المحتوى الرئيسى

> البطولة الزائفة للمنتحر التونسي «محمد بوعزيزي»

02/10 11:23

 لم أستطع مقاومة الإدمان النفسي لدي في التفكير الهادئ المتأني لتحليل وإعادة قراءة كثير من عجائب وغرائب وطرائف ووقائع وأحداث منطقتنا العربية من زوايا أخري مختلفة، فلم أستطع مقاومة الإلحاح النفسي لدي للإدلاء برأيي في حادثة انتحار الشاب التونسي (محمد بوعزيزي) وما ترتب عليها من أحداث، فقد ذكرت إحدي الصحف أن (محمد بوعزيزي)، شاب تونسي قام بحرق نفسه، بعد أن تعرض للظلم من موظفين تونسيين، قاموا بسحب عربة الفاكهة التي يمتلكها، ورفضوا إعادتها إليه مرة أخري، علاوة علي إهانته وصفعه علي وجهه، مما أدي إلي تنحي الرئيس التونسي زين العابدين بن علي عن حكم البلاد بعد مطالبة الشعب له بالرحيل. وبما أننا (أجدع) أمة تجعل من الأراذل رموزا، ومن اللصوص شرفاء، ومن الحمقي والسفهاء حكماء، ومن القوادين أطهارا، ومن الخائنين رقباء، ومن الذئاب رعاة، ومن العملاء حماة، ومن الوهم بطولات، ومن العدم زعامات، ومن (الفسيخ شربات)، فقد تحول الشاب التونسي المنتحر بحرق نفسه (محمد بوعزيزي) بقدرة قادر وبين ليلة وضحاها إلي بطل قومي، بل ورمز من رموز الحرية والشجاعة والإباء، كما يروج كثير من الإعلام والإعلاميين العرب فاقدي الوعي، وفاقدي المعرفة والعلم، ولا أدري أي بطولة أو زعامة أو رمزية أو حرية أو شجاعة بدت من هذا المنتحر المتآمر علي نفسه والقاتل لها عدوانا وظلما وجبنا وخوفا. إن نظرة كثير من العرب لهذا المنتحر علي أنه بطل ورمز وطني حر تذكرني بقصة رجل صعيدي اسمه (محمد مهران) كان يعيش في قرية مجاورة لقريتي، هذا الرجل أرهقته زوجته بسلاطة لسانها، وكثرة مشاكلها، ومعاركها المستمرة معه، فقرر فجأة أن يترك بيته ويستريح من زوجته ويعيش فوق شجرة (جميز) علي مشارف القرية، وبالفعل قام بضم بعض فروع الشجرة وربط بعضها ببعض حتي جعل منها مضجعا ينام عليه ومجلسا يجلس فيه، وكان الناس من أهل القرية يتصدقون عليه ببعض الطعام والخبز. فكان بعض الصبية يتسلقون الشجرة ليناولوه الطعام والخبز والماء، فقضي فوق الشجرة ما يقرب من سبع سنين، ثم قرر فجأة أن ينزل من فوق الشجرة، وقرر فجأة أن يخلع ملابسه بالكامل دون أن يترك منها شيئا واحدا يستر جسده، وقرر ألا يرتدي ملابس مدي الحياة، واستبدل بالملابس (بطانية) يلتف بها ويستر بها جسده، وأخذ يطوف بالقري المجاورة ويقيم في المساجد والزوايا، وادعي أنه جاءه أمر إلهي بذلك، فصدقه الناس حتي أصبح حالة، وظاهرة، ووليا من أولياء الله الصالحين، وتم تلقيبه بـ (الشيخ محمد أبو بطانية)، واتبعه المئات والآلاف من المريدين والمحبين والأشياع والأتباع، وقد شاهدته أنا شخصيا بأم عيني قبل موته حين كان يزور قريتنا وهو ملتف ببطانيته. وكنت صبيا في الصف الرابع الابتدائي، وتسابقت مع الأطفال والكبار رجالا ونساء للسلام عليه، وكنت يومها مرعوبا منه، من كثرة ما سمعت عنه من كرامات كاذبة ومعجزات زائفة تشيب لها الرؤوس، ولما مات هذا الرجل تحول بقدرة قادر وبين ليلة وضحاها إلي (الشيخ محمد أبو بطانية) أحد أولياء الله الصالحين، وبعد موته قام أتباعه من الحمقي والسفهاء والسذج ببناء مسجد علي ضريحه، أصبح ذلك الضريح بين ليلة وضحاها مزارا دينيا يأتيه الناس من كل فج عميق من قري الصعيد المجاورة، طلبا للبركة والنفحات ونيل الرضا والقبول عند الله، بل ومن المفارقات العجيبة أن هذا الشيخ الفار من زوجته، الهارب منها، المتمرد عليها، أصبح ملاذا وملجأ لكل عقيم تريد أن تصبح حبلي، ولكل من تريد أن يهدي الله لها زوجها الشارد المتمرد عليها. هذا بالمثل ما فعله الشعب التونسي وما فعلته الشعوب العربية مع المنتحر التونسي حارق نفسه وقاتلها ظلما وعدوانا وخوفا وجبنا (محمد بو عزيزي)، فـ (محمد بوعزيزي) ما هو إلا شخص ضعيف، جبان، هش الإرادة، خائر النفس، واهن الشجاعة، فاتر العزيمة، خاوي الروح، خائف من بطش الطاغوت، فبدلا من أن يقتل خوفه، وينحر جبنه، ويواجه بطش الطاغوت، ويقتحم حصنه، ويحطم سده، ويكسر حواجزه، وبدلا من أن يجعل من جسده درعا لصد جحافله، ومن دمائه رصاصة تنفجر في رصاصاته، وبدلا من أن يجعل من دمائه لعنة تلاحق الطاغوت، فتقض مضجعه، وتؤرق نومه، وتزلزل عرشه، وتهز أركان ملكه، تآمر مع الطاغوت ضد نفسه، وأصبح جندا له علي نفسه، فأحرق نفسه، فبرأ الطاغوت من خطيئته، وفسر له جرائمه، وأعانه في العدوان علي نفسه، وقاسمه في ظلم نفسه. إذ ما ذنب نفس تغص بمرارة الظلم والعدوان والخوف، يقتلها صاحبها ظلما وعدوانا وخوفا، فيزيد إلي مرارة ظلمها ظلما، ويزيد إلي مرارة عدوانها عدوانا، لقد صدق الحق سبحانه إذ قال: (وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً(29) وَمَن يفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَي اللَّّهِ يسِيراً (30_ النساء). إن الأبطال الحقيقيين والزعماء الحقيقيين ورموز الحرية الحقيقيين والشجعان الحقيقيين، الذين يجب أن تخلد ذكراهم، وينحني الناس لهم إجلالا واحتراما، هم أولئك التونسيون الأبطال، الذين صعروا للطاغوت خدهم، هم أولئك الذين تدفقت دماؤهم، وتحولت إلي رصاصات وبنادق، فكانت أشد فتكا وأكثر انفجارا وأدق تصويبا من رصاصات وبنادق جحافل الطاغوت، هم أولئك الذين هرولت الجحافل أمامهم خشية أن يحترقوا بدمائهم الزكية أو تلاحقهم أرواحهم الطاهرة، وليس البطل من يحرق نفسه عدوانا وظلما وجبنا وخوفا، وليس بطلا من يهرب ليعيش فوق الشجرة. باحث إسلامي

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل