المحتوى الرئيسى

الشارع.. لا النخبة

02/09 08:13

(لا البرادعى ولا الأحزاب.. مصر هتفضل للشباب).. تفاجئنى هذه العبارة مكتوبة بخط بسيط على الحوائط فى إحدى مناطق مدينة نصر، كتبها شبان صغار من أولئك الأبطال الذين شكلوا اللجان الشعبية لحماية سكان المنطقة من فلول البلطجية الذين أطلقتهم رؤوس الفوضى فى الحكومة السابقة والحزب الذى تصور كهنته أنه حزب كبير. العبارة أو الشعار تكشف وعيا حقيقياً لدى هؤلاء الشباب وإدراكهم أن أحداً لا يمثلهم، وإنما هم يمثلون أنفسهم وجيلهم ومن- ثم وطنهم، ولا يقف الأمر عند شباب اللجان الشعبية، فمن خلال أكثر من جولة فى ميدان التحرير وجدت الشباب هناك يتمتعون بذلك الوعى.. قضيت نهار الخميس فى الميدان.. كنت أريد أن أتابع نتائج هجمة الخيول والجمال على هؤلاء الشباب الأحرار، وكنت أريد كذلك التثبت مما ردده الإعلام الرسمى من أن الإخوان هم المسيطرون على الميدان وعلى الشباب، وفجعت من حجم الإصابات فى صفوفهم، لكنى سعدت بوعيهم وانتباهم إلى أن الإخوان، وكذلك قادة الأحزاب إنما جاءوا إليهم ليقفزوا عليهم وعلى إنجازهم ويتخذوهم ورقة يساومون بها النظام. المقلق فى الأمر أن الدولة حين بدأت الحوار، اتجهت إلى قوى المعارضة من الأحزاب وجماعة الإخوان، ولم تبدأ بهؤلاء الشباب، لقد صدر التكليف من الرئيس مبارك إلى نائبه عمر سليمان بالتحاور مع قوى المعارضة، والحقيقة أن الخطاب أو البيان الذى ألقاه الرئيس ومن قبله البيان الذى أعلن فيه إقالة حكومة نظيف كان موجهاً- فى المقام الأول- إلى النخبة السياسية، التى خبرها الرئيس جيداً وهذه النخبة من رجال الأحزاب ليست هى قلب الحدث، ولنعترف بأن هذه النخبة فى جانب منها كانت هوامش على الحزب الوطنى، وتحرك بعض رجالها فى الأزمة بواقع إثبات الوجود أو التدلل حينا وأحياناً الثأر من النظام ومن رأسه تحديداً، لذا راح بعضهم يمعن فى المزايدة، مثل الإصرار على أن يغادر الرئيس مبارك مصر، وينسى هؤلاء أن خطأ ثورة يوليو 1952 كان قيامها بنفى الملك فاروق من مصر، فعاش حياة ومات ميتة لا تليق برجل كان يوماً ملك مصر، باختصار.. فإن هذه الأحزاب لم تستطع يوماً أن تحرك الشارع ولا أن تقيم مظاهرة.. وقد قلت.. فى هذه المساحة، فى عام 2005 إن الحزب الوطنى والحكم نجحا فى شىء واحد هو تدمير أى بديل محتمل لهما، وجعلانا فى خراب سياسى حقيقى، وجاءت الحركات والجماعات المدنية والأهلية لتغير قواعد المعادلة، ومن الناحية الفعلية تهدم النظام. حين نجا الرئيس مبارك من محاولة الاغتيال فى أديس أبابا- صيف 1995- أجريت تحقيقاً فى «المصور» حول ماذا يطلب المثقفون من مبارك بعد ما جرى؟ وكانت الإجابات تنحصر فى ضرورة أن يعين نائب للرئيس وأن يترك رئاسة الحزب الوطنى فهو رئيس لكل المصريين، وأن يفسح المجال للمعارضة، لكن لم يستجب الرئيس، وأخذته هو والمحيطين به نشوة النجاة، ومنذ سنة 2004 حتى 25 يناير، كانت استراتيجية النظام تقوم على الصراع بين التوريث والتمديد، والرفض المطلق لتعيين نائب للرئيس أو تعديل الدستور بما يخفف من قيود الترشيح للرئاسة ويحد من مدة بقاء الرئيس فى موقعه، وكنا نكتب منددين بذلك، وهذا دور الكتاب، أما الأحزاب فقد انحصر طموحها فى أن يترك الحزب الوطنى لها بضعة مقاعد فى مجلس الشعب، ولم تتجه إلى الشارع ولا إلى المواطن، إلى أن جاء شباب 25 يناير ليقلبوا استراتيجية التمديد أو التوريث رأساً على عقب، ويتم المشروع فى تعديل الدستور، لكن الحوار إلى الآن يتم مع «المعارضة» والأحزاب دون الشباب، وبعض هذه الأحزاب انتقلت من تملق الوطن إلى تملق الشباب دون أن يقدموا مبادرات حقيقية. حين وقعت مظاهرات سنة 1968 التقى الرئيس عبدالناصر قيادات المتظاهرين من الطلاب واستمع إليهم، وكان من بينهم الراحل عبدالحميد حسن، ولما وقعت مظاهرات 18 و19 يناير 1977 التقى الرئيس السادات بالقيادات الطلابية واستمع منهم واحتمل حدة بعضهم، لكن الرئيس لم يفعل شيئاً من ذلك، والآن يستحق شباب 25 يناير بكل أجنحتهم اهتماماً أفضل، بمعنى أن يكونوا بكل أجنحتهم- سواء من كانوا فى الميدان أو فى اللجان الشعبية- فى مقدمة الحوار، وأن يكونوا جزءاً فاعلاً فيه، بدلاً من أولئك الذين يهرولون أمام كاميرات الفضائيات دون ثقل حقيقى فى الشارع أو لدى المواطن. ما جرى يوم 25 يناير لم يسقط الحزب الوطنى وحده، بل أسقط معه هواته من الأحزاب الأخرى، والكلمة الآن للشارع والشباب، فهم أصحاب الفعل والحركة، ومن ثم وجب أن يكونوا أساسيين فى صنع القرار والمصير.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل