المحتوى الرئيسى

قــرَارٌ صَـائـب بقلم المستشار / محمد بهي الدين غلوش

02/12 18:33

قــرَارٌ صَـائـب بقلم المستشار / محمد بهي الدين غلوش في ظلِّ تلكَ الأجواءِ العارمَةِ مِنَ التظاهُراتِ وَ مَا تستـتبعهُ مِن زَخَمٍ سياسيٍّ مُتزايدٍ ، وَ بَعدَ تلبيةٍ غيرَ متوقعةٍ لآمالِ و طموحاتِ شعبٍ بأكملهِ طالما كانَ ينتظرُ و لو جزءً منها ، و لا زالَ التوتر يخيمُ علي مصرَ شعباً و سلطَة ، ربما لعدمِ اقتناعِ بعض فئات الشعبِ من المتظاهرينَ بما آلت اليه الأوضاع .. أم أنَّهُم يريدونَ المزيد .. أم أنَّ السلطَة قد قدمت أقصي ما في وسْعِهَا و أخرجت كاملَ ما في جُعْبَتِها من عطاءاتٍ وَ تنازُلات .. أم أنها تنتظرُ قبولاً عاجلاً من الشعبِ و رضاءً بما قدرهُ لهم الساسة .. لذا لا زالَ الوضعُ إلي الآنَ يتسمُ بالتوتر و التدهور إلي حدٍ كبير .. و سيكونُ حديثي عن هذا المضمارِ يرتكزُ حولَ محاورَ ثلاث :- الأمرُ الأول هو قرارُ عدمَ تنحي الرئيس مبارك عن السلطة ، حيثُ جاءَ قراراً صائباً و في مصلحةِ البلاد ، فالرئيس مبارك لم يكن هذه المرة طامعاً في جاهٍ أو سلطةٍ علي الإطلاق و إنما ظلَّ متمسكاً لتمرَّ الأزمةُ بسلامٍ لأنهُ يعلمُ عِلمَ اليقينِ أن سيناريو 28 يناير سيتكررُ بحذافيرهِ حالَ تنحيهِ عن السلطة ، ذلكَ أنهُ و من المؤكد أنَّ الشعبَ حالئذٍ سيخرجُ بجميعِ طوائفهِ بينَ ناقمٍ علي القرارِ و بينَ مؤيدٍ لهُ و ما يستتبعُ ذلكَ من دخولِ بعض العناصر الإجرامية وسطَ الميدان و ناهيكَ عن ما سيحدث بعدَ ذلك .. ! إضافةً إلي أنَّ الوضعَ الراهنَ مليئٌ بالتوتراتِ و الانفعالاتِ السياسيةِ مما يرجحُ معهُ صعوبةِ حدوثِ نقلٍ سلميٍّ للسلطة ، فالكثيرُ من الأحزابِ متربصةٌ لهذا و كلٌّ سيقفُ بذراعيهِ معتلياً المنبرَ هادفاً وَ طَامِعَاً في الوصولِ لكرسيِّ الحُكم . فضلاً عن غيابِ الدورِ الأسَاسي الذي تعهدَ به الرئيس مبارك من ملاحقةٍ لمرتكبي جرائمَ المالِ و الإعتداء علي أفرادِ االشعبِ و الفاسدين ، و أيضاً غيابِ الدور المشرف علي تعديل بعضَ موادِ الدستورِ و التي ستهئُ الوضعَ و المناخَ لتضمنَ نقلاً سلمياً للسلطة . أما المحورُ الثاني فأعتقدُ أنَّ الثورة قد أتت بثمارها إلي حدٍ كبيرٍ لم يكن متوقعاً و أنها قد حرَّكَت المياهِ الراكدةِ ليس هذا فحسب و إنما أيضاً قد أثارت رياحَ التغييرِ إلي الأفضل و قلبَت مناخَ المحيطِ المِصري رأساً علي عقب ، فبعدَ أوضاعٍ متدهورةٍ ظلت علي مدار سنواتٍ عدَّة نُجَاريها و تُجارينا أتى الإصلاحُ بما لا يدعُ مجالاً للشكِّ في تحقيقه بضمانةِ أشخاصٍ من المسئوليةِ بمكانٍ و هم أهلٌ للثقةِ يتعامَلونَ مع الأمورِ بحزمٍ و جديَّة ، قد أشادوا بدورِ الثورة و ما حققتهُ من إنجازٍ ستتدارسَهُ الأجيالُ جيلاً بعدَ جيل ، لذا يتعينُ علي الثوارِ الإكتفاءَ بما تحققَ وَ مَا أُنجِز منتَظِرينَ نَتَائجَ الإصلاحِ التي من المؤكدِ أنها لا تأتى بينَ يومٍ و ليلة ، فلابُدَّ أن نُعطي مجالاً فسيحاً للقادةِ الجُددِ ليمكِّنَهم من استدراكِ أخطاءِ مَن قَبلهُم و السعي نحوَ مسيرةٍ تهدفُ إلي تحسينِ الأوضاعِ وَ تأملُ في مستقبلٍ يُرضي جميعَ الأطرافِ و الفئات بما في ذلكَ من ضمانٍ لعدمِ الرجوعِ إلي الوراءِ وَ عدمِ العَودَةِ لما كانَ عيلهِ الوضعُ قبلَ ذلك . ثالثاً و أخيراً أوَدُّ القولَ بأنَّ مِصرَ ستظَلُّ شامخةً مرفوعةَ الرأسِ مهمَا حاكَ لها الكائدونَ و مهمَا حدثَت لها من توتراتٍ سرعانَ ما ستتلاشي بمرورِ الأيَّام - بإرادَةِ الله أولاً ثمَّ بإرادَةِ شَعبهَا و عقلانـيَّـتِهم - لكنَّ الخطأ الأكبَرَ أن نترُكَ مِصرَ فريسةً ينهشُ منهَا الحُقَّادُ أو ينالُ منها الأعداء ، أن نترُكَ المَجَالَ ليتَدَخَلَّ فيهِ عَنَاصرَ أجنبيَّة زاعِمَةً حُسنَ النوايا وَ القصد ضامرةً الشماتةَ وَ الترصُّدَ لثغرةٍ تُمكنُهَا مِنَ السيطَرَةِ علي الأوضاع ، بل من الخطأ أيضاً أن نُعطي الفرصَةَ لبعضِ أصحابِ الأجنداتِ الخاصَّة لإعتلاءِ المنبَرَ و الصعودِ علي أكتافِ المتظاهرينَ مستغلينَ بذلكَ قلةَ وعي البعضِ من نسيجِ الوطنِ سياسياً وَ لأبعادِ الموقف . ندائي إلي الإخوة الثوار أن يعودوا إلي منازلهم مكتفيينَ بما تمَّ تحقيقهُ من تغييراتٍ كانت منَ المستحيلِ أن تتبدَّل وَ ذلكَ حفاظاً علي أمنِ مصرَ و صورَتِهَا الشامِخَة التي اهتزَّت أمامَ العَالمِ أجمَع ، منتظرينَ ما ستُبديهِ الأيَّامُ و ما ستظهرهُ نوايا الساسة الجُدد من خطواتٍ نحو التغيير وَ مصداقيةٍ في تحقيقِ مستقبلٍ أفضلٍ من المؤكدِ أنهُ لا يأتى بينَ يومٍ وَ ليلة .. عَاشَت مِصْرُ حُرَّة .. أبيَّة .. مُستَقرَّة .. وَ اللهُ الموفقُ وَ المُستَعانُ لأنْ تَمُرَّ أزمَةُ مِصْرَ بسَلامٍ وَ أمَانٍ وَ عَلي كُلِّ خَير ؛ بقلم المستشار / محمد بهي الدين غلوش

نرشح لك

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل