أما بعد
(واحد) حتي الآن لم نعرف القصة الداخلية لما جري قبل رحيل الرئيس مبارك عن مصر. هل هو الذي تنحي؟ أم أن تلك كانت رغبة أية أطراف داخلية أخري؟ وهل رتب أمور ما بعد الرحيل قبل أن يرحل؟ هل حاول الحصول علي ضمانات بعدم الملاحقة القضائية وما يتبعها من إجراءات؟ ثم إلي أين ذهب؟ هل هو في شرم الشيخ؟ أم إلي أين قادته طائرته إلي الجهة المجهولة التي قيل انه اتجه إليها؟ وهل كانت معه أسرته فقط؟ أم مستشاروه ومساعدوه والقريبون منه؟ هل هو في المملكة العربية السعودية رغم غياب ملكها الذي يمر بفترة نقاهة في المغرب الآن؟ ومن هو الشديد القوي الذي جعله يسافر إلي السعودية رغم شبح قصة زين العابدين بن عليَّ التي ربما وفرت رفضا داخليا عنده وصل لحد العناد؟ أم هو في الإمارات العربية المتحدة؟ وكان وزير خارجيتها من المسئولين القلائل الذين استقبلهم مبارك في الأيام الأخيرة؟ أم في البحرين؟ أم؟ أم؟ أم؟. والموقف هنا هل يمكن الاقتراب من فتح ملفات ما مضي؟ والنظر إلي ما قبل ٥٢ يناير باعتباره العهد البائد وإدراك ان فتح الملفات بلا شرط ولا قيد يمكن أن يوفر حالة من انشغال الناس بأكبر قدر ممكن. ثم ما هو مصير نائب الرئيس بعد أن لم يعد رئيسا؟(اثنان): نهاية مرحلة ورحيل رئيس حدث لا يتكرر أكثر من مرة في العمر. لذلك قضيت ليلة طويلة طويلة. ربما كانت أطول ليلة في العمر حتي الآن علي الأقل أتابع تحولات النخبة المصرية. ورأيت وسمعت وتابعت فئران السفينة التي تحاول القفز منها قبل الغرق أوبعده. ودهشت ممن خرجوا يدعون أنهم جرحي مبارك وضحايا زمن مبارك. والذين أضرهم حكم مبارك. مع أن الوضع كان عكس هذا علي طول الخط. ما جري بعد الرحيل مباشرة يوشك أن يكون »القطفة« الأولي من هذه القصة الحزينة التي تكررت قبل ذلك مرتين. الأولي بعد استشهاد جمال عبدالناصر. والثانية بعد اغتيال أنور السادات. وأعتقد أن الأيام القادمة ستشهد الكثير والكثير. كلام لا أول له ولا آخر. والحبر الذي سيسيل علي صفحات الصحف والمجلات والكتب. ربما يقترب من حجم مياه النيل التي تتحرك من الجنوب إلي الشمال. أو دماء شهداء الثورة. إنها النخبة أيها السادة.(ثلاثة): هالني كل هذا الإطراء لشباب ميدان التحرير، وهم طليعة الشعب المصري في ثورة كسرت كل ما كان متعارفا عليه في علم الثورات. سواء في الواقع أو في الكتب. وثوار ميدان التحرير أو أبطاله أو رموزه هم جزء من الشعب المصري. ونتاج مرحلة لها ما لها وعليها ما عليها. يعيشون مرحلة الشباب. أيام الحلم والرومانسية والرغبة في تغيير العالم والقدرة علي التضحية. الشباب يعني أن يعيش الإنسان بحس ووجدان استغنائي قولا وفعلا. هذا كله حقيقي. ولابد من إثباته. أيضا لابد من الكتابة عن هؤلاء الشباب سواء من خارجهم مثلما أحاول أن أفعل الآن. أو من داخلهم كما سنقرأ في الزمن الآتي لهم وعنهم يقدمون لنا الحكاية الداخلية لوقائع ٨١ يوما و٨١ ليلة في ميدان التحرير. لكن الاستمرار في المديح والإطراء بمناسبة وبدون مناسبة والإسراف في ذلك ربما كانت له آثار جانبية مستقبلا. ولا يجب أن ننسي أنهم أبناؤنا وبناتنا وأحفادنا. والنظر إليهم بموضوعية مطلوب جداً في هذه الأيام.ثم إن كان ما تم هو الكفاح الكبير الذي وقع في ميدان التحرير، فإن الآتي هو الكفاح الأكبر الذي من المتوقع أن يدور في الغرف المغلقة ووراء الكواليس عبر عملية سياسية شديدالتعقيد. نتمني أن تقود الوطن لبر الأمان. كل هذا الإثراء وذلك المديح لما قام به الشباب يمكن أن يصرفهم عن المهمة الكبري المطلوبة منهم الآن. والتي لابد أن يتفرغوا لها تفرغا تاما.(أربعة): أيضا ما قيل عن المجلس العسكري الانتقالي، وأنا عن نفسي ذهلت في اللحظة التي توقف فيها الضابط الكبير الذي كان يقرأ البيان رقم ٣ ورفع يده تحية للشهداء الذين استشهدوا في هذه الثورة. لحظة يقشعر لها البدن. وأيضا عندما قال إنهم ليسوا بديلا عن الشرعية التي اختارها الشعب. سألت عنه. قيل لي إنه قائد الطيران الحالي. حمدت الله أنهم يتكلمون دون إثبات أسمائهم أو رتبهم علي الشاشة، لأن هذا معناه أننا وصلنا إلي لحظة يمكن أن يكون عنوانها: عندما يصير الكل في واحد. لكل هذه مسألة وطوابير نهازي الفرص ولصوص اللحظات التاريخية العبقرية قضية أخري.أتمني لو كان المشير محمد حسين طنطاوي محصنا ضد من وصفوه بأحمس الجيش المصري، ومن خاطبوه عبر الشاشات باعتباره الشقيق الأكبر للمصريين. لأنهم ماسحوا الجوخ وحارقوا البخور في كل زمان ومكان.ربما كان المطلوب لأعضاء المجلس العسكري أن نهمس لهم في آذانهم: لا تنسوا أنكم بشر.وبشرية الإنسان ضمان أمان في مثل هذه الظروف الصعبة والعصيبة. فكما يصيب الإنسان من الممكن أن يخطئ، والخطأ الإنساني جزء من الطبيعة البشرية، وعلينا تجنبه أو جعله في حالة وقوعه في حده الأدني.اللهم إني بلغت.. اللهم فاشهد.
Comments