المحتوى الرئيسى

> ثقافة الانتحار نتاج عدمية التدين الشكلي

02/10 11:23

بعيدا عن عشرات الكتابات السطحية والتحريضية حول الدروس المستفادة من الثورة التونسية، تلك التي يغلب عليها الاسقاط، الابتزاز السياسي، التمنيات، علي غرار المثل الشعبي: "القرعة تتباهي بشعر بنت خالتها". مع كامل احترامنا لإرادة الشعب التونسي، وخصوصية الحالة التونيسية، من حيث سيادة الخطاب العلماني، ورقي الطبقة الوسطي، وغياب خطاب التدين الشكلي والخرافة، والانفتاح الانساني علي الغرب، وارتفاع نسبة الثقافة، واحترام المرأة معظم قادة حركات الاحتجاج كن بنات في عمر الزهور يرتدين ملابس الكاجوال ولا يعاني الشعب التونسي رغم بوليسية الدولة من الثقافة اللحمية، ثقافة التحرش الجنسي، ثقافة الاحتجاجات التي ترفع المصاحف، أو التي تهتف "بالروح بالدم نفديك يا صليب"، وحينما كنت اشاهد المظاهرات التونيسية التي كانت تهتف: "بالروح بالدم نفديك يا اتحاد" نسبة إلي اتحاد الشغل التونسي كنت اتذكر وأنا صحفي شاب أغطي أحداث بولندا 1978 وكيف كانت منظمة التضامن العمالية هي محور الثورة الشعبية البولندية. ولكن أعتقد أن السؤال الرئيسي الذي يشغلني الآن هو كيف يتأتي في بلدان مثل مصر والجزائر والأردن خاصة أن تحتفي النخب بالانتحار حرقا.. رغم أن تلك الشعوب غارقة حتي أذنيها في التدين الشكلي؟ وهل ثقافة الانتحار والعدمية صارت المعادل الموضوعي للبطولة والثورية في مفهوم النخب العربية التي تم إخصاؤها من قبل التيارات الدينية الوهابية التي تم استنباطها في مصر مؤخرا. بداية أطلت هذه الثقافة برأسها منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي تم عسكرتها وتديينها من قبل حركتي حماس والجهاد الاسلامي، حينما اقترنت رموز مختلفة ببعضها البعض: (البطولة - الانتحار - المقاومة - قتل المدنيين) وتمت شرعنة ذلك دينيا بعديد من الفتاوي كما اتفقت 17 حركة اسلامية جهادية علي شرعية جواز قتل المدنيين (انظركتاب "الصفقة" للباحث عبد الرحيم علي القاهرة 1999). ولست بصدد التوقف بشكل فقهي أو لاهوتي أمام ظاهرة العمليات الانتحارية، أو الاحتجاج الانتحاري، بقدر ما أود أن أشير إلي ثقافة المقاومة السلمية والسلبية التي تأسست علي التضحية بالذات دون الانتحار، مثال عصر الاستشهاد المسيحي الذي أسس للتقويم القبطي، وكذلك قصص الشهداء العظام الأوائل في الاسلام مثال: (حمزة سيد الشهداء -الحسين بن علي .. وغيرهما من الشهداء الذين لم ترتبط تضحياتهم بذاتهم بثقافة الانتحار بقدر ما كانت تكمن في الدخول في معركة غير متكافئة مع عدو باطش). وعلي الجانب الآخر فإن ثقافة حرق الذات هي ثقافة اسيوية هندوكية، ثم لحقت بالبوذية بعد انشقاق بوذا عن الهندوكية ومن ثم فهي ثقافة تقدس الانتحار حرقا كضرب من ضروب الاتحاد بالوجود، ومع كامل تقديري لكريم تلك المعتقدات فانها تختلف كليا مع ثقافة الاديان السماوية التي تقدس الجسد وتؤمن بالخلود والبعث بعد القيامة. إلا أن ثقافة ازدراء الجسد تسللت اولا إلي المسيحية عن طريق بدعة "مانو" تلك الهرطقة التي كافحها القديس "أوغسطينوس" في القرن الخامس الميلادي والغريب ان القديس اوغسطينوس هو مؤسس الكنيسة التونيسية والجزائرية حينذاك، كما تسللت إلي الاسلام عبر الفكر الوهابي رغم قاعدة " النفس أمارة بالسوء" وليس الجسد، ورغم ان اللاهوت المسيحي يعتبر أن الجسد مقدس، وأن المسيح تجسد، ولكن ورغم هذا كله نجد ان وسائل الاعلام المختلفة تتماهي عبر نخب مفلسة وإنتهازية مع تلك الثقافة العدمية غير الانسانية. الانفصام الحقيقي لا يكمن في ذلك فحسب، بل ان تحليل المضمون للكتابات التي تحتفي فيها اغلب النخب المعارضة في مصر لمثل هذه الثقافة العدمية يؤكد أن هذه النخب لا تدرك خصوصية مصر وطنا وشعبا، وباستثناء بضعة مقالات تعد علي اصابع اليد الواحدة فإن معظم ما كتب يجعل المواطن المصري العادي يخاف من التغيير او الثورة إذا كانت سوف ترتبط بالعنف والدماء والعدمية، ولا ابالغ ان قلت ان محاولات تسييد تلك الثقافة الانتحارية الغريبة عن الشعب المصري من قبل تلك النخب الانتهازية تؤخر مشروع التغيير من جهة، وتؤكد ما قد ذهبت اليه من قبل بأن مساحة وحجم الهامش المتاح من حرية التعبير أكبر بكثير من القدرات الذهنية والاحترافية لمعظم قادة الرأي وأصحاب التوكيلات الصحفية المرتبطة بالبيزنيس الفكري والصحفي في الاعلام المصري. رحم الله المنتحرين والوطن من تلك النخب، اللهم إني قد أبلغت اللهم فاشهد.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل