المحتوى الرئيسى

أعظم الملاحم الشعبية.. "سِلمية .. سِلمية"

02/13 12:33

 إنها مصادفة من صنع القدر.. وحدث تاريخي من صنع شباب الألفية الثالثة من أبناء مصر..مصادفة أن يرحل الفريق سعدالدين الشاذلي في نفس توقيت رحيل مبارك.. والاثنان ارتبطا بحرب أكتوبر وكانا من أبطالها.. ولكن الفارق مهول بين معني "الرحيل" في الحالتين.. رحيل بطل عظيم عن دنيانا حُفر اسمه في قلوب وعقول جيلنا وأجيال جاءت بعدنا محاطاً بالحب وبأنبل معاني البطولة ثم فارق الحياة في هدوء وكان يستحق وداعاً عسكرياً مهيباً يخرج من وسط ميدان "التحرير" حيث مئات الألوف من شباب ورجال ونساء يحتشدون في ثورة عارمة يطالبون برحيل محمد حسني مبارك عن سدة الحكم ويرغمونه علي ذلك.أتخيل أن تبدأ ملحمة ثورة هذا الجيل الجميل أبناء الألفية الثالثة بهذا المشهد: مشهد الوداع. وداع البطلين حيث الفارق يتسع باتساع محيطات الدنيا بين وداع ووداع..في أحد مشاهد "الميدان" رمز التحرير والحرية غني الشباب المحتشد ومعه جميع الثائرين من كل الأجيال أغنية "الوداع" التي غناها الشعب المصري كله في وداع تاريخي مهيب في جنازة جمال عبدالناصر. ولكن بعد أن تم تحريفها لتناسب زعيم آخر اضطرته هذه الحشود أن يرحل بعد أن جمع المليارات وامتلك القصور. غناها الآلاف في سخرية ودعابة طريفة تجسد الفارق بين مصر مات بطلاً ورحل بطلاً. وبين من كان بطلاً ورحل ديكتاتوراً فسَحق هامة المصريين وغبر بالظلم ملامحهم طوال ثلاثين عاماً..كتابة هذه السطور غنت أغنية الوداع الأولي وشاركت في غنائها في المرة الثانية. وفارق حين تنهمر الدموع وتنتحب القلوب وهي تودع بطلها وبين الضحكات الساخرة والأداء الفكاهي حين تكون الأغنية نفسها بعد "التعديل" لوداع "سارق الملايين".. وهذه صورة من صور التعبير الشعبي عن الرفض.أتذكر أيضا الفارق الرهيب بين ردود الفعل الجماهيرية في حالة تنحي "الزعيم" عبدالناصر. وحين جاء خبر التنحي يوم الجمعة الماضي بعد طول انتظار وإثارة ولعب بالمقادير وبشعب أجمع علي رحيله.فارق بين جريان نهر الحب الذي لم ينضب لابن بار وبطل مثل الفريق الشاذلي حارب وحقق الانتصار ثم عاش في الظل  وبين الحب حين يتحول إلي كراهية ورفض رهيب لا تعوضه كنوز قارون ومليارات العالم.وفي مشهد آخر من مشاهد الميدان الذي كنت أول من أسميته "ميدان الشهيد".. مشاهد امتلأت إلي جانب مشاعر الزخم الثوري والرغبة العارمة في التغيير وبأشكال وصور من الابداع الشعري والفني والتشكيلي والفكاهي والتمثيلي وبأشكال فذة من السخرية  تبادلها الناس في نكات  ظريفة وعلي شاشات المحمول والكمبيوتر طالت حتي حوارات الأفلام.في أحد هذه المشاهد وقف واحد من أبناء مصر المحتشديون والمقيموين في "الميدان" يقدم فنونا من الأداء العفوي في "عزة" لتعليم اللغة الإنجليزية بدأها بجملة "Ihate you" ومعناها الحرفي "أنا أكرهك" وحين وقف الناس يرددونها وراءه فاجأهم بخفة دم بالغة بترجمة عربية فريدة لهذه الجملة "كتك ضربة في معاميعك" ترجمة شعبية بلغة دارجة تحمل معني الكراهية وكانت موجهة بالطبع إلي الرئيس الذي لم يكن قد رحل بعد!لقد جاء الوقت لكي نفتح ملحمة الأبطال وألبوم صورهم ممن تم "دَهَسهم" أثناء عمليات الصعود لاحتلال مقاعد الحكم وقطعت ثمار النصر.إن كلمة "الدهس" نفسها اكتسبت مع ثورة "التحرير "25 يناير ــ 11 فبراير 2011" معني قميئاً وصادما حين ارتبطت بصورة سيارة الأمن المركزي وهي تطارد بريئا أعزل من أبطال هذه الثورة السلمية بينما سائقها يصر علي "دهْسَِه" حتي الموت.. والصورة بثتها أجهزة الاعلام وتم تسريبها إلي عواصم الدنيا وسوف تدخل بالقطع ضمن ملفات حكم مبارك والعادلي في هذه الملحمة.لقد اختلف معني البطولة وأعيد تعريفها علي أحد مفجري هذه الثورة "وائل غنيم" حين قال في عفوية وصدق بالغين إن الابطال هم الذين بقوا في الميدان وأصروا علي البقاء حتي تم التغيير.. هم كل هذا الجيل الذي شارك في رفع الظلم والغبار عن ملامح كل مصري."ارفع رأسك .. أنت مصري" هذا هو الشعار الذي رددته الملايين بعد "التنحي".سِلمية .. سِلميةصناع ثورة الميدان أعلنوها "سِلمية .. سِلمية" وأصروا بسلوكهم المتحضر أن يبقوها كذلك ونحن في زمن أسلحة الدمار الشامل.. ورغم ذلك هاجمتهم جحافل التتار موديل "2011" من المصريين الذين تم تصنيعهم ونزع قلوبهم وضمائرهم في سجون وأقسام وسراديب وزير الداخلية في زمن الزعيم صاحب الضربة الجوية. لقد هاجموهم بالحياد والبغال والحمير والحجارة وقنابل المولوتوف والقنابل المسيلة للدموع وبالرصاص الحي والقناصة.. وهذه بالقطع مشاهد من الملحمة التي عشنا أحداثها والتي سقط فيها مئات الشهداء وآلاف الجرحي من الشعب المصري فسلام علي أرواحهم.. وسوف تظل صورهم تحتل مقدمة المشهد مع مشاهد الوداع.. وداع الفريق سعدالدين الشاذلي حسب المثل الشعبي القائل "اللي خلف ما بيموتش".أيضا سِلمية سِلمية وبنهاية سعيدة وسوف تظل كذلك إن شاء الله. وسوف نحتفل بها كل عام وفوق كل بقعة من بقاع مصر. ومن أي موقع يعيش فيه مصريون شاهدناهم علي شاشة التليفزيون بتهجين أنها ملحمة عصرية.. حديثة تؤكد أننا لسنا خارج التاريخ ولن نكون أبداً.. ولسنا بعيدين عن روح هذا العصر عصر التكنولوجيا وأدواتها ولن نكون أبداً بإذن الله.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل