا ما كانوا يتصورونه مستحيلا. وأظهروا انه يمكن للشعب ان يسيطر على الشوارع ويمنع النظام من الحكم. أصبح زمام القرار بايدي الشعب وسقط مبارك. وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة زمام الامر.وتعهد المجلس بتلبية مطالب الشعب ووعد برفع قانون الطواريء المفروض منذ 30 عاما والذي كان يستخدم لقمع المعارضة. والمهم انه وعد باجراء انتخابات حرة ونزيهة.ستشهد مصر واقعا جديدا. فالانتخابات البرلمانية التي جرت في نوفمبر تشرين الثاني زورت بشكل فاضح وفاز فيها عدد قليل جدا من المعارضين. وقاطعت معظم أحزاب المعارضة الرئيسية في مصر الانتخابات.وشهدت مصر انتخابات رئاسية خاضها عدد من المرشحين مرة وحيدة وفاز بها مبارك في عام 2005 كما كان متوقعا. وجاء منافسه الرئيسي أيمن نور في المركز الثاني بفارق كبير وزج به في السجن بتهم قال ان وراءها دوافع سياسية.ومع تولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة السلطة ربما تستطيع مصر تغيير الدستور. وصيغ الدستور الحالي الذي ادخلت عليه تعديلات شكلية أكثر من مرة ليضمن بقاء مبارك وبطانته في السلطة.وبدأ كثير من المصريين الذين استيقظوا على واقع جديد يتساءلون ماذا سيحدث بعد؟هل القوات المسلحة مستعدة حقا لاعادة السلطة للمدنيين؟. هل سيسلمون مرة اخرى السلطة التي استولوا عليها في عام 1952 عندما أطاح الرئيس الراحل جمال عبد الناصر و"الضباط الاحرار" بالحكم الملكي؟. هل أقوى مؤسسة في مصر والوحيدة التي نجت من الاحداث المضطربة مستعدة للجلوس في المقعد الخلفي؟.الرسالة التي يبعث بها عدد كبير من المتظاهرين واضحة."مدنية ..مدنية" احد الشعارات التي رددها المتظاهرون حين بلغت انباء تخلي مبارك عن سلطته وتولي المجلس الاعلى للقوات المسلحة زمام الامر مركز الزلزال السياسي الذي اطاح بنظام الحكم في مصر.ويقود المجلس الاعلى للقوات المسلحة وزير الدفاع محمد حسين طنطاوي وكان عادة يجلس الى جوار مبارك في العروض العسكرية لاستعراض قوة الجيش. ويشغل طنطاوي منصبه منذ 20 عاما.ويأمل مصريون كثيرون ان يظهر طنطاوي انحيازه للشعب الذي كانت لديه جرأة تحدي الجهاز الامني لمبارك. وبعد 18 يوما من الاحتجاجات لا يبدو المواطنون مستعدون لقبول المعادلة القديمة القائمة على دعم الجيش للسلطة.وفي عام 1985 اوفي قائد عسكري في السودان التي تقع على الحدود الجنوبية لمصر بتعهده. غير ان تجربة الحكم المدني في السودان لم تستمر طويلا فبعد ثلاث سنوات من انتخابات عام 1986 عاد عسكري ليسيطر على السلطة من جديد.ما شاهدته في السودان قبل ربع قرن كان لحظة مذهلة بدا فيها ان التاريخ يكتب من جديد. وتحدى ضابط في الجيش المتشككين من السودانيين والغربيين على حد سواء واوفي بتعهده وأقام حكما مدنيا.أتساءل ما اذا كنت سأشهد تكرار نفس الشيء. أتساءل ما اذا كان المصريون مستعدين للعودة لمنازلهم اذا لم يف الجيش بوعده.من ادموند بلير يعمل ادموند بلير رئيس مكتب رويترز في مصر والسودان منذ عام 2009 وعمل مراسلا في الشرق الاوسط معظم فترات السنوات العشرين الماضية. وامضى في فترة سابقة سنوات مع عائلته في المنطقة. وفي سنوات مراهقته شاهد الانقلاب العسكري في السودان ويقارن بينه وبين الأحداث التي غطاها في مصر على مدار 18 يوما.وفيما يلي شهادته تحت عنوان "هل يكرر التاريخ نفسه في مصر؟"القاهرة (رويترز) - نزل المواطنون بالالاف الى الشوارع للمطالبة بالاطاحة بالحكومة وساروا الى مقر إذاعة الدولة التي كانت تمجد سياسة الحكومة. سقط الرئيس. وانتقلت السلطة للجيش.لا أسرد ما حدث في القاهرة في عام 2011 بل ما شاهدته في السودان عام 1985.وفيما أتابع الاحتجاجات غير المسبوقة في مصر التي أطاحت بنظام حكم الرئيس حسني مبارك الذي كان يبدو انه غير قابل للتغيير وجدت نفسي أفكر باستمرار في آخر مرة تابعت فيها عن كثب انقلابا عسكريا.أتساءل دائما ما اذا كان الانقلاب في السودان الذي كان الخطوة الاولى نحو تشكيل حكومة مدنية لم تدم سوى أربع سنوات يعطي دلائل لما سوف يحدث في مصر.ومن وجهة نظري أعتقد أن البهجة التي شاهدتها في القاهرة يوم الجمعة خطوة أولى فقط وان المحتجين سيعودون لمنازلهم فقط اذا تأكدوا أن المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي تولى زمام الأمر الان سيحل النظام القديم ويساهم في قيام حكم مدني.كنت في سن المراهقة حين شهدت سقوط الرئيس السوداني جعفر النميري وكان لوالدي منزل بشرفة تطل على نهر النيل وعلى ضفة النهر طريق يؤدي الى راديو ام درمان وهو المبنى الرئيسي للاذاعة.ما من مكان أفضل لمشاهدة انقلاب اثناء حدوثه.وسار الاف من المتظاهرين الى مبنى الاذاعة الناطقة بلسان الحكومة وهتفوا ضد النميري.وكانت حالة عدم الرضا تصاعدت بسبب الاقتصاد الذي انهار تدريجيا ليصيب الفقر الملايين.وفي احدى المرات امضى والدي المغترب الذي يعمل في السودان 60 ساعة نائما في السيارة انتظارا لتزويدها بأربع جالونات من الوقود وهي الحصة الاسبوعية المقررة. وكنا نقف في طوابير للحصول على اسطوانات الغاز فضلا عن نقص في البيض والسكر والطحين (الدقيق).كان ذلك صراعا يوميا لاسرة غربية تكسب اجرا جيدا وتتضاعف المعاناة بالنسبة للسودانيين وفي تلك الفترة هوى الجنيه السوداني.ونفد الصبر وطالب المتظاهرون بالتغيير وتدخل الجيش وتخلض من احد رجاله اذ ان النميري كان ضابطا في الجيش وصل للسلطة عام 1969 .وهنا تغير السيناريو الافريقي المعتاد للانقلابات العسكرية. فقد تعهد عبد الرحمن سوار الذهب الضابط الذي أمسك بزمام السلطة باجراء انتخابات في غضون عام. ولم يصدقه كثيرون ولكن المواطنين الذين اصابهم الانهاك صدقوه واوفي بتعهده.وفي عام 1986 اجرت أكبر دولة افريقية من حيث المساحة وفي وقت تمزقها حرب اهلية بين الشمال والجنوب انتخابات تعددية. وانتقلت السلطة لحكومة مدنية.والى أن اندلعت الانتفاضة في تونس في يناير كانون الثاني الماضي كانت تلك المرة الاولى التي يمكن فيها لشعب عربي أن يزعم انه غير حكومة من خلال تحرك شعبي.ومثل السودان دفع خليط من المشاكل الاقتصادية والسياسية المصريين للنزول للشارع.وطالب المصريون في ارجاء البلاد برحيل مبارك وحملوه ونظامه مسؤولية ارتفاع الاسعار والبطالة والفجوة الكبيرة بين الاغنياء والفقراء والقمع السياسي.ويوم الجمعة حققوا ما كانوا يتصورونه مستحيلا. وأظهروا انه يمكن للشعب ان يسيطر على الشوارع ويمنع النظام من الحكم. أصبح زمام القرار بايدي الشعب وسقط مبارك. وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة زمام الامر.وتعهد المجلس بتلبية مطالب الشعب ووعد برفع قانون الطواريء المفروض منذ 30 عاما والذي كان يستخدم لقمع المعارضة. والمهم انه وعد باجراء انتخابات حرة ونزيهة.ستشهد مصر واقعا جديدا. فالانتخابات البرلمانية التي جرت في نوفمبر تشرين الثاني زورت بشكل فاضح وفاز فيها عدد قليل جدا من المعارضين. وقاطعت معظم أحزاب المعارضة الرئيسية في مصر الانتخابات.وشهدت مصر انتخابات رئاسية خاضها عدد من المرشحين مرة وحيدة وفاز بها مبارك في عام 2005 كما كان متوقعا. وجاء منافسه الرئيسي أيمن نور في المركز الثاني بفارق كبير وزج به في السجن بتهم قال ان وراءها دوافع سياسية.ومع تولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة السلطة ربما تستطيع مصر تغيير الدستور. وصيغ الدستور الحالي الذي ادخلت عليه تعديلات شكلية أكثر من مرة ليضمن بقاء مبارك وبطانته في السلطة.وبدأ كثير من المصريين الذين استيقظوا على واقع جديد يتساءلون ماذا سيحدث بعد؟هل القوات المسلحة مستعدة حقا لاعادة السلطة للمدنيين؟. هل سيسلمون مرة اخرى السلطة التي استولوا عليها في عام 1952 عندما أطاح الرئيس الراحل جمال عبد الناصر و"الضباط الاحرار" بالحكم الملكي؟. هل أقوى مؤسسة في مصر والوحيدة التي نجت من الاحداث المضطربة مستعدة للجلوس في المقعد الخلفي؟.الرسالة التي يبعث بها عدد كبير من المتظاهرين واضحة."مدنية ..مدنية" احد الشعارات التي رددها المتظاهرون حين بلغت انباء تخلي مبارك عن سلطته وتولي المجلس الاعلى للقوات المسلحة زمام الامر مركز الزلزال السياسي الذي اطاح بنظام الحكم في مصر.ويقود المجلس الاعلى للقوات المسلحة وزير الدفاع محمد حسين طنطاوي وكان عادة يجلس الى جوار مبارك في العروض العسكرية لاستعراض قوة الجيش. ويشغل طنطاوي منصبه منذ 20 عاما.ويأمل مصريون كثيرون ان يظهر طنطاوي انحيازه للشعب الذي كانت لديه جرأة تحدي الجهاز الامني لمبارك. وبعد 18 يوما من الاحتجاجات لا يبدو المواطنون مستعدون لقبول المعادلة القديمة القائمة على دعم الجيش للسلطة.وفي عام 1985 اوفي قائد عسكري في السودان التي تقع على الحدود الجنوبية لمصر بتعهده. غير ان تجربة الحكم المدني في السودان لم تستمر طويلا فبعد ثلاث سنوات من انتخابات عام 1986 عاد عسكري ليسيطر على السلطة من جديد.ما شاهدته في السودان قبل ربع قرن كان لحظة مذهلة بدا فيها ان التاريخ يكتب من جديد. وتحدى ضابط في الجيش المتشككين من السودانيين والغربيين على حد سواء واوفي بتعهده وأقام حكما مدنيا.أتساءل ما اذا كنت سأشهد تكرار نفس الشيء. أتساءل ما اذا كان المصريون مستعدين للعودة لمنازلهم اذا لم يف الجيش بوعده.من ادموند بليريعمل ادموند بلير رئيس مكتب رويترز في مصر والسودان منذ عام 2009 وعمل مراسلا في الشرق الاوسط معظم فترات السنوات العشرين الماضية. وامضى في فترة سابقة سنوات مع عائلته في المنطقة. وفي سنوات مراهقته شاهد الانقلاب العسكري في السودان ويقارن بينه وبين الأحداث التي غطاها في مصر على مدار 18 يوما.وفيما يلي شهادته تحت عنوان "هل يكرر التاريخ نفسه في مصر؟"القاهرة (رويترز) - نزل المواطنون بالالاف الى الشوارع للمطالبة بالاطاحة بالحكومة وساروا الى مقر إذاعة الدولة التي كانت تمجد سياسة الحكومة. سقط الرئيس. وانتقلت السلطة للجيش.لا أسرد ما حدث في القاهرة في عام 2011 بل ما شاهدته في السودان عام 1985.وفيما أتابع الاحتجاجات غير المسبوقة في مصر التي أطاحت بنظام حكم الرئيس حسني مبارك الذي كان يبدو انه غير قابل للتغيير وجدت نفسي أفكر باستمرار في آخر مرة تابعت فيها عن كثب انقلابا عسكريا.أتساءل دائما ما اذا كان الانقلاب في السودان الذي كان الخطوة الاولى نحو تشكيل حكومة مدنية لم تدم سوى أربع سنوات يعطي دلائل لما سوف يحدث في مصر.ومن وجهة نظري أعتقد أن البهجة التي شاهدتها في القاهرة يوم الجمعة خطوة أولى فقط وان المحتجين سيعودون لمنازلهم فقط اذا تأكدوا أن المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي تولى زمام الأمر الان سيحل النظام القديم ويساهم في قيام حكم مدني.كنت في سن المراهقة حين شهدت سقوط الرئيس السوداني جعفر النميري وكان لوالدي منزل بشرفة تطل على نهر النيل وعلى ضفة النهر طريق يؤدي الى راديو ام درمان وهو المبنى الرئيسي للاذاعة.ما من مكان أفضل لمشاهدة انقلاب اثناء حدوثه.وسار الاف من المتظاهرين الى مبنى الاذاعة الناطقة بلسان الحكومة وهتفوا ضد النميري.وكانت حالة عدم الرضا تصاعدت بسبب الاقتصاد الذي انهار تدريجيا ليصيب الفقر الملايين.وفي احدى المرات امضى والدي المغترب الذي يعمل في السودان 60 ساعة نائما في السيارة انتظارا لتزويدها بأربع جالونات من الوقود وهي الحصة الاسبوعية المقررة. وكنا نقف في طوابير للحصول على اسطوانات الغاز فضلا عن نقص في البيض والسكر والطحين (الدقيق).كان ذلك صراعا يوميا لاسرة غربية تكسب اجرا جيدا وتتضاعف المعاناة بالنسبة للسودانيين وفي تلك الفترة هوى الجنيه السوداني.ونفد الصبر وطالب المتظاهرون بالتغيير وتدخل الجيش وتخلض من احد رجاله اذ ان النميري كان ضابطا في الجيش وصل للسلطة عام 1969 .وهنا تغير السيناريو الافريقي المعتاد للانقلابات العسكرية. فقد تعهد عبد الرحمن سوار الذهب الضابط الذي أمسك بزمام السلطة باجراء انتخابات في غضون عام. ولم يصدقه كثيرون ولكن المواطنين الذين اصابهم الانهاك صدقوه واوفي بتعهده.وفي عام 1986 اجرت أكبر دولة افريقية من حيث المساحة وفي وقت تمزقها حرب اهلية بين الشمال والجنوب انتخابات تعددية. وانتقلت السلطة لحكومة مدنية.والى أن اندلعت الانتفاضة في تونس في يناير كانون الثاني الماضي كانت تلك المرة الاولى التي يمكن فيها لشعب عربي أن يزعم انه غير حكومة من خلال تحرك شعبي.ومثل السودان دفع خليط من المشاكل الاقتصادية والسياسية المصريين للنزول للشارع.وطالب المصريون في ارجاء البلاد برحيل مبارك وحملوه ونظامه مسؤولية ارتفاع الاسعار والبطالة والفجوة الكبيرة بين الاغنياء والفقراء والقمع السياسي.ويوم الجمعة حققوا ما كانوا يتصورونه مستحيلا. وأظهروا انه يمكن للشعب ان يسيطر على الشوارع ويمنع النظام من الحكم. أصبح زمام القرار بايدي الشعب وسقط مبارك. وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة زمام الامر.وتعهد المجلس بتلبية مطالب الشعب ووعد برفع قانون الطواريء المفروض منذ 30 عاما والذي كان يستخدم لقمع المعارضة. والمهم انه وعد باجراء انتخابات حرة ونزيهة.ستشهد مصر واقعا جديدا. فالانتخابات البرلمانية التي جرت في نوفمبر تشرين الثاني زورت بشكل فاضح وفاز فيها عدد قليل جدا من المعارضين. وقاطعت معظم أحزاب المعارضة الرئيسية في مصر الانتخابات.وشهدت مصر انتخابات رئاسية خاضها عدد من المرشحين مرة وحيدة وفاز بها مبارك في عام 2005 كما كان متوقعا. وجاء منافسه الرئيسي أيمن نور في المركز الثاني بفارق كبير وزج به في السجن بتهم قال ان وراءها دوافع سياسية.ومع تولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة السلطة ربما تستطيع مصر تغيير الدستور. وصيغ الدستور الحالي الذي ادخلت عليه تعديلات شكلية أكثر من مرة ليضمن بقاء مبارك وبطانته في السلطة.وبدأ كثير من المصريين الذين استيقظوا على واقع جديد يتساءلون ماذا سيحدث بعد؟هل القوات المسلحة مستعدة حقا لاعادة السلطة للمدنيين؟. هل سيسلمون مرة اخرى السلطة التي استولوا عليها في عام 1952 عندما أطاح الرئيس الراحل جمال عبد الناصر و"الضباط الاحرار" بالحكم الملكي؟. هل أقوى مؤسسة في مصر والوحيدة التي نجت من الاحداث المضطربة مستعدة للجلوس في المقعد الخلفي؟.الرسالة التي يبعث بها عدد كبير من المتظاهرين واضحة."مدنية ..مدنية" احد الشعارات التي رددها المتظاهرون حين بلغت انباء تخلي مبارك عن سلطته وتولي المجلس الاعلى للقوات المسلحة زمام الامر مركز الزلزال السياسي الذي اطاح بنظام الحكم في مصر.ويقود المجلس الاعلى للقوات المسلحة وزير الدفاع محمد حسين طنطاوي وكان عادة يجلس الى جوار مبارك في العروض العسكرية لاستعراض قوة الجيش. ويشغل طنطاوي منصبه منذ 20 عاما.ويأمل مصريون كثيرون ان يظهر طنطاوي انحيازه للشعب الذي كانت لديه جرأة تحدي الجهاز الامني لمبارك. وبعد 18 يوما من الاحتجاجات لا يبدو المواطنون مستعدون لقبول المعادلة القديمة القائمة على دعم الجيش للسلطة.وفي عام 1985 اوفي قائد عسكري في السودان التي تقع على الحدود الجنوبية لمصر بتعهده. غير ان تجربة الحكم المدني في السودان لم تستمر طويلا فبعد ثلاث سنوات من انتخابات عام 1986 عاد عسكري ليسيطر على السلطة من جديد.ما شاهدته في السودان قبل ربع قرن كان لحظة مذهلة بدا فيها ان التاريخ يكتب من جديد. وتحدى ضابط في الجيش المتشككين من السودانيين والغربيين على حد سواء واوفي بتعهده وأقام حكما مدنيا.أتساءل ما اذا كنت سأشهد تكرار نفس الشيء. أتساءل ما اذا كان المصريون مستعدين للعودة لمنازلهم اذا لم يف الجيش بوعده.من ادموند بلير

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل