المحتوى الرئيسى

لبنان: ارتفاع نسبة الطلاق وعزوف شبابي عن الزواج

02/09 04:13

غزة - دنيا الوطن تكاد أخبار الطلاق والخلافات الزوجية تتفوق بحضورها في المجتمع اللبناني على تلك التي تنبئ بزواج هنا أو خطبة هناك. ففي حين يسجل تراجع ملحوظ في نسبة حالات الزواج بين الشباب اللبناني، يحظى الطلاق في المقابل بوقعه بين هؤلاء، لا سيما بين الشباب منهم الذين لم يمر على زواجهم سوى سنوات معدودة. وفي الأرقام، يقول المتخصص في علم الاجتماع العائلي الدكتور زهير حطب لـ«الشرق الأوسط»: «تسجل في لبنان ما بين 300 و400 حالة طلاق سنويا، مقابل ما يقرب من 1400 أو 1500 عقد زواج، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية الوضع الطائفي اللبناني واختلاف طريقة التعامل مع الطلاق بين طائفة وأخرى، إذ إنه في حين يكون هذا الأمر مشروعا لدى المحاكم الجعفرية والسنية يبقى صعبا إلى حد ما لدى المسيحية والدرزية منها، مع العلم أن المحاكم والمراجع الدينية تبدي تحفظا شديدا على الإعلان عن هذه الأرقام». ويضيف: «أظهرت المتابعة الحثيثة التي قمت بها من خلال إشرافي على أطروحات لطلاب في كلية العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية في السنوات الـ10 الأخيرة أنه كل 100 عقد زواج يقابلها ما بين 28 و35 طلب طلاق، يتم تنفيذ طلب واحد من كل ثلاثة». ويعزو المراقبون وعلماء الاجتماع في لبنان هذه الظاهرة إلى أسباب عدة، أهمها التطور الاجتماعي، لا سيما في ما يتعلق بحياة الفتاة اللبنانية على الصعيد المهني والانفتاح والاستقلالية، بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تسهم بشكل مباشر في زيادة نسبة الطلاق، خصوصا في ظل هجرة الشباب اللبناني المتزايدة وعودة ما يمكن تسميته بـ«الزواج المدبِّر» أو «التقليدي»، على حد تعبير حطب، بالإضافة إلى أسباب أخرى عدة تجعل أحد الطرفين أو الاثنين معا يتخذان قرار الطلاق. فحالة رلى مثلا، هي واحدة من مئات الزيجات التي تنتهي بالانفصال، إذ وبعد 11 سنة من الحب ومواجهة أهلها الذين كانوا يرفضون ارتباطها بمن تحب، قررت أن تتحمل مسؤولية قرارها وتقدم على الزواج بمن كانت تعتبره عائلتها غير مناسب ليكون رب أسرة. لكن وبعد أقل من 5 سنوات على زواجهما، اكتشفت أن أهلها كانوا على حق بعدما عرفت بخيانة زوجها لها فقررت طلب الطلاق وكان لا يزال ابنها يبلغ من العمر 4 سنوات. وفي حين يعتبر حطب أن زيادة نسبة الطلاق تعود إلى عدم فهم الزوجين مفهوم الزواج الذي كان في الماضي مضبوطا من العنصر الذكوري برضا أو عدم رضا الطرف الآخر، الذي يجب أن يكون اليوم شراكة حقيقية بين اثنين قررا أن يسيرا في هذا الطريق مع الابتعاد عن التصلب في الآراء ورفض تقديم تنازلات أو الوصول إلى تسويات متعلقة بحياتهما المشتركة، يعطي صورة مختصرة عما تشهده أروقة البيوت الزوجية اللبنانية، ويقول: «في الحالة التي يكون الزواج فيها بين فتاة وشاب مغترب، والتي تحتل المرتبة الأولى من حالات الزواج التي تتم في لبنان وتسجل مقابل 4 زيجات بهذه الطريقة 3 حالات طلاق، يكون الشاب اللبناني قد أمضى سنوات طويلة من حياته في الخارج ويقرر الارتباط بفتاة لبنانية متمسكا بتفكيره التقليدي معتقدا أن ابنة بلده لا تزال كما تركها في موقع اجتماعي وثقافي أدنى من الرجل رافضا فكرة تطورها، أما هي فترتبط به انطلاقا من طموحها إلى الهجرة والحصول على جنسية أجنبية وتحقيق أحلامها في بلد متطور، وبعد أن يتزوجا وينتقلا للعيش خارج لبنان يصطدم كل منهما بواقع لم يكن في الحسبان. الفتاة تطمح إلى الخروج وتحقيق ذاتها والرجل يرفض أن يراها في موقع متقدم أو يتقبل تطورها، فتتحول الحياة الزوجية ومنذ الشهور الأولى إلى جحيم، وقد تصل إلى مرحلة الخيانة، إلى أن يتم الطلاق في سنوات الزواج الأولى». ويلفت حطب إلى أن هذا الواقع ينطبق أيضا على زيجات أخرى يعيش طرفاها في لبنان وهو لا ينحصر في طائفة لبنانية دون أخرى، بل يكاد يصبح واقعا شبه موحد بين كل الطوائف. وليس بعيدا عن هذا الواقع، أحبت نسرين شابا مهاجرا قريبا لها، وارتبطت به بعد أن رسم لها حياة مستقبلية وردية في بلاد العم سام، وإذ بها تصطدم بوضع مختلف بمجرد انتقالها للعيش معه. وتقول: «في البداية واجهت صعابا كثيرة للتأقلم مع المجتمع الجديد لا سيما أنني تزوجت في سن العشرين، وبعد سنوات عدة استطعنا معا أن نؤسس شركة صغيرة تكفينا للعيش وتربية طفلينا. لكن كنا في كل مرة نزور لبنان تجد عائلته سببا لتوقع الخلاف بيننا وتحريضه علي فندخل في مشكلات لا تنتهي كانت كفيلة بتحويل حياتنا إلى جحيم. ورغم ترددي في طلب الطلاق خوفا مني على مستقبل ولدي، فإنني اتخذت في النهاية القرار وحصلت على حريتي بعد سنة من العذاب، وها أنا أنطلق في حياتي من جديد وأؤسس عملي الخاص». ويشير حطب إلى واقع آخر يسهم بدوره إلى حد كبير في زيادة نسبة الطلاق في لبنان وهو ارتفاع معدل سن الزواج لدى الفتيات إلى 31 عاما ولدى الشبان إلى 34 عاما، وبالتالي فإنه في هذه الحالة يصل كل من الفتاة والشاب إلى سن يطمحان فيه إلى الارتباط وتكوين أسرة، وبالتالي يصبح كل منهما يبحث عن من يناسب هذا الطموح، إلى أن يلتقي كل منهما بالشخص الذي يعتبره ملائما إلى حد ما معتمدين بالدرجة الأولى على العقل، لكن عدم الوضوح من البداية والصراحة، التي إذا بنيت على أساسها العلاقة تنتج زواجا ناجحا، يؤدي بعد الزواج والعيش تحت سقف واحد إلى الخلافات ومن ثم الطلاق. ويقول: «السبب الأساسي في الوصول إلى هذه النهاية في معظم الحالات يتعلق بالخلل والتمييز في التربية التي ينشأ عليها الأولاد، فالمجتمع اللبناني الذكوري لا يزال يعتبر أنه على الرجل أن لا يقدم تنازلات ويبقى هو في الموقع المتقدم والأقوى، في حين أن الفتاة اللبنانية وصلت إلى درجة متقدمة من الثقافة والاستقلالية تجعلها غير قادرة على تقبل العيش مع هذا الشاب الذي لا يزال فكره الاجتماعي غير متطور بالشكل الكافي، ومبنيا على ثوابت قديمة وجاهلية في بعض الأحيان». كذلك، وفي المقابل، يشير حطب إلى حالة أخرى تصل نسبتها إلى ما بين 7 و10 في المائة لدى الطائفة الإسلامية، وما بين 3 و4 في المائة لدى الطائفة المسيحية، التي يلجأ أبناؤها إلى الهجران أو بطلان الزواج، وقد يتطلب البت فيه سنتين أو 3 سنوات، فيكون الحل «الزواج الثاني»، العلني أو السري، مع عدم حصول الطلاق في الزواج الأول، من دون أن ننسى أيضا حالات الانفصال الكثيرة التي تتم في فترة الخطوبة قبل دخول القفص الذهبي. ويلفت حطب إلى وضع آخر تكون فيه الزوجة هي العائل الأول للأسرة ماديا، في ظل عدم استقرار عمل الزوج، الأمر الذي يجعل الرجل عاجزا عن اتخاذ قرار الطلاق، وتكون النتيجة العيش تحت سقف واحد بعيدا عن متطلبات الحياة الزوجية. وكحل لهذه المشكلة تقترح وفاء، التي مر على زواجها 16 عاما، أن يعتمد عقد الزواج المحدد بفترة 10 سنوات قابلة للتجديد، معتبرة أنها فترة كافية لاتخاذ قرار التمديد أو الانفصال بتفاهم واتفاق بين الطرفين، وتضيف: «ومتى صار هذا الأمر مقبولا من المجتمع فلن يكون هناك أي عائق لاستمرار حياة كل منهما بطريقة طبيعية ومن دون أن يترك بالتالي الأمر أي انعكاسات على الأطفال». لكن يبدو أن هذا «الواقع الانفصالي» يترك نتائجه السلبية أيضا على نظرة الشباب والفتيات نحو فكرة الزواج، فليس غريبا أن تسمع في لبنان فئة كبيرة من الفتيات والشبان يعلنون عزوفهم عن الزواج رافضين فكرة تكوين أسرة وتحمل مسؤوليتها، وفي هذا الإطار يقول حطب «3 من كل 10 لبنانيين في سن الزواج، بين ذكور وإناث، يعلنون رفضهم الكامل لهذه الفكرة، مرجعين الأمر إلى رفضهم التخلي عن حريتهم والاستقلالية التي يتمتعون بها، بالإضافة إلى عدم القدرة على تحمل الأعباء المادية لتكوين أسرة وإنجاب أطفال وتأمين لهم حياة مستقرة». ويضيف: «لكن لا بد من تذكير الشباب بأن الحرية تصطدم في نهاية المطاف بالوحدة الثقيلة، لا سيما في بلد مثل لبنان لا يؤمّن ضمانات للشيخوخة، وبالتالي لا بديل عن العقلانية والتضحية وتقديم التنازلات من الطرفين لإنجاح شراكة الزواج».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل