المحتوى الرئيسى

> الفساد حينما يتحول إلي مرض مزمن: الفلبين مثالاً

02/10 11:23

قلنا وكررنا في مقالات سابقة عديدة أن الفساد في الفلبين مرض مزمن، ليس من السهولة لأي حكومة أن تقتلعه من جذوره، أو حتي التخفيف من وطأته بالقضاء علي بعض مظاهره المزكمة للأنوف.. ودليلنا أن هذه البلاد تأتي في المرتبة 134 علي قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم والتي تضم 178 دولة. غير أن الرئيس الفلبيني الجديد «نوي نوي أكينو»، الذي اكتسح منافسيه وفاز بالرئاسة في انتخابات مايو 2010 الرئاسية خلفا للرئيسة المنتهية ولايتها «جلوريا أرويو ماكباجال»، وضع علي رأس أولويات برنامجه الانتخابي هدف القضاء علي الفساد في أجهزة الدولة البيروقراطية، فدغدغ بذلك عواطف قطاع واسع من الجماهير الفلبينية التي عانت طويلا من هدر أموال وثروة بلادها علي أيدي الساسة والوزراء والنواب المتنفذين، اضافة إلي رموز المؤسستين الأمنية والعسكرية. وربما لولا إيلائه الأولوية القصوي في برنامجه الانتخابي لعملية القضاء علي الفساد والمفسدين، ومحاسبة كل من أثري واستنفع دون وجه حق خلال إدارة سلفه، والتحقيق في مخالفات مالية جسيمة ارتكبتها شخصيات مرتبطة بالرئيسة السابقة «أرويو» لما تمكن الرجل بسهولة من تجاوز منافسين كبار من ذوي النفوذ والسيطرة داخل مجتمع المال والأعمال الفلبيني. والحقيقة أن الرئيس الجديد الشاب سارع فور توليه سلطاته الدستورية في يونيو المنصرم إلي البدء في تحقيق وعوده لشعبه، فأصدر قرارا جمهوريا بإنشاء ما سُمي بـ«مفوضية الحقيقة والمساءلة» وذلك بهدف التحقيق في جميع الإدعاءات والقضايا الخاصة بالفساد واستغلال السلطة أثناء السنوات التسع في حكم السيدة «أرويو» بل إنه أتبع القرار المذكور بخطوات أخري تمثلت في الاستغناء عن خدمات المئات من موظفي الدولة ممن عينتهم الادارة السابقة في مناصب حساسة دون الالتزام بالقواعد والاشتراطات القانونية المتبعة في مثل هذه الحالات، علما بأن معظم الذين تم طردهم كانوا قد منحوا وظائفهم، معطوفة علي صلاحيات واسعة، فقط بهدف التغطية علي ممارسات حكومية سابقة غير مشروعة، ووضع العراقيل أمام لجان التقصي البرلمانية. وإذا ما عدنا إلي الحديث عن «مفوضية الحقيقة والمساءلة» كجهاز مستقل، نجد أن بعض المراقبين يحذوهم الأمل في أن تتمكن من فعل شيء حقيقي وملموس خلال المدة الممنوح لها والتي تنتهي مع نهاية عام 2011، خصوصا أنه أدرج ضمن مهامها التقصي تحديدا عن 23 ملف فساد يتعلق بالسيدة «أرويو» وعائلتها، ومُنحت صلاحياتها واسعة لجلب كل من تحوم حوله الشبهات للعدالة، ناهيك عن وضع شخصية معروفة بنزاهتها علي رأسها، ونعني بها قاضي المحكمة العليا «هيلاريو دافيد الثاني» الذي سوف يرفع توصياته إلي رئيس الجمهورية ومجلسي الشيوخ والنواب للنظر فيها واتخاذ ما يلزم من إجراءات. غير أن هناك من المراقبين من يزعم باستحالة حدوث أي تطور إيجابي علي هذا الصعيد، بل ويتوقع فشل المفوضية المذكورة في مهامها، وبالتالي تصدع الائتلاف الحاكم في وقت لاحق من العام الجاري.. وهؤلاء يبنون توقعاتهم علي أربعة عوامل.أولها: تضارب المصالح وتباين التوجهات السياسية للقوي الداخلة في الائتلاف الحاكم، خصوصا أن الرئيس «أكينو» لم يبن لنفسه قاعدة سياسية وحزبية قوية قبل قراره خوض الانتخابات الرئاسية، مراهنا فقط علي شعبية والديه «زعيم المعارضة الأسبق وشهيد الديمقراطية بنينو أكينو، ورئيسة الجمهورية الأسبق كورازون أكينو» في أوساط الجماهير. وثانيها: النفوذ الطاغي الذي زرعته السيدة «جلوريا أرويو» وزوجها رجل الاعمال «مايك أرويو» لنفسيهما وعائلتيهما داخل مفاصل الدولة الفلبينية خلال عهد طويل امتد من عام 2001 وحتي عام 2010 ولعل أكبر دليل علي مدي تجذر النفوذ المذكور، أن الرئيسة السابقة وزوجها نجحا أكثر من مرة خلال فترة وجودها في قصر «مالاكانيان» الرئاسي في التهرب من المساءلة البرلمانية، ومواصلة فسادهما وهو ما أزعج صغار ضباط المؤسسة العسكرية وقادهم مرارا إلي العصيان وتدبير محاولات الانقلاب علي الحكم المدني..وكان أبرز تلك المحاولات ما حدث في 27 يوليو 2003، حينما قام جنود يقودهم الكابتن في الجيش «جيراردو جامبالا» والملازم أول بحري «أنتونيو تريلانس الرابع» باحتلال مجمع تجاري كبير في حي المال والاعمال الراقي المعروف باسم «مكاتي». وثالثا: احتلال السيدة «ارويو» حاليا لمقعد في مجلس النواب الذي يسيطر عليه أنصارها ومحازبوها.. وهؤلاء قاموا مؤخرا بالتكتل من أجل اسقاط قرار الرئيس «أكينو» بتشكيل «مفوضية الحقيقة والمساءلة» زاعمين أن قيامها يعتبر عملا غير دستوري.. حيث تقدم النائب «إدسيل لاكمان» المعروف بصلاته الوثيقة مع عائلة «أرويو» بالتماس للمحكمة الدستورية للطعن في شرعية تأسيس المفوضية.. وبالمثل، زعمت النائبة اليسارية المشاغبة «مريم ديفنسو سانتياجو» بأن صلاحيات المفوضية تتشابك وتتعارض مع صلاحيات «دائرة التظلمات» المختصة بالنظر في مخالفات الأجهزة البيروقراطية، علما بأن هذه الدائرة تقودها السيدة «مرسيديتاس جوتييرز» التي عينتها «أرويو» في عام 2005 بتوصية من زوجها «مايك أرويو» الذي كان زميلا لها في المدرسة.. وردا علي هذا الجميل، بذلت «مرسيديتاس» كل ما في وسعها لتأجيل النظر في الدعاوي المرفوعة ضد الرئيسة السابقة، أو رفضها من الأساس. أما العامل الرابع فهو وجود مجلس للشيوخ السيطرة فيه لأنصار وحلفاء المرشح الرئاسي الفاشل «مانويل فيلار الثاني» الذي ناقش الرئيس «أكينو» في انتخابات مايو الرئاسية، وحل ثانيا، علما بأنه دارت شائعات قوية وقتذاك قالت إن «فيلار» إنما دخل المعترك الانتخابي بتأييد مبطن من «أرويو»، وضمن صفقة سياسية تضمن للأخيرة «عدم نبش ملفات الفساد في عهدها» في حالة وصول «فيلار» إلي قصر «مالاكانيان». قلنا آنفا إن هناك 23 ملفا للفساد أمام «مفوضية الحقيقة والمساءلة»، لعل أهمها هو ذلك الخاص بمشروع الشبكة الوطنية للاتصالات ذات الترددات العالية والذي منحت حكومة «أرويو» تنفيذها لشركة صينية بمبلغ 329 مليون دولار، قبل أن يلغيها البرلمان لاكتشاف مخالفات فاضحة في طريقة ترسيتها، والاكتساب غير المشروع من ورائها. ثم يأتي بعد ذلك ملف الخروقات التي ارتكبتها الإدارة السابقة لجهة تزوير انتخابات العام 2004 لصالح «أرويو». وهناك أيضًا ملف فساد لا يقل أهمية هو اختفاء وسرقة تسعة بلايين دولار من أصل عشرة بلايين مخصصة لتنمية ولاية «كورازون». حيث تم التعتيم علي هذا الأمر وتمييعه بحجة أن البلاد لا يمكنها الالتهاء بهذه القضية، لأنها ـ كما قيل وقتذاك ـ في حاجة ماسة للوحدة والتضامن للوقوف في وجه الحركات الإرهابية والانفصالية، وتهديدات العسكر ضد الديمقراطية. باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين [email protected]

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل