كعب عاليوحشتنا يا احترام
حتي بات المؤدبون وأنصاف المتربيين يشعرون بأنهم رابع ثلاثية الغول والعنقاء والخل الوفي. إحساسنا الذي بات متدنيا جدا بذواتنا, احترامنا لأنفسنا ولبعضنا البعض الذي اختفي, تفكيرنا في قائمة أولويات لا تضم لاعبين آخرين غير أنا ونفسي وذاتي كلها أشياء كدنا نحيلها إلي المتحف المصري باعتبار أن آخر عهدنا بها كان إبان عصر الأسرتين الـ16 والـ17 في مصر الفرعونية. المؤكد أن الغالبية العظمي منا ظلت تعاني علي مدي سنوات طويلة من عرض اندثار الاحترام وتبخر الأخلاق وتقوقع القيم. وكل من تربي منا في بيته علي قيم مصر الحقيقية من تعاطف مع الآخرين, وتضامن مع الجيران, وتراحم بين البشر بالتأكيد كان يعاني الأمرين علي مدي العقود الماضية. ورغم أن فعاليات الثورة ونتائجها وما سئول إليه الأوضاع ما زالت غير واضحة المعالم بعد, ولكن من أفضل ما أسفرت عنه أنها أكدت مما لا يدع مجالا للشك أننا شعب محترم وآدمي. ولن أبالغ لو قلت أنني علي يقين بأننا عشنا سنوات في ظل مؤامرة داخلية, اي منا فينا, تمت حياكتها بحنكة شديدة وتمرس بالغ لنزع قيم الاحترام منا وإشاعة أجواء الفساد الأخلاقي والتدني القيمي بيننا. فشيوع مثل هذه الفوضي الأخلاقية يوفر أحلي جو وأفضل بيئة للسرقة والنهب المنظمين, واللذين يحتاجان إلي إبعاد الأنظار وإلهاء الأدمغة حتي يتم التفرغ لهما. وأعتقد أن هذا ما حدث, وهذا ما كنا ضحيته علي مدي سنوات. لقد شاعت الفوضي الأخلاقية بيننا, وصرنا مغموسين تماما في محاربة بعضنا البعض, وكراهية كل منا للآخر, وهو ما وفر البيئة المواتية للنهب المنظم لثرواتنا وخيراتنا وحياتنا. وللأسف الشديد أن إحدي الجهات التي أشرفت علي تنفيذ هذه الخطة العبقرية كانت جهاز الشرطة الذي أشاع الفساد الأخلاقي بيننا. ومن يتابع هذه الصفحة يعرف أنني كتبت مرارا وتكرارا عن هذا الموضوع, ويعلم الله أنني كنت أفكر مرتين وثلاثا قبل أن أكتب الكلمات خوفا, نعم خوفا, من بطش الشرطة. الباشا الضابط والبيه أمين الشرطة وحتي العسكري الغلبان تمكنوا من عمل إعادة صياغة لدور رجل الشرطة. وبدلا من أن يكون كل منهم ملجأ للمواطن الخائف أو المظلوم أو الباحث عن مساعدة, تحولوا إلي مصدر للتخويف. صحيح أن هناك نماذج مشرفة بالطبع في داخل جهاز الشرطة لم تنزلق إلي غياهب الفساد والإفساد, لكن للأسف أن الصورة العامة التي تحول إليها رجل الشرطة كانت بالغة السلبية. وعلي فكرة, لا أتحدث عنها عن الجريمة الكارثية التي حدثت في مصر ليلة الغياب الأمني, فهذه قصة أخري, ولكني أتحدث عن سنوات طويلة غابت فيها منظومة الشرطة المتعارف عليها في الدول المحترمة. ولا أعني هنا الجنيهات الخمسة التي تدسها في يد الأمين حتي توقف سيارتك أمام البنك صفا ثالثا أو رابعا أو خامسا, ولا أشير كذلك إلي المعاملة البالغة السوء التي تلقاها حين تتوجه إلي قسم الشرطة لتحرير محضر, ولا أرمي إلي النظرة الفوقية التي يمعن الكثيرون من العاملين في الشرطة في تصويبها إلي خلق الله, ولكني أعني الصورة العامة لرجل الشرطة وهيبته ومكانته والاحترام الذي يفترض أن يحظي به. وليس أدل علي ذلك من المقارنات البسيطة جدا التي يعقدها الناس العاديون علي مدي الايام السابقة ومنذ نزول رجال القوات المسلحة إلي الشوارع بين الطرفين. فها هو رجل القوات المسلحة يستوقفك في الشارع ليسأل عن بطاقة الهوية ويفتش حقيبتك, لكن دون أن يشعرك بأنه إله وأنك عبد لا حول لك أوقوة. وها هو يتحدث معك بحسم وصرامة, ولكن في الوقت نفسه بأدب جم. صدقوني إذا عادت لرجل الشرطة هيبته واحترامه لنفسه سيعود للشارع المصري ولنا احترامنا. وحشتنا يا احترام! [email protected]
Comments