المحتوى الرئيسى

آخر الأخبار:السودان: إفرازات العلاقة الصعبة بين الشمال والجنوب

02/10 01:01

ها هو الاستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان ينفض وسط اقبال جنوبي على التصويت، وصف بـ "القياسي". وهو التصويت الذي قد يؤدي - مالم تحدث معجزة - الى انفصال جنوب السودان، وتشظي السودان ذلك البلد الكبير الذي طالما وصف في السابق بأنه بلد المليون ميل واكبر الدول الافريقية من حيث المساحة. برنامج تحقيق الإذاعي: السودان والعلاقة الصعبة بين الشمال والجنوب برنامج تحقيقي استقصائي تقدمة إذاعة بي بي سي العربية، من مناطق مختلفة في العالم، هنا محمد خالد يتناول في الحلقة الأولى من "تحقيق" علاقة الشمال والجنوب في السودان .لاستخدام هذا الملف لابد من تشغيل برنامج النصوص "جافا"، وأحدث الإصدارات من برنامج "فلاش بلاير" أحدث إصدارات برنامج "فلاش بلاير" متاحة هنا يمكن التشغيل باستخدام برنامج "ريال بلاير"، أو "ويندوز ميديا بلاير" مخاض الدولة الجديدة كان عسيرا للغاية، فالخلافات المحتدمة بين الشمال والجنوب في كل شيء تقريبا لم تحل حتى بدء الاستفتاء في التاسع من يناير/ كانون الثاني، بدءا من الاستفتاء في منطقة ابيي والذي كان يفترض ان يبدأ بالتوازي مع الاستفتاء الرئيسي، ومرورا بقضايا الحدود، والمواطنة، والديون الخارجية، وغيرها. ورغم ذلك، تبارى الساسة في الشمال والجنوب على اطلاق التصريحات التي تؤكد التسليم بنتائج الاستفتاء، وعلى تأكيد التعايش بين الشمال والجنوب في حال الانفصال، الا ان تلك التصريحات لم تنجح في تهدئة قلق كثيرين في الشمال والجنوبيين من الذين يدركون جيدا أن حياتهم بعد الانفصال المحتمل ستكون على المحك. هؤلاء القلقون، وهم كثر، جاءوا من رحم العلاقة المضطربة التي ربطت بين الشمال والجنوب، تلك العلاقة التي كان عنوانها العريض هو الدماء والمرارات وسوء الفهم. جنوبيون في الشمال بيتر كايا وعائلته...انتظار المجهول أحد هؤلاء الذين تربك فكرة الانفصال حياتهم، هو بيتر كايا بنقاس، الذي يتحدر من منطقة يرول بجنوب السودان، وجاء الى الخرطوم قبل 35 عاما. وقد طاب المقام طويلا لبيتر في الشمال، وتزوج من امرأتين شماليتين وانجب منهما عشرة ابناء. يقول بيتر إنه جاء الى الشمال مدفوعا بالبحث عن طلب العلم والرزق، خاصة إنه سمع في قريته الصغيرة في منطقة يرول الكثير من احاديث العائدين من الشمال عن توفر الكثير من فرص العمل، وكذلك إمكانية الدراسة في وقت متزامن. حسبما ما يؤكد بيتر فانه ظل هانئا في الشمال، واندمج مع المكان بشكل كلي، واصبحت لديه الكثير من العلاقات مع الشماليين توجها بزواجه الاول من زوجته الكبرى، والتي تنتمي لمنطقة النيل الابيض والتي انجب منها خمسة ابناء. وزواج الجنوبيين من الشماليات امر نادر بالفعل، ويثير انزعاجاً لدى المجتمعات الشمالية، لكن بيتر كايا تمكن من تخطي هذه الحواجز بشكل سلس. يقول بيتر في هذا الخصوص: "كان مهر زواجي الاول هو اعلان اسلامي. وقد استغرب اقاربي في الخرطوم عندما طلبت منهم التقدم لاسرة زوجتي كي يخطبوها لي قائلين إن الشماليين قد لا يوافقون على تزويج بناتهم للجنوبيين لكنهم قاموا بالمحاولة ونجحوا". لكن رياح تقرير المصير هبت على بيتر على حين غرة. وجعلته يتساءل أين يعيش هو اولاده ان حصل الانفصال، فبعد ان كان يعيش "هانيء البال لا يفكر في شيء سوى مستقبل ابنائه وإعالة اسرته الكبيرة"، بات يتساءل كلما اصبح صباح وأمسى مساء: "اين يعيش؟". نزاع داخلي السودانيون في الشمال والجنوب يتساءلون عن المستقبل اندلع نزاع داخل اسرة بيتر بشأن الوجهة التي سيتجهون اليها بعد الانفصال المحتمل، فبيتر يقول إنه يتوقع في حال حصول الانفصال وقيام دولة جديدة في الجنوب أن يتم اغلاق الحدود بين الشمال والجنوب وبالتالي سيتم ترحيل مواطني الجنوب من الشمال مما يعني ان مصيره مهدد. واضاف: "ابلغت نسائي واولادي بأننا ربما نتعرض للترحيل من الشمال في حال الانفصال، وكان رد الزوجة الصغرى هو انها ستذهب معي الى اي مكان في الجنوب او الشرق او الغرب او اي مكان. واما الزوجة الكبرى فقد كانت مترددة". الا ان الزوجة الكبرى حسمت امرها بالفعل، وقررت أنها لن تستطيع الذهاب الى الجنوب: "لأنها لا تشعر بأي صلة لا وجدانية او اجتماعية مع الجنوب، وانها لم تزر الجنوب من قبل، ولا تنوي الذهاب الى هناك". الا ان الزوجة تخشى على مستقبل أبنائها وتقول إنها تشعر بالرعب من فكرة ان يقوم زوجها بنقل ابنائها الخمسة معه الى الجنوب. واضافت: "يفترض ان اجرى عملية جراحية لاستئصال المرارة الا انني احاول تأجيل العملية فربما اثناء التخدير يقوم بيتر باخذ اولادي". وأما الاولاد فينقسمون بين الرحيل او البقاء. فبسمات الابنة الكبرى لبيتر وهي مهندسة معمارية تقول إنها لا تمانع من الذهاب الى الجنوب، لأنها قد تجد فرصة عمل اكثر هناك، كما انها يمكن ان تتطور مهنيا هناك، في حين ان الفرص امامها في الشمال تبدو محدودة إن لم تكن معدومة. الا ان بسمة، وهي الابنة الثانية لبيتر والتي تدرس في المرحلة الثانوية تقول إنها ليست مستعدة للرحيل، لأنها لا تعرف الجنوب، وعاشت كل حياتها في الشمال، وبالتالي فهي لا ترغب في خوض مغامرة الذهاب الى هناك. فارس بيتر يبدو على عكس افراد اسرته، فهو يرغب بشدة في الرحيل الى الجنوب، ويقول إنه خاض تجربة الحياة في الجنوب من قبل حيث ذهب الى مسقط رأس والده وعاش هناك فترة من الوقت. ""الوحدة هي الخيار الاول بالنسبة لي لان الانفصال ضرره اكثر من الوحدة"" بيتر-سوداني جنوبي متزوج ومقيم في الشمال ويضيف: "انا واثق من أنه سيتم ترحيل الجنوبيين من الشمال بعد الانفصال لأن الجنوبيين اذا اختاروا الانفصال فيجب عليهم ان يذهبوا الى الجنوب، وبالتالي اتوقع ان يقولوا لنا انتم اخترتم الانفصال فماذا تريدون منا بعد ذلك". الا ان بيتر نفسه يريد الشمال. ويريد الوحدة واضاف: "الوحدة هي خياري الاول بالنسبة لي لان الوحدة هي فيها اشياء كثيرة للغاية اما الانفصال فضرره اكثر من الوحدة. ففي الوحدة يمكن ان تكون هناك مشاكل لكن قد يتم حلها. اما الانفصال فلن يعطوك فرصة ويكون كل شيء قد انتهى لذلك اريد الوحدة". غير ان فارس ابنه الاكبر يدرك جيدا ان اوان الوحدة قد ولى ويضيف: "انا مقتنع سوف يحدث انفصال سوف يحدث انفصال .. حكاية الوحدة لم تعد موجود والجنوبيين جميعهم مصرون على الانفصال". مخاوف لها أساس هذه المخاوف من الترحيل التي عبر عنها افراد اسرة بيتر لم تأت من فراغ، الساسة في الشمال يتكلمون كلما اصبح صباح وامسى مساء، بأن وضع الجنوبيين في الشمال لن يكون كما هو إن حصل الانفصال. العبارات النهرية استخدمت لنقل النازحين وبالرغم من ان الرئيس السوداني، عمر البشير، قد اكد غير مرة، خاصة خلال آخر زياراته الى مدينة جوبا، عاصمة الجنوب السوداني بأن الجنوبيين في الشمال لن يتعرضوا لاي تهديد في حال حصل الانفصال. الا ان التصريحات التي ادلى بها ساسة آخرون في الشمال ما تزال عالقة في الاذهان خاصة الوعيد الذي وجهه وزير الاعلام في الحكومة الاتحادية الدكتور كمال عبيد الذي قال إن الجنوبيين في الشمال لن يسمح لهم بتلقي حقنة في الشمال في حال حصل الانفصال. تلك التصريحات وغيرها دفعت الكثير من الجنوبيين الذين كانوا يقيمون في الشمال الى الرحيل مبكرا الى الجنوب في اطار برنامج للعودة الطوعية نظمته حكومة الجنوب. وقد تصاعدت وتيرة هذه العودة الطوعية قبيل الاستفتاء. بالطبع ليست هناك احصاءات دقيقة باعداد النازحين الجنوبيين الذين يعيشون في الشمال، لكن مفوض العون الانساني التابع لحكومة جنوب السودان يقول إن التقديرات تشير الى ان عدد من نزحوا الى الشمال يناهز الثلاثة ملايين شخص الا انه اشار إنه تمت اعادة حوالي المليونين منهم خلال السنتين الفائتين ولم يتبق سوى ما بين 800 الف الى مليون من النازحين في الشمال. غير ان المفوض الذي التقيناه في مكتبه بجوبا يتوقع الانتهاء من ترحيل كافة الجنوبيين الراغبين في العودة الى الجنوب خلال الاشهر المقبل وقبيل نهاية الفترة الانتقالية المقررة في يوليو المقبل. ويؤكد المفوض إن العودة طوعية تماما وهي مفتوحة لم يرغب من النازحين وإنه لن يتم اجبار احد على الرحيل. لكن تلك العودة واجهت بعض المشاكل، حيث انتظر بعض النازحين الراغبين في العودة لايام عدة في الطريق بسبب ان المتعهدين الذين يفترض ان يقوموا بدفع نفقات الترحيل قد اختفوا، وتركوا الشاحنات المحملة بالنازحين العائدين ومتاعهم تنتظر في الطريق. حتى الذين عادوا الى الجنوب، تقطعت بهم السبل هناك، حيث اقام بعض النازحين العائدين في العراء بانتظار ترحيلهم الى مناطقهم الاصلية. شول تترك الخرطوم وذكرياتها ذهبت الى شول، هي نازحة جنوبية جاءت الى الخرطوم منذ زمن طويل، وتعيش في منطقة ام دوم وتقيم في احد القصور مع احد العائلات الشمالية. الا ان شول التي تشعر بأنها تعيش في دارها قررت الرحيل من الشمال قائلة إنها تخشى ان تحصل مواجهات بين الجنوبيين والشماليين بعد الانفصال مماثلة لتلك المواجهات التي وقعت عقب مقتل الزعيم الجنوبي جون قرنق والتي وصفت بالاثنين الاسود. الا ان شول تقول إنها ستعود الى الشمال من جديد واضافت: "سأزور الجنوب لارى الوضع هناك، لكنني ساعود بعد شهر او شهرين". عندما سألت شول الفارعة القوام عما ستفعله اذا تم منعها من عبور الحدود بين الشمال والجنوب في حال الانفصال فقالت: "ساقول لهم إنني تركت بعض اثاثي في الخرطوم وانني ارغب في استعادته". لشول عدة ابناء بعضهم مسلم وبعضهم مسيحي رغم ان احد ابناءها المسيحييين يدعى محمد وهو يقول إنه يريد الذهاب الى الجنوب لأن هذه ارضه ولأنه سمع الكثير من الحكايات عن جمال الجنوب. الا ان فوزية ابنة شول وهي طالبة في المرحلة الخامسة تقول إنها متنازعة المشاعر بين الرحيل من الشمال او البقاء واضافت: "لقد اخرجوني من المدرسة حتى نذهب الى الجنوب وانا اشعر بالحزن لذلك". لفوزية الكثير من الصديقات في المدرسة بينهم بسمة ولطيفة وهيفاء اللواتي طلبن منها عدم الذهاب والبقاء في الشمال. واضافت: "في آخر يوم لي بالمدرسة اوصلوني الى الشارع وبكينا وقالوا لي لا تذهبي". موسم الهجرة الى الجنوب طالما ان الناس يذهبون جنوبا هذه الايام في السودان فانا ايضا ذاهب الى هناك. حملت معداتي وذهبت الى هناك. الناس في الجنوب في قمة الانتشاء بدولتهم الجديدة وقد انجزوا بالفعل نشيدهم الوطني. لكن وسط مشاعر الابتهاج تلك فان البعض يشعر بالخوف والقلق، من بين يشعرون بالقلق ويتحسسون رقابهم. يوجد الشماليون الذين يقيمون في الجنوب . وقد توجه الكثير من هؤلاء الى الجنوب منذ زمن بعيد بهدف التجارة، وقد طاب لهم المقام هناك حتى هبت رياح تقرير المصير. احد اقدم الشماليين المقيمين في جوبا هو التاجز محجوب الامين الذي يقيم في الجنوب منذ اكثر من نصف قرن. يقول الامين الذي يملك متجرا للاجمالي في جوبا إنهم مطمئون على حياتهم في الجنوب ولا يخشون شيئا وان القلق يأتيهم دائما من اتجاه الشمال. لكن تلك اللغة المطمئنة لم تكن منعكسة على الاسواق في الجنوب، فبعض محال التجار الشماليين في سوق جوبا مغلقة او ان بضاعتها توشك على النفاد وهو امر يعزوه التاجر الامين الى ارتفاع سعر الدولار والغموض الذي يسيطر على الوضع قبيل الاستفتاء. لكن محجوب الامين يؤكد بشكل قاطع إن التجار الشماليين في الجنوب لم يقوموا ببيع محالهم او عقاراتهم وان ما يتردد في هذا الشأن محض شائعات. لكن التاجر محجوب يقول مع ذلك ان باب الرحيل من الجنوب قد يكون مفتوحا حسب الظروف توغلت اكثر في الجنوب. ذهبت الى مدينة توريت، المدينة التي يقول تاريخ الدم السوداني بأنها شهدت مذبحة للتجار الشماليين في مطلع الخمسينات ... قتل فيها كثيرون في توريت يقيم عباس الفزاري سوداني مختلط الانساب بين الشمال والجنوب فابوه من الشمال وامه من قبيلة الدينكا وقد ولد في توريت قبل 71 عاما. يصف الفزاري نفسه مرارا وتكرارا بالجنوبي، الا انه يخطط للتوجه الى الشمال في حال الانفصال ويبرر هذا الامر بأنه لا يشعر بالخوف لكنه لا يريد التعرض لبعض الاستفزازات من بين من يصفهم بالدهماء الذين قد يرون فيه شماليا. سائق السيارة التي اقلتني من جوبا الى توريت هو جنوبي مسلم. قال لي إن عدد المسلمين الجنوبيين كثير من بين ما فهمته من كلامه، هو انه يريد الانفصال، ولا يخشى على دينه من الدولة الجديدة. ذهبت الى احد المساجد في توريت، قال لي الامام إنهم ينتظرون اياما صعبة. لكنهم سيتبثون بدينهم. مخاوف قطاع الشمال هناك آخرون يتطلعون بقلق كبير الى الانفصال المحتمل، ويشعرون بأن حياتهم ومصيرهم على المحك ايضا، فهم لا يتوقعون ان يستوعبهم الشمال ولا الجنوب، انهم اعضاء قطاع الشمال في الحركة الشعبية. عباس الفزاري عاصم ساتي آحد هؤلاء الذين يتحسسون رقابهم قبيل الاستفتاء. يقول ساتي إن الحركة الشعبية جمعتهم على احلام عريضة بانشاء سودان جديد وموحد وإنهم قاتلوا من اجل تحويل تلك الاحلام الى واقع، الا ان ساتي يرى ان الانفصال المحتمل ربما يشكل نهاية عملية لكل الاحلام، وبالتالي فان عليهم كاعضاء في قطاع الشمال ان يحددوا الاتجاه الذي سيذهبون اليه. لكن ساتي يدرك أن الخيارات امامهم محدودة إن لم تكن معدومة، فهو يدرك أنهم سيتعرضون لتهديد كبير على حياتهم في الشمال بعد انتهاء ذات البين بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني، ويضيف: "لن نكون آمنين على انفسنا لانه تأتينا رسائل وتهديد مباشر وغير مباشر". الا ان الذهاب الى الجنوب قد لا يشكل خيارا هو الآخر بالنسبة لعاصم، قائلا إنهم يتوقعون معاملة جيدة من جانب السلطات في الجنوب للشماليين، لكنه لا يضمن الطريقة التي يمكن ان يعامل بها من جانب العامة. تلك مشاعر قلق وتوجس توحد السودان الآن، ذلك البلد الكبير الذي يوصف ببلد المليون ميل والذي يقول البعض الآن إنه يخشى ان يتحول الى بلد المليون متر.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل