المحتوى الرئيسى

> «روزاليوسف» في سجن جوبا (1 - 2 )

02/10 11:23

من داخل سجن جوبا الذي تمتد أسواره ذات الأسلاك الشائكة عاليا.. كان السجناء يجلسون في دوائر للعب ورق البوكر والدومينو.. بعد أن انتهوا من التصويت بمركز الاستفتاء الذي تمت اقامته داخل السجن .. «روزاليوسف» كان لها السبق بالدخول الي ساحة السجن والتجول داخل الزنازين لما يزيد علي ساعتين.. بل الدخول الي عنبر الموت وهو الذي يعزل فيه المحكوم عليهم بالإعدام والمسجلون خطر.. وكان لنا جولة أيضا مع المسجونات في الجهة الأخري للسجن حيث كان الأطفال يشاركن أمهاتهم العقوبة في زنزانة واحدة. اقتربنا من السجناء لنسمع قصصا أغرب من الخيال.. فكان هناك الرجل السوبر الذي قتل 130 شخصا وأيضا المسجونة التي خدعها حبيبها وألقي بها وجنينها خلف الأسوار.. السجناء جميعا أكدوا أنهم صوتوا للانفصال وحتي أصحاب البدل البيضاء الذين لا يفصلهم الا ايام عن الوقوف أمام حبل المشنقة اختاروا الانفصال ليموتون علي الحق علي حد قولهم.. قاتل السارقة جاسيت واني ليجي والمتهم بجريمة قتل عمد لسيدة.. ومحكوم عليه بالاعدام شنقا.. يقول أعرف انني ارتكبت جريمة القتل ولكن لم يكن قتلها هو المقصود.. وقمت بالتصويت في الاستفتاء لصالح انفصال جنوب السودان , وعندما سألناه عن السبب قال إنه الظلم اكثر من اللازم شاهدت بنفسي عمايلهم السوداء وهم يقتلون ورغم أن المتمردين كانوا في الغابات الا انهم يقتلون المواطنين .. المسجون الذي كنا نقف في البداية علي مسافة منه علي أعتاب عنبر "الإعدام " تنفيذا لتعليمات الأمن داخل السجن وظل وكأنه يهذي يردد"ليه..ليه" حاولنا ان نفهم ما يعنيه تحديدا من كلامه الا انه كان مصرا علي الحديث دون ان يستمع لنا.. أنا قتلت السيدة ولم أكن أنوي قتلها وأدفع ثمن ذلك بالوقوف امام حبل الموت ولهذا أعطيت صوتي للانفصال ليكون ضميري مرتاحا.. وهنا في السجن اتابع عبر جهاز الراديو كل الأحداث.. ومازالوا يمارسون العنف ويستخدمون السلاح حتي بعد اتفاقية السلام في كل مكان يقتلون.. وانا طلبت دفع الدية ولم يستجب لي أحد.. وأنا مسيحي وليس من المفروض أن يعاملوني بهذه الطريقة ولكنني مجبور. اقتربنا من المحكوم عليه بالاعدام والذي كان يرتدي بدلة بيضاء هي الزي الرسمي لجميع السجناء بينما لا يفرقه عن السجناء المحكوم عليهم بالسجن سوي أن قدمه مكبلة دائما بالسلاسل.. حاولنا التفاهم معه وهو في فورة انفعاله.. أنت تصرخ وتتهم الآخرين بالقتلة بينما أنت قاتل.. فعقب قتلت سيدة سرقتني لاحقتها وقتلتها ليس عن عمد ولم أكن أقصد قتلها.. وأهلها ارتضوا بدفع الدية مؤخرا ومع ذلك مازلت في انتظار الشنق.. ارتضيت بدفع الدية في سارقة وأنا مسيحي.. والقانون الشمالي لا يجد لي مخرجا لأظل علي قيد الحياة. ساعة الموت تركنا قاتل السارقة لنخطو باتجاه الدخول الي عنبر الموت والذي يحوي حوالي 55 من المحكوم عليهم بالاعدام .. عدد من الزنازين الضيقة جدا تصطف في طرقة ساحة بها عدد من الأشجار يجلس تحت كل شجرة مجموعة ممن ينتظرون الموت وهم لا يخرجون من غرفهم إلا بعد التأكد من مرور ساعة الموت التي تأخذ مع مطلع شمس كل يوم واحدا من بينهم الي غرفة المشنقة التي تقع في الجانب الآخر من عنابرهم واحيانا تمر أياما تاركة الجميع يهنأ بلعب الدومينو وورق "الكوتشينا". عدد من الجراكن بعضها مليء بالمياه، وآخر فارغ يستخدمونها للشرب وبعضها قريب من الحمام العمومي في آخر ساحة العنبر وتفوح منها رائحة كريهة تنتشر في العنبر كله. وما أن خطونا عدة خطوات الي الداخل حتي وقعت عيوننا علي "انجلو واني".. هذا الشاب النحيف جدا وكأنه قطع الزاد من شهور كان باب زنزانته موارباً قليلاً يجلس علي ركبتيه وحيدا منفصلاً عن باقي المساجين المحكوم عليهم بالإعدام ,وينزوي ليقرأ في كتاب أسفل نافذة زنزانته الضيقة، فسألناه وكانت عيناه تنظر لنا باستغراب ودهشة وكأن أحدا لم يتحدث اليه من زمن.. ماذا تقرأ؟ فأجاب :الكتاب المقدس.. حبل المشنقة انجلو احمرت عيناه وهو يحدثنا عن كيفية اتهامه بقتل طفلة صغيرة عمدا.. لم نر أي دموع تقترب ولكن وجدنا حزنا شديدا.. ويبدو علي ملامحه تعبيرات اقرب ليس لليأس بقدر ما هي نظرات زائغة لهذا العالم الذي سيتركه بعد أيام.. وصف لنا كيف كانت حياته قبل الحادث، وكيف كان يرعي ابقاره ثم انقلبت حياته شقاء بعد مشاجرة في حظيرة الأبقار نتج عنها أن القت احدي الأمهات بطفلها الذي دهسته احدي الأبقار , وتم اتهامه هو بقتل الطفل عمداً. الله يساعدني.. وأشعر بالطمأنينة ,والاقتراب من حبل المشنقة لم يعد كابوساً كلمات قالها "واني", الذي يقضي كل أوقاته مع الكتاب المقدس , اقتناعا منه كما يروي.. أن من يظلم في الدنيا لن يظلمه ربه عند الموت ... والغريب أن واني كان حريصاً علي أن يكون في أول صفوف السجناء الذين اصطفوا في اليوم الأول لاستفتاء تقرير مصير جنوب السودان أمام مركز الاقتراع المقابل لباب السجن، ويؤكد أنه أدلي بصوته للانفصال.. وعندما سألناه عن السبب قال إنه حق الجنوب بعد سنوات من المعاناة.. فبادرناه: وما شأن من يستعد للموت بهذا.. فعقب قائلا له كل الشأن علي الأقل يموت بحقه. قاتل المائة أحمد عمر.. قام بقتل 130 شخصًا وعمره لا يتجاوز 22 عاما وعندما استغربنا من هذا الكم من جرائم القتل التي ارتكبها.. علق بأنه هو الآخر أكثر استغرابا حيث كان يعمل ميكانيكي سيارات ونشبت مشاجرة بين أفراد الحلة التي يعمل بها وعشيرة أخري , فبدأ بالدفاع عن نفسه خاصة ويستطرد وكأنه يتذكر الأحداث قائلا: كنت أدافع عن نفسي واستخدم كل ما تطاله يدي بقوة وعنف لأتخلص منهم لأنهم كانوا يريدون قتلي ولم أعرف أن كل ما كنت أبعده عن طريقي كان يسقط قتيلا ولم أكن أعلم كم عددهم وربما من بينهم من قتل في المشاجرة لأسباب أخري الا أنني من تم اتهامه بقتل الجميع فأنا غريب في هذه الحلة وعشيرتي تعيش في غرب السودان. ويستطرد عمر بأن حكم الاعدام أصلا من الشريعة لكنني لا أريده ,وأنتمي لغرب السودان وليس لي حق التصويت في الاستفتاء ونصيحتي للجنوبيين أن يري كل فرد مصلحة نفسه واذا كانت هذه المصلحة مع الانفصال فليختره. ويضيف "الواحد هنا بين الزملاء الذين يواجهون نفس المصير أصبح مقتنعا بالقسمة والنصيب".. أما عن أمنياته وهو يستعد للموت فرفع عينيه الي السماء وقال إنه كان يتمني أن يري أحدا من عشيرته قبل تنفيذ الحكم إلا إنه يدرك بأن تكاليف السفر من غرب السودان الي جوبا والتوترات القائمة ربما هي السبب الرئيسي وراء عدم زيارتهم له خلال الفترة الماضية.. وهو لا يتمني أبدا رؤية أمه ولا أحد من إخوته وهو يستعد للموت من حقهم أن يمارسوا حياتهم دون أن يمثل لهم ذكري سيئة.. المسجون البديل فيصل عبدالعزيز شاب جنوبي تعود قصة اعتقاله الي مقتل صديق له في القاهرة علي يد صديق لهم ثالث يدعي خالد خميس منذ عام 2005 علي حد قوله , حيث كانوا يدرسون في معهد الإسكندرية للصيانة. وقال إن الجريمة وقعت في مكان سكنهم بعين شمس شارع ابراهيم عبدالرازق علي خلفية خناقة بينهما وبعد أن أنهي الدراسة في القاهرة وعاد في عام 2010 اشتبه اهل المتوفي فيه وقدموا بلاغا ضده وتم حبسه علي تلك الخلفية في اكتوبر الماضي لان المجني عليه علي صلة قرابة بوزير التخطيط في حكومة الجنوب. ويضيف أن محضر الحادث جاء من القاهرة ولايوجد أي دليل اثبات ضده وأن خالد الذي قام بالجريمة تم حبسه في القاهرة ومحاكمته، وهو مسجون حاليا في سجن ابوزعبل ومحكوم عليه بـ13 سنة سجن. وأوضح أنه لم يدل بصوته في الاستفتاء لأنه من جبال النوبة التي من المقرر أن يجري لها استفتاء خاص ليحدد أهلها الانضمام الي الشمال او الجنوب وقال إنه يفضل الانضمام للشمال لأنه دخل السجن في الجنوب بدون ذنب. مررنا بمركز الاستفتاء المقابل لأبواب سجن جوبا وكنا في اليوم قبل الأخير من غلق باب التصويت، وكان من المفترض أن كافة السجناء انتهوا من أعمال التصويت في اليوم الأول والثاني إلا أننا التقينا أمام صندوق الاقتراع "تشارلز".. شاب جنوبي أفرج عنه يوم 7 يناير قبل بدء التصويت وعاد ليدلي بصوته في مركز استفتاء السجن حيث إنه تخصص سرقة ونشل وقام بالتسجيل وقت أن كان مازال سجينا.. تشارلز يقول إنه كان متهما بسرقة موتور واعتقل في 18 اكتوبر الماضي. وأكد تشارلز انه حضر ليدلي بصوته لأنهم يريدون الحرية والاستقلال، وقال إن اسرته كانت تسكن في الخرطوم وعادت حاليا من أجل الاستفتاء. فى حلقة الغد       الأطفال يشاركون أمهاتهم العقوبة فى زنزانة واحدة

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل