> لبنان مستعمرة إيرانية بتواطؤ عربي
ما الذي يجمع بين العراق وفلسطين ولبنان؟ السؤال بات مطروحا في ضوء تكليف السيد نجيب ميقاتي تشكيل حكومة لبنانية جديدة نتيجة تحول الأقلية النيابية في لبنان إلي أكثرية، حصل ذلك بقدرة قادر في اقلّ من اسبوع.. وهذا يفرض النظر إلي الموضوع اللبناني من زاوية مختلفة هي الزاوية الاقليمية، للمرة الأولي في تاريخ لبنان، تتحكم إيران بالوطن الصغير إلي حدّ تفرض فيه رئيسا لمجلس الوزراء وتضع في الوقت ذاته فيتو علي شخصية معينة هي السيد سعد الحريري.ماذا حصل عمليا في لبنان؟ كل ما في الأمر أن "حزب الله" وهو ميليشيا إيرانية مسلحة عناصرها لبنانية "أوحت" بطريقتها الخاصة للزعيم الدرزي السيد وليد جنبلاط بأن عليه الانقضاض علي سعد الحريري.. أخذ وليد جنبلاط نفسه وستة من نوابه إلي مكان آخر.. ترافق ذلك مع "إقناع" سوري لميقاتي بضرورة قبول أن يكون رئيسا لمجلس الوزراء نظرا إلي أن المهم في هذه المرحلة التخلص من سعد الحريري بأي شكل كان نظرا إلي أنه متمسك بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان. لا شك أن الرئيس المكلف، وهو رجل عاقل يمتلك نوعا خاصا جدّا من الذكاء الحاد، ما كان ليقدم علي هذه المغامرة لولا اشارات من دوائر عربية معينة من بينها المملكة العربية السعودية التي تغاضت ايضا عن انتقال شخص مثل النائب والوزير محمد الصفدي إلي الضفة الاخري. وهكذا، استطاع نجيب ميقاتي الحصول علي ثمانية وستين صوتا في الاستشارات الملزمة التي اجراها رئيس الجمهورية، في مقابل ستين صوتا لسعد الحريري، هل هناك من يتجرأ علي كشف حقيقة ما حصل في لبنان والتعاطي مع الوضع الجديد في الوطن الصغير من منطلق أنه صار مستعمرة إيرانية لا أكثر ولا أقلّ بمباركة سورية وتواطؤ عربي؟ أكدت طهران مرة أخري أن بيروت ليست سوي ميناء إيراني علي المتوسط وأن في استطاعتها أن تفعل فيها ما تشاء وحتي أن تحتلها عسكريا كما حصل ابان غزوة السابع والثامن من مايو 2008. كانت غزوة بيروت تلك، التي ترافقت مع إخضاع الجبل الدرزي في ظل صمت دولي مريب، اشارة إلي أن ليس هناك من يريد الوقوف مع اللبنانيين وان عليهم أن يتدبروا أمورهم بأيديهم وان يقفوا وحيدين في مواجهة ثقافة الموت التي لم يجد شخص مثل وليد جنبلاط خيارا آخر غير الرضوح لها، فكان ما كان... وانتهي الأمر بحصول نجيب ميقاتي علي تأييد أكثرية النواب في الاستشارات الملزمة التي اجراها الرئيس ميشال سليمان في التوقيت الذي شاءه خصوم سعد الحريري. لا اعتراض علي شخص نجيب ميقاتي ومؤهلاته التي تتيح نقل البلد إلي وضع افضل في ظروف طبيعية غير الظروف الراهنة. المشكلة في مكان آخر نظرا الي أنه بات في استطاعة ايران التأكيد الآن انها تستطيع فرض رئيس للوزراء علي لبنان.. تماما كما فعلت في العراق. في العراق، وضعت فيتو علي الدكتور إياد علاّوي صاحب أكبر كتلة في مجلس النواب، وأصرت علي ان يكون نوري المالكي رئيسا للوزراء.. اتت له بدعم من عدوه اللدود مقتدي الصدر الذي تحول بين ليلة وضحاها الي حليف للمالكي. الأكيد أنه ليس في الإمكان إجراء مقارنة بين شخصي مقتدي الصدر ونجيب ميقاتي، خصوصا أن الأخير يظهر من خلال تصريحاته أنه مصرّ علي ان يكون علي مسافة واحدة من الجميع. يفعل ذلك علي الرغم من ان اداة الأدوات التي اسمها النائب ميشال عون تفتخر بأن الرئيس ميقاتي كان مرشح الثامن من آذار، أي أنه مرشح الفريق اللبناني الذي يخشي المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ويسعي إلي تعطيلها بتعليمات من دمشق وطهران! بفضل سلاح "حزب الله"، صارت الاقلية أكثرية، لم يعد سرّا ان وظيفة هذا السلاح استكمال وضع اليد الإيرانية علي لبنان علي غرار ما حصل في العراق، حيث باتت هناك دوائر حكومية لا يتحدث الموظفون فيها في ما بينهم سوي بالفارسية، يحصل ذلك فيما الحكومة العراقية تتفرج وفيما لا همّ للامريكيين سوي البحث عن التزام موعد الانسحاب العسكري من البلد، يحصل ذلك أيضا فيما يتحدث رئيس السلطة الوطنية السيد محمود عبّاس (أبو مازن) بالفم الملآن عن ان "إيران لا تسمح لحماس بتوقيع" وثيقة المصالحة الفلسطينية التي كانت وافقت عليها في الماضي، أصبحت إيران صاحبة الكلمة الأولي والأخيرة في فلسطين.. في استطاعتها ان تقرر ما إذا كانت هناك مصالحة فلسطينية ام لا؟ مرة أخري، لا مشكلة للبنانيين مع شخصية نجيب ميقاتي، علي الرغم مما يصدر عن بعض السنة السوء. تكمن المشكلة في تحول الاقلية الي اكثرية والاكثرية الي اقلية في أقلّ من اسبوع، فسعد الحريري ليس زعيما سنيا فحسب، بل هو زعيم درزي ومسيحي بامتياز، خصوصا في ضوء الهبوط الكبير في شعبية النائب ميشال عون الذي لم يعد تهريجه ينطلي علي أحد، هو الذي لا يستطيع أن يوصل نائبا الي مجلس النواب من دون اصوات "حزب الله"... أكثر من ذلك، ان كل شيعي لبناني يمتلك حدا ادني من الحس الوطني والعربي، انما ينتمي إلي التيار الاستقلالي الذي يعتبر سعد الحريري رمزا من رموزه. دخل نجيب ميقاتي نادي رؤساء الوزارة في لبنان في العام 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، لم يكن عليه - وقتذاك - الإجابة عن اي سؤال باستثناء الاشراف النزيه علي انتخابات نيابية. نجح في ذلك الي حدّ كبير. في السنة 2011، يبدو الوضع مختلفا كليا لا لشيء سوي لأنه بات عليه الاجابة عن مجموعة كبيرة من الاسئلة في مقدمها السؤال المتعلق بموقف الحكومة اللبنانية من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، هل في استطاعة شخصية تمتلك كل هذا الرصيد في لبنان وتلك الشبكة الواسعة من العلاقات العربية والدولية بدءا بسوريا وانتهاء بالسعودية وتركيا - رجب طيب اردوغان - مرورا بقطر وفرنسا الوقوف في وجه المحكمة؟ بكلام اوضح، هل يمكن لرئيس حكومة لبنان الانصياع لثقافة الموت والاغتيالات؟ هل يمكن لرئيس مجلس الوزراء السنّي في لبنان نقل لبنان من الوصاية السورية إلي الوصاية الإيرانية بمشاركة سورية؟ بكلام اكثر وضوحا أيضا هل يمكن لرئيس مجلس الوزراء في لبنان قبول الوصول إلي هذا الموقع عن طريق سلاح "حزب الله" المذهبي الذي يقاوم كل ما هو حضاري أو يمت الي العروبة الصادقة الحضارية بصلة في لبنان والعراق وفلسطين والمنطقة؟
Comments