المحتوى الرئيسى

عن وثائق «الجزيرة».. مرة أخرى بقلم:معتصم حمادة

02/09 19:23

معتصم حمادة منذ أن نشرت فضائية «الجزيرة» الوثائق المعروفة عن المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، والفريق الفلسطيني غارق حتى أذنيه في ردود الفعل على هذا الحدث، وعلى التصدي لتداعياته. وقد استنفر هذا الفريق كل عناصر قوته من أجل الدخول في معركة ضد «الجزيرة» والإثبات أنها ضالعة في مؤامرة ضد القضية الفلسطينية، ودليله على ذلك أن «الجزيرة» كشفت عن وثائقها (بعضها صحيح وبعضها مزور كما قال صائب عريقات) في الوقت الذي يخوض فيه الفريق الفلسطيني معركته في مجلس الأمن الدولي ضد الاستيطان، وفي الوقت الذي يحاول فيه أن يعيد إقناع الأميركيين بالضغط على نتنياهو لتجميد الاستيطان، وبما يفتح الباب لاستئناف المفاوضات المباشرة. ومن الوسائل التي أتبعها الفريق المفاوض في رده على «الجزيرة» أنه نشر وثائقه هو، التي حملت مواقفه من قضايا الحل الدائم التفاوضية، وكما قدمها إلى الجانب الإسرائيلي. لكن، كما هو واضح، فإن الطريقة التي نشرت فها وثائق «الجزيرة» كانت صارخة، بينما لم تلفت أوراق المفاوض الفلسطيني سوى أنظار قلة من المراقبين والمهتمين، بينما بقي راسخاً في أذهان ملايين المتابعين تلك المحاضر، والعبارات، والحوادث التي كشفت عنها فضائية «الجزيرة». وبالتالي ما زالت الكفة راجحة لصالح «الجزيرة» كوسيلة إعلامية، بغض النظر عن صحة ما نشرته وما كشفت عنه. ومع أن كثيراً مما نشر، سبق لكثيرين وأن أطلعوا عليه، وأن كثيراً مما نشر لم يكن في باب الأسرار، إلا أن خيبة الأمل لدى الشارع الفلسطيني كانت عميقة. زادها عمقاً أكثر من موقف وتحرك جاء في السياق. • الحديث عن المؤامرة التي تقف خلفها «الجزيرة». وهو كلام مستهلك، يلجأ إليه الفاشلون كلما أعجزتهم الحيلة وكلما وجدوا أنفسهم فاقدي القدرة على التحرك. ويصبح اللجوء إلى «المؤامرة» أهون السبل. • تحميل القيادة السياسية في قطر المسؤولة عما قامت به «الجزيرة»، وكأنها هي التي سربت الوثائق إلى هذه الفضائية. خطورة مثل هذا الموقف تبدت لاحقاً حين اعترف بعض أركان الفريق الفلسطيني المفاوض أن الأوراق قد تكون سرقت من مكتبه، وأنه بصدد التحقيق في ذلك، وأنه على استعداد لتحمل المسؤولية، بما في ذلك الاستقالة من مهماته التفاوضية، إذا تأكد هذا الاحتمال. • الحالة العصبية التي قابل بها أركان السلطة سلوك إدارة «الجزيرة»، إن في فشل ممثلي السلطة في لعب دور حواري، على شاشة الفضائيات للدفاع عن أنفسهم، أو في تلك التظاهرات التي خرجت ضد مكتب «الجزيرة» في رام الله وكأن وليد العمري وطاقمه صاروا هم المسؤولين عما تقوم به الدوحة. * * * الارتباك لم يصب الفريق المفاوض وحده بل تبدى كذلك في مواقف الأطراف السياسية المعنية. فقد أنجزت ببعض الأطراف إلى الموقف الهش الذي اتخذه الفريق المفاوض، وتبنت نظرية «المؤامرة» على القضية الفلسطينية (!). ولم يجد البعض الآخر قضية يتبناها سوى الدفاع عن «القيادة السياسية» الفلسطينية، وكأن هذه القيادة منزهة عن الأخطاء، وفوق الشبهات ولا تخضع للمساءلة، كما هو الحال العديد من الدول الديمقراطية التي لا تتردد في محاسبة كبار المسؤولين عن أية أخطاء ارتكبوها، وعلى قاعدة أن القانون فوق الجميع. كما مع البعض الثالث القضية إلى قضية بوليسية في البحث في كيفية وصول الوثائق إلى «الجزيرة» وكيفية العمل لمنع تسرب وثائق أخرى من مكتب «دعم المفاوضات» وغيره من دوائر منظمة التحرير إلى وسائل الإعلام. كذلك كاد آخرون أن يقعوا في مطب خطير وكأن القضية هي «من مع الجزيرة ومن مع الفريق المفاوض». هذا كله أفرغ القضية من مضمونها الحقيقي ألا وهو أن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتي هي المرجع السياسي الأعلى للفريق المفاوض، لم تكن مطلعة على كل الحقائق المتعلقة بالعملية التفاوضية وأن ثمة «أسراراً» كانت محصورة بين أفراد قلائل، وفق الصيغة «التقليدية» المعتمدة منذ مفاوضات أوسلو: مطبخ يدير العملية التفاوضية من خلف ظهر القيادات والهيئات التشريعية والتنفيذية في م.ت.ف. والمطبخ يكشف ما يريد أن يكشفه، ويخبئ ما يريد أن يخبئه، خوفاً من ردود الفعل على سلوكه التفاوضي وعلى حجم التنازلات التي يقدمها وعلى انتهاكه لقرارات الهيئات المعنية، بما في ذلك استعداده للتخلي عن الأهداف والحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني وغير القابلة للتصرف. * * * أن نظرة سريعة إلى الوثائق (خاصة تلك التي اعترف صائب عيريقات أنها صحيحة وغير مزورة) تمكننا من الوصول إلى الاستنتاجات الأولية التالية: 1) إن المفاوضات كانت تدار دون الاستناد إلى مرجعية قانونية أو سياسية ترسم الأساس لهذه العملية. وبالتالي أصبح كل شيء قابلاً للتفاوض، ولم يعد هناك ما يمكن أن نسميه «حقوقاً وطنية غير قابلة للتصرف» كما أقرتها الأمم المتحدة ووثقتها في سجلاتها. وأنه لأمر شديد الغرابة أن تعتبر المنظمة الدولية «حقوق الشعب الفلسطيني غير قابلة للتصرف»، بينما يعطي المفاوض الفلسطيني نفسه الحق في المس بهذه الحقوق والتفاوض عليها والتنازل عن بعضها. 2) إن المفاوضات خلت من أية أشارة إلى قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية [أين القرار 18، 242، 194، وغيره من تلك القرارات التي أقرت حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بنفسه وعلى أرضه، بما في ذلك حقه في الدولة المستقلة كاملة السيادة بحدود الرابع من حزيران 67 وعاصمتها القدس، وحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها منذ العام 1948] 3) إن المفاوض الفلسطيني لا يخفي حالة الضعف الشديد التي يعانيها في مواجهة المفاوض الإسرائيلي، كما أوضحت هذه الوثائق أن المفاوض الفلسطيني يرفض، في هذا السياق الاستعانة بأوراق القوة التي بين يديه، ويتصرف المفاوض الفلسطيني وفق منطق مغلوط، يتوهم أنه كلما «سهلنا» على الولايات المتحدة دورها كراعي للعملية التفاوضية، وكلما قدمنا لها التنازلات وأرضيناها، كلما كسبناها إلى جانبنا. كذلك يتصرف وفق منطق مغلوط أخر، يتوهم أن ما يقدمه الجانب الإسرائيلي هو حقاً «تنازل»، يفترض أن يقابله تنازل فلسطيني. في الحالتين يتأكد أن الولايات المتحدة لا تضغط سوى على الجانب الفلسطيني، ولا تطلب التنازلات سوى من الجانب الفلسطيني، وأن مثل هذه التنازلات، وإن كانت ترضي واشنطن، إلا أنها لن تجر الجانب الأميركي لصالح الموقف الفلسطيني. كما يتأكد أن الجانب الإسرائيلي لا يقدم تنازلات. بل إن التنازلات الحقيقية هي ما يقدمه الجانب الفلسطيني. أما أية خطوة يخطوها الإسرائيليون قد تبدو في عيون المفاوض الفلسطيني على أنها «إيجابية»، أو أنها «تنازل» هي في الحقيقة أقل بكثير مما هو مطلوب منه بموجب قرارات الشرعية الدولية وبموجب يبدأ عدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة. لقد شكلت وثائق «الجزيرة» محطة سياسية كان يفترض أن يتم الاستفادة منها لإعادة صياغة العلاقة بين الفريق المفاوض وبين اللجنة التنفيذية، باعتبار أنها هي القيادة الفعلية، كما كان يفترض أن يتم الاستفادة منها لإجراء مراجعة للعملية التفاوضية برمتها، بما في ذلك التوقف أمام جدوى المفاوضات كطريق للوصول إلى الحقوق الفلسطينية. وما دامت الحالة الفلسطينية لم تستفد من هذه المحطة، فإن الجميع يتحمل المسؤولية، وفي المقدمة الأطراف التي تقدم نفسها معارضة داخل م.ت.ف. وخارجها.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل