لوجه الله ومصلحة الوطنتغيير المعاني واشكالية المصطلحات .. وكيف رأي كيسنجر ما جري في" جمعة الغضب"!
بعيدا عن استمرار الحوار والمفاوضات الدائرة في العلن أو وراء الأبواب المغلقة لحل المعضلة الدستورية التي تتمثل في استمرار المظاهرات المطالبة بتنحي الرئيس حسني مبارك عن الحكم والرفض الحاسم من الدولة المصرية ممثلة حاليا في كل من نائب رئيس الجمهورية السيد عمر سليمان ورئيس الوزراء الفريق أحمد شفيق ووزير الدافع المشير محمد حسين طنطاوي ورئيس أركانه الفريق سامي عنان لهذا الطلب علي أساس أنه لا يتوافق مع طبيعة الشعب المصري أجد هناك مجموعة مهمة من الأفكار التي تحتاج الي تسليط الضوء عليها وعلي رأسها ضرورة التزام الكثير من الحذر فيما يصدر من تصريحات من جانب كل من السيد عمر سليمان والفريق شفيق لأن وسائل الاعلام الدولية في أحايين تفهم ما يقال بعكس الحقيقة بسبب الاختلافات الثقافية بين المجتمع المصري وغيره من المجتمعات وكذلك الفروق اللغوية . فقد تناقلت وسائل الاعلام العالمية علي سبيل المثال التصريح الذي خرج عن السيد عمر سليمان وملخصه ان القضية في الوقت الحالي يمكن ايجازها في اننا أمام اختيار من بين اثنين وهما اما الحوار أو الانقلاب بمعني غير ما حرص هو علي ايضاحه بعدها مباشرة ردا علي سؤال للصحفي خالد صلاح رئيس تحرير اليوم السابع عندما طالب بالتوضيح . فكلمة انقلاب في الثقافة المصرية تعني التغيير الفجائي غير المحسوب بدقة أو غير المرتب له ترتيبا كاملا ولا يقتصر معناها فقط علي تعني الانقلاب العسكري . كذلك فقد سارعت بعض وكالات الأنباء وعلي رأسها وكالة رويترز بالنقل عن نائب الرئيس ان المظاهرات لا يمكن أن تستمر الي الأبد مفهوما آخر وهو ما عبرت عنه بأنه تهديد باجبار المتظاهرين علي فض مظاهراتهم واحتجاجاتهم علي رغم أن ما قاله سليمان - المعروف بهدوئه الشديد وحذره وذكائه وخبرته ذ جاء في أعقاب تأكيده علي أن الرئيس حسني مبارك اصدر أوامره بعدم ملاحقة المحتجين واتاحة الفرصة أمام شباب مصر للتعبير عن آرائهم بكل حرية علي رغم أنني كنت أفضل لو كانت الصياغة لهذا المعني مثلا ان الرئيس حذر من المساس بأي من المتظاهرين بدلا من تعبير عدم الملاحقة باعتباره تعبيرا أمنيا أكثر . وليس ممكنا مطلقا ذ من وجهة نظري - أن يكون السيد عمر سليمان قصد أي تهديد باجبار المتظاهرين علي فض مظاهراتهم باستخدام القوة . وعلي رغم أن الشعب المصري لم يسبق له الانادرا الاستماع الي حديث للسيد عمر سليمان في ما قبل 25 يناير الا أن المعاني التي يقولها هي بالتأكيد مفهومة لأبناء الشعب المصري الذين يحملون نفس الثقافة ويفهمون بعضهم جيدا . وربما قصد السيد عمر سليمان معني أن الأمور لا يمكن أن تعود الي طبيعتها في حال تواصلت المظاهرات بهذا الشكل الي الأبد . ولا ننسي أن مظاهرات الاحتجاج في الوقت الحالي لم تعد أبدا قاصرة علي فئة الشباب دون غيرها اذ صحيح أن الشباب هم الذين فجروا مظاهرات الغضب والاحتجاج لكن الذين أضافوا لها المزيد من القوة والحشد يوما بعد يوم هم كل فئات الشعب المصري ونظرة بسيطة متفحصة للمشاركين في المظاهرات تؤكد هذه الحقيقة . وقبل الخروج من هذه النقطة أتمني لو كان ممكنا أن يذيع التلفزيون المصري النص الكامل لحوار السيد عمر سليمان مع رؤساء مجالس ادارات ورؤساء تحرير الصحف الرسمية والحزبية والخاصة لأن هناك مداخلات وأسئلة نشرت علي لسان بعضهم - وقد تكون مجتزأة - تحمل قدرا كبيرا من معاني صب الزيت علي نيران الغضب لدي المشاركين في المظاهرات خصوصا اذا وصفناهم مرة بأنهم يمثلون الاستبداد أو ألمحنا الي أنهم لا يمثلون الا أنفسهم وأن هناك أغلبية صامتة ترفض ما ينادون به . وأترك هذه النقطة لأعرج علي نقطة في غاية الأهمية في هذا التوقيت الذي أصبحت فيه مصر والشعب المصري محور الاهتمام الأول لمختلف دول العالم شرقا وعربا وغربا .فبينما كنت اتنقل بين القنوات التلفزيونية للتعرف علي ما تنقله عن ثورة الغضب المصرية منذ أيام استوقفني وجود ثعلب السياسة الخارجية الأميركية الشهير ووزير الخارجية السابق الدكتور هنري كيسنجر علي محطة تلفزيون "بلومبرج" الأميركية. قال كيسنجر انه لا يزال في حال اندهاش غير مسبوقة منذ متابعته لمشهد مظاهرات ما عرف بجمعة الغضب في مصر عبر مختلف محطات التلفزيون وأن سر اندهاشه الذي يبدو أنه سوف يستمر طويلا يكمن في كيف خرجت كل هذه الملايين من البشر الذين قدرتهم المصادر الأميركية بما لايقل عن ثمانية ملايين في وقت واحد يرفعون شعارا واحدا ومطلبا محددا علي رغم تباعد المسافات بين المدن التي خرجوا فيها علي الأقل بنحو 100 كيلو متر بين المدينة والأخري . واستطرد يقول انه عجوز لا يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي علي الانترنت ولكنه يستبعد تماما أن يكون الفيس بوك فقط وراء هذه الحشود المليونية التي لم يسبق أن شاهد مثلها لا في التاريخ الحيث أو القديم . فالمتظاهرون كان بينهم بالتأكيد أعدادا كبيرة من الشباب الذي تزيد نسبته في مصر عن 60 ٪ لكن ايضا كان هناك الكبار بل وكبار السن أيضا . وانه اذا كان مجرد خروج هذه الحشود كافيا لاثارة الاندهاش فان استمرارهم لساعات طويلة في حالة الحشد والتظاهر يجعل الاندهاش يتضاعف . وبناء عليه قال العجوز كيسنجر انها ثورة غضب بكل ما تعنيه الكلمة من معني تجعل التساؤل هو : كيف لم يشعر النظام في مصر بارهاصاتها علي مدي الفترة القليلة الماضية . أما عن نصيحته للادارة الأميركية فكان أن تهتم كثيرا بتفسير ما يجري وأن تكون أكثر سرعة في اتخاذ المواقف نظرا لأن مصر هي حجر الأساس في منطقة الشرق الأوسط وهي اللاعب الرئيس في دفع المنطقة الي الهدوء أو العكس . وعن نصيحته لناتنياهو قال كيسنجر : نصيحتي له أن يحاول الابتعاد عن الصورة حاليا وعدم اصدار اي تصريحات وأن يعيد دراسة ما يجري بعين العقل !. وهل يمكن أن تتحول الأمور الي فوضي بسبب ما يجري؟ .. نفي كيسنجر هذه الامكانية مطلقا مؤكدا علي أن مصر أقدم دولة في التاريخ تملك شعبا في قمة الحضارة والوعي لا يمكن أن يسمح بمثل هذه الفوضي . ولا تعليق من جانبي علي ما قال كيسنجر لكنني أعيدكم الي مواقف صندوق النقد الدولي الذي أعلن رئيسه بعد مرور يومين علي جمعة الغضب ان الصندوق خصص خمسة مليارات دولار لمصر فورا للمساعدة في دعم الاقتصاد المصري وأنهم يستعدون لعقد اجتماعات للنظر فياي احتياجات أخري قد تطلبها مصر . قال الرجل ذلك دون أن تطلب مصر لأن العالم كله عربا وغربا وشرقا وشمالا وجنوبا عرف بصورة عملية قيمة مصر العظيمة ودورها في ساياسات العالم واقتصاداته وكيف يمكن أن يؤثر أي توتر في مصر علي مختلف دول العالم في نفس الوقت . اللهم احفظ لنا مصر وطنا للأمن والأمان .
Comments