المحتوى الرئيسى

> طول اللسان للمتفرج الغلبان

02/10 11:23

بعد أن حصلنا علي وعود من العديد من الأدباء والرقباء وبتوع الإنتاج، بضرورة إعادة النظر في لغة الحوار الواطي جدا في أعمال المسلسلات التي تنهال علينا في البيوت شبابا وشيبا وصغارا وكبارا، وتخدش حياء الأسرة العربية الطيبة، وبعد شبه استراحة أو راحة، وبعد فترة وقار شاهدنا فيها إعادة لبعض أعمال الأبيض والأسود من أعمال الرواد الأوائل من الكتاب والمخرجين، وبعد تنظيف الآذان بإعادة مشاهدة «لن أعيش في جلباب أبي» حيث لغة مصطفي محرم النقية النظيفة البالغة الرقة والعذوبة والبسيطة، والتي كان من الممكن أن تحمل أفظع ما يصك الآذان حاليا من «ألفاظ سوقية وكلمات فجة ومتآكلة يلصقها بالعافية وسط حواراته الساذجة، ليلقح الكلام علي هموم ومشكلات أكبر من حجم الحكايات الساذجة التي يقدمها ونسي البعض أن هذا الازدواج ما بين الرمز المستخبي واللفظ المباشر، أمر انتهي في زمان الأدب الحنجوري القديم، وأن استخدام الرموز والعلاقات والإشارات ذات الدلالات وكأنها «كوود» لحضرات الأذكياء أو حزب عشاق الفهلوة أو لزملاء الشلة إياها أو الحزب أو العصابة القديمة، أمر انتهي تماما، وأن الرموز المصنوعة للاستخدام «للسترة» في زمن القهر السياسي قد انتهي زمنها في ظل «كله يقول اللي عاوزه».. بدليل عرض هذه الأعمال التي مازالت تصرخ بغباء وكأنها تواجه وتعاند وتحارب معركة غير مطروحة ولا مسموعة ولا موجودة. وكأن العديد من هذه الأعمال كانت مركونة من الستينيات وجاء آوان «الإخراج» عنها، فتحولت إلي «عبوة ناسفة» لمن سمح بعرضها حاليا، فهي ضده في «السر» ومعه علانية، فالرجعيون وأعداء الثورة هم الذين يدفعون فلوس الإنتاج التقدمي حاليا، وهم بفلوسهم يشتمون أنفسهم دون زعل، ذلك لأن الشتيمة حنونة وذكية ومتغطية، ولقد علمونا زمان أن الفن السياسي سياسي شكلا وموضوعا وأسلوبا، يعني عاوز تقول سياسة قول وتحمل المسئولية، أما أن تلبس الاستعمار شورت والإمبريالية بدلة رقص والاشتراكية شوال، وتخلي إسرائيل راجل عجوز وارث وعاوز يسلم البلد لأولاد أولاده.. فهذا كلام حكايات تحكيها خالتي «زكية» للبلهاء من بنات الجارات، وقديما علمونا أنه لكل مقام مقال. ولقد سقط المسرح عندما سقط الأدب المسرحي في قلة الذكاء، وأصبح الفن المسرحي مباشراً أو رمزيا ولم يخاطب الناس بصدق.. سقط صدق التعبير عندما تسلل الكاتب «الفهلوي الحدق والوصولي بتاع كله» ليمسك ميكروفون الجماعة ليخطب علي لسان شخصياته وفقا لما هو سائد من شعارات... سقط الأدب المسرحي عندما تحول الكاتب إلي بتاع منشورات و«سياسجي» ونسي أنه فنان شغلته الفن والفن أولا. وفن الدراما مخلوق للجماهير.. يصل لها أولا بالإحساس والإدراك، ويشعل درجة عالية من الوعي باللحظة والتاريخ، أما أن تضحك علي الناس وتقدم لهم أجولة بشرية فارغة من الإنسانية، إذ هي مجرد «عبوات» ورموز واهية لن تؤكد عبقرية الكاتب لأنها لا تصل فعلا للناس - فهي رموز مستفزة - سهلة - خائبة، استخدمها الهواة من ثلاثين سنة وأكثر. وبقدر ما نشعر بالحزن الشديد للسوقية في استخدام لغة الحوار التي تصل أحيانا «للسوقية والانحطاط» بقدر ما نشعر أيضا بالحزن الشديد عندما يقسو الكاتب علي شخوصه ويجبرها علي أن تنطق حوارا شكله محترم لكنه أيضا سوقي من الناحية الفكرية، إذ يجعل الولد الطيب البائس الذي يعمل جرسونا - وخدمة لعمله «ينحني ويوطي» ويكفي هذا مبررا للمؤلف لكي يسبه ويسميه خداماً، وهذا الولد شخصية متكررة منذ أول إنسان باع نفسه للشيطان لقاء تفاحة، أعني من أول إنسان عاني «سؤال الاختيار» بين الضمير والإغراء - والإنسان كائن ضعيف يقع في الإغواء. هذا الولد الذي ينحني دائما أدبا واحتراما ونفاقا - يجعله يزداد «انحناء» ويزوجه لسيدة قبيحة أكبر منه تملك مالا ويسميها إمعانا في تحكيم القالب الفكري «سيادة» حتي يمكنه أن يدش رأسنا بعبارة ممجوجة «اللي عاوز السيادة ينحني» شوف حلاوة الدراما التي تشبه حل الفوازير - والحكم. وعندما تصفه العروس الحلوة التي باعت نفسها للأب القادر علي الدفع وفقا لقاعدة «الفقير يبيع نفسه»- تصفه بأنه خدام باع نفسه «للسيادة» ويجيب الخدام.. طيب ما انتي «جارية» بعت نفسك للي يدفع. اختصر مؤلف العالم -إلي خدم وجوار - أغنياء وفقراء بتوع كتب وبتوع حمامات وليس هكذا تكون الدراما العظيمة - بل الدراما الفجة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل