المحتوى الرئيسى

لِنَعُدْ إلى جريمة "كنيسة القديسين"! بقلم: جواد البشيتي

02/09 17:49

لِنَعُدْ إلى جريمة "كنيسة القديسين"! جواد البشيتي ما هو معيار، أو مقياس، الحقيقة؟ أنا شخصياً من المؤمنين بأنَّ الحقيقة هي كل فكرة توافِق الواقع (الموضوعي). "التوقُّع" هو بعضٌ مِمَّا يأتي به الكاتب، فإذا جاءت "النتائج" بما يوافِق توقُّعه، فهذا إنَّما يعني أنَّ توقُّعه كان واقعياً، وأنَّه يفهم الأمور في طريقة يؤدِّي أخْذُه بها إلى سيره، تفكيراً وكتابةً، في الطريق المؤدِّية إلى الحقيقة؛ أمَّا إذا ذهبت "النتائج" بتوقُّعه، فهذا إنَّما يعني أنَّه قد جانب، في تفكيره، طريق الحقيقة. في الثالث من كانون الثاني 2011، أي بعد 48 ساعة من ارتكاب الجريمة الإرهابية البشعة في حق مسيحيين أقباط كانوا يُصَلُّون في كنيسة في مدينة الإسكندرية المصرية، قُلْتُ في مقالة، عنوانها "جريمة أكبر من أنْ تُواجَه بعبارات الإدانة والاستنكار"، الآتي: لا تسألوا عن الفاعل، أو الجاني، أو المجرم؛ فهو، وإنْ لم يُصْدِر بَعْد بياناً (وربَّما لا يُصْدِر أبداً) يُعْلِن فيه مسؤوليته عن ارتكاب هذه الجريمة البشعة، واضِح جليٌّ لا لبس فيه. إنَّه، وعلى ما أعلن هو نفسه من قبل، تنظيم "القاعدة" في العراق، أو تلك الجماعة الموالية لهذا التنظيم، والتي تطلق على نفسها اسم "دولة العراق الإسلامية". لقد ارتكب هذا "التنظيم"، أو نُسِب إليه ارتكاب، جرائم إرهابية عدة في حقِّ المسيحيين من أبناء العراق، مُعْلِناً بعد ارتكابه اعتداءً إرهابياً على كنيسة سيِّدة النجاة للسريان الكاثوليك (والذين لا صلة كنسية بينهم وبين الأقباط المصريين) في حيِّ الكرادة في العاصمة العراقية أنَّ هذا الاعتداء هو تحذير للكنيسة القبطية المصرية من مغبة استمرارها في "أسْر مسلمات في سجون أديرة" في إشارة إلى زوجتي قِسَّين ينتميان إلى الكنيسة القبطية، اعتنقتا الإسلام، على ما يُزْعَم. إنَّني لا أُنْكِر وجود هذا "التنظيم"، أو ارتكابه جرائم إرهابية من هذا النمط؛ لأنَّني لا أنْكِر، ولا أستطيع إنكار، أنَّ في مجتمعنا ما يَصْلُح لاتِّخاذه رَحْماً تَخْرُج منها جماعات من هذا الجنس والنوع؛ كما أنَّني لا أملك من الأدلة ما يَحْملني على تبرئته من الجريمة التي ارْتُكِبَت في حقِّ الأقباط المصريين. لكنَّ هذا لا يمنع، ويجب ألاَّ يمنع، من الشَّكِّ وسوء الظنِّ، فالمُرْتَكِب الفعلي لهذه الجريمة قد يكون غير هذا الذي حذَّر الكنيسة القبطية من مغبَّة استمرارها في "أسْر مسلمات في سجون أديرة"، مغتنماً هذا التحذير المُعْلَن لارتكاب جريمته. ما أدهشني، واسترعى اهتمامي، أنْ تأتي "النُّصْرة" لـ "المسلمات الأسيرات" من "القاعدة" العراقية لا من "القاعدة" المصرية، وكأنَّ المُرْتَكِب الفعلي للجريمة (في الإسكندرية) له مصلحة في أنْ تتَّجِه الأنظار في هذا الاتِّجاه؛ وأنْ تبدي وزارة الداخلية المصرية حرصاً شديداً على نَسْبِ الجريمة، لجهة تنفيذها، إلى "شخص انتحاري"؛ وأنْ يتحدَّث الرئيس مبارك عن عزم مصر على ملاحقة المتورِّطين، "ممَّن يندَّسون بيننا"..؛ وإنْ أشار إلى "أصابع خارجية"؛ وأنْ يأتي هذا الاعتداء الإرهابي بعد تهديد جماعة "الإخوان المسلمين" المصرية، التي استبدَّ بها الشعور باليأس من جدوى استمرارها في اللعبة الانتخابية، بالنزول إلى الشارع، وإنْ حرصت على توضيح أنَّها ما زالت مستمسكة بنبذ العنف. أقول في النتائج والعواقب، والتي قد تكون هي نفسها "الأهداف" و"الأغراض"، إنَّ جماعة "الإخوان المسلمين" لن تجد في نفسها الآن، أي بعد (وربَّما بفضل) هذا الاعتداء الإرهابي، من الجرأة ما يكفي لتنفيذ تهديدها بالنزول إلى الشارع؛ فإنْ هي ركبت رأسها، ولمْ تمتثل للأمر الذي تضمَّنته "الرسالة" التي حملها إليها هذا الاعتداء، فسوف يَسْهُل، عندئذٍ، على السلطات الأمنية قمعها، وضربها بشدَّة، بدعوى أنْ لا هدف يعلو هدف وأد الفتنة الطائفية وهي في مهدها.. ولقد تنامى قلق الأقباط (الطائفي) منذ الصعود السياسي لجماعة "الإخوان المسلمين"، والذي تُرْجِم في الانتخابات البرلمانية التي أُجْرِيت سنة 2005 بفوزها بنحو 20 في المئة من مقاعد مجلس الشعب. وكان جليَّاً أنَّ ذلك الفوز ما كان ليتحقَّق لو لم تكن لنظام الحكم في مصر مصلحة تكتيكية في تحقُّقه، فإدارة الرئيس بوش التي بدت مصرَّة على "الإصلاح السياسي (والديمقراطي)" كان ينبغي لها أن "تَقْتَنِع" بأنَّ هذا "الإصلاح" لن يؤدِّي إلاَّ إلى "أسلمة" الحياة السياسية المصرية. انتهى الاقتباس. عندما كَتَبْتُ هذه المقالة لم يكن في مقدوري أنْ أُسمِّي الأشياء بمسمياتها؛ لكنِّي قُلْت بـلغة "كليلة ودمنة" ما يَجْعَل القارئ الفطِن، أي الذي تكفيه الإشارة، يَسْتَنْتِج أنَّ جهاز الأمن المصري، أو وزارة الداخلية المصرية، هو المُرْتَكِب الفعلي لهذه الجريمة البشعة، وأنْ يتعرَّف، أيضاً، الدافع والغاية. والآن، بانَ المستور، فالرئيس المكابِر في المحسوس والمرئي (والذي يأبى الاعتراف بموته إلاَّ بعد دفنه) حسني مبارك أقصى وزير الداخلية حبيب العادلي من الحكومة الجديدة؛ ثمَّ مَثُل هذا الوزير أمام القضاء العسكري بتهمة "التسبُّب بانهيار الأمن"؛ ثمَّ أُحيل البلاغ المقدَّم ضده(في شأن صلته بتفجير كنيسة "القديسين" في الإسكندرية) إلى النيابة العامة ؛ ثمَّ تقدَّم المحامي نجيب جبرائيل ببلاغ إلى النائب العام ضدَّ العادلي ورئيسي مجلس الشعب والشورى فتحي سرور وصفوت الشريف؛ وجاء في نصِّ البلاغ أنَّ العادلي ومعاونيه عملوا على "إثارة الفتنة الطائفية". أمَّا المحامي القبطي ممدوح رمزي فتقدَّم ببلاغ إلى النائب العام يتَّهِم فيه العادلي ومعاونيه بتدبير هذا الاعتداء والتخطيط له. وكان العادلي، وقبل أنْ يُصْبِح هو المُتَّهَم، قد اتَّهَم "تنظيم جيش الإسلام"، الموجود في قطاع غزة، بارتكاب هذا الاعتداء، قائلاً: "لقد تأكَّد بالدليل القاطع التورُّط الدنيء لجماعة جيش الإسلام الفلسطيني في ارتكاب اعتداء الإسكندرية". وأضاف قائلاً: "إنَّ هذا لعمل إرهابي خسيس ضدَّ مصر التي قدَّمت آلاف الشهداء من أبنائها دفاعاً عن القضية الفلسطينية". أمَّا رئيسه، أي حسني مبارك، فعلَّق على ما قاله العادلي قائلاً: "ما سمعناه الآن من السيِّد وزير الداخلية يشفي صدور المصريين جميعاً، ويضع وساماً جديداً على صدور رجال الشرطة". بقي أنْ أقول إذا أردتم معرفتهم على حقيقتهم، ومعرفة الحقيقة، فإيَّاكم، ثمَّ إيَّاكم، أنْ تُحْسِنوا الظنَّ بهم، أو أنْ تأخذوا بياناتهم ومزاعمهم مأخذ الجد، أو أنْ تَفْهَموهم كما يريدون هُمْ لكم أن تفهموهم؛ فإنَّ الثُّلْث الأوَّل منهم "مجرم"، والثُّلْث الثاني "لص"، والثُّلْث الثالث "كذَّاب".

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل