المحتوى الرئيسى

عقل سياسي مغيّب ومجتمعات مأزومة تنفجر بقلم:ماجد الشّيخ

02/09 00:13

عقل سياسي مغيّب ومجتمعات مأزومة.. تنفجر ماجد الشّيخ في ظل انفلات المجتمعات العربية والإسلامية، وشبيهاتها من مجتمعات قروسطية متخلفة، من كل ضوابط الفكر الفلسفي والتفكير المنطقي، وغياب روح النقد ونقد النقد وسيادة روح العقلانية الناقدة؛ كان لا بد من انسياقها خلف دوغمائية الأنساق المغلقة، والخضوع لنقلية الأفكار المسبقة، والمفاهيم الجامدة، الناتجة أو المتولدة من تلك الأنماط المعيارية الثقيلة للغيبيات الدينية المقترنة بالخرافة. فكان أن بقيت تلك المجتمعات، أو بالأحرى تلك التجمّعات الهشّة والمفككة، تعيش مراوحتها التاريخية، في وحول ومستنقعات الثبات، أو انفجارها حروبا أهلية متصادمة مع الذات، ومع آخر مفترض أو متوهّم، ليقع التصادم عند ذات مستوى العدائية والعدوانية، وإثارة النزاعات والشقاقات الدائمة في بنى مجتمعية، وإن تماسكت نسبيا في زمن ما؛ إلاّ أنها لم تتماثل أو تنسجم مع ذاتها، أو حتى مع ما يُفترض أنها سلطتها، تلك السلطة المتشكلة في قوالب الهيمنة البطريركية للثيوقراطية، القّارّة فوق المجتمعات، وفوق الطبقات، وفوق كامل البيئة المحلية والوطنية للدول أو السلطات القائمة، فهي سلطات اعتبرت ذاتها؛ مقدسة بمعنى من المعاني، وإلاّ لم هذا السكون المتشبّث بـ "الأبد"، وبسلطة لا تحيا مدى الحياة، إلاّ كرغبة تخلو أساسا من الإرادة، ومن كل ما يحملها قسرا على الحياة؟. هكذا نشأت المجتمعات العربية والإسلامية، في بيئة من سلط الهيمنة والغلبة والانحيازات القبلية والعشائرية والطائفية والزبائنية، في ظل تصفيحها وتدريعها وفق أنماط معيارية، بقيت لصيقة باحتكامها للانحياز إلى تقليديتها ونقليتها، واشتغالها على تبجيل أصنام الجمود وأوثان الثبات، ونصوص "القيل والقال" التي تحولت مع الزمن إلى نصوص مقدّسة، وطبقات الحكام والفقهاء وأحكامهما السلطانية، خاصة تلك المعيارية والمزاجية الاستبدادية العالية، العاملة والعامدة للانحياز إلى "أسطورة أصل" ومصالح قائمة ومرسلة من جيل إلى جيل، بل هي انزاحت انزياحاتها التاريخية الكبرى، بالانحياز إلى الروح الغيبي واستمراره وتواصله، على الرغم من إشراقات قليلة ومحدودة في الزمان، وفي النخب التي تفلسفت في وقت من أوقات العهد العباسي الأول. تلك نهضة محدودة ومحددة، جرى وأدها والنكوص عنها، بنكوص السلطة وإعادة انحيازها مرة أخرى، بالعودة إلى أحضان فقهاء الأيديولوجيات الغيبية ومنظري إسلام الخرافة، وإحكام قبضة السلطة الخليفية على الفكر والفلسفة، ومطاردة المشتغلين بهما، وإحداث محن كبرى طالت أشخاصا، كما طاولت مجتمعات بأكملها رزحت طويلا في ظل محنها الخاصة والعامة، وهي تعود اليوم لترزح تحت وطأة المعايير الثقيلة، لأغلال الأيديولوجيات الدينية التي وقفت وتقف حائلا، دون الاشتغال بالفكر والفلسفة بما هي العقل الحر، إلاّ ما توافق منها مع سير الإعجاز، وسرديات العجز، وثقافة الغيب والخرافة، وتسييد أنماط من حروب أهلية عملت على تفتيت وتشظية مجتمعاتنا، وسيّدتها رقيبا قمعيا على حركة ونأمة إنسانها، وهو يتحول تحولاته الأخيرة باتجاه المذهبة والتطييف الآخذ بخناقه، إخضاعا له وتسييجا لما قد يتقافز من أفكاره نحو الحديقة الإنسانية المتحررة من مكبلات وقيود سدنة الهيكل الديني، وهو يتحول في أيامنا هذه إلى مجموعة مجتمعات متنابذة، تتقاتل على الفاصلة والنقطة، وعلى سلطة التأويل والتقويل التي تحوّلت إلى مادة لعجائن "فلسفة" فقهاء الظلام، وهم يخبزون منها أرغفة فاسدة، لمجتمعات فقدت شهيتها مع فقدانها لمناعاتها التي اختُرقت من داخلها، ومن الخارج كذلك. لهذا كان من البدهي والطبيعي ألاّ تنجح أي نهضة جديدة في الفضاء العربي والإسلامي على امتداد القرون، وحتى أيامنا هذه، نظرا لغياب خمائر الفكر النقدي والمنطقي، وغياب عقل فلسفي يقطع مع "العقل" القروسطي السائد الذي ما فتئنا نخضع له، ونشهد لهيمنته في فضاءاتنا وفناءاتنا الأمامية والخلفية؛ السلطوية والمجتمعية، الجامحة في رفض العقل، وإقصاء واستبعاد المشتغلين في حقوله المعرفية والعلمية، إلى حد تكفيرهم وإخراجهم من الملة والدين وحتى القومية، عبر إقصائهم ونفيهم، أو نفي ذواتهم إلى بلاد الآخر. هكذا سيبقى "مكتوب" علينا أن نعاني غيبوبة العقل الناهض،وتجديد العقل السياسي، ونهضوية التفكير العقلاني المتنوّر، وتنويرية مجتمعاتنا وسلطاتنا، حتى يتاح لنا أن نحرر العقل من مكبلاته، وإشاعة النهضة بإنقاذها من نخبوية أفرادها المعدودين، وانتشال التنوير من حداثة مصطنعة هي إلى التحديث الشكلاني أقرب. بمعنى أن ننجح في تحويل العقل إلى سيّد الأحكام، والنقد إلى سيد الحكمة، ونقد النقد إلى سيد الرشد والسداد، والنخبوية إلى ما يضاد أحادياتها واغتراباتها. وبغير ذلك سنبقى نتردى ونراوح عند لحظة من تراث وتاريخ مجتمعاتنا وشعوبنا، حيث جرى بالتزوير والبهتان، وبالتجهيل، الاستيلاء عليه وتوجيهه وجهة ثيوقراطية تقديسية، عطّلت معها كلّ إعمال للعقل والنقد والفكر والفلسفة، وإنتاج المعارف من المعرفة، لا مما يضادها ويتضاد معها من خرافات الغيب وغيبيّات الخرافة. ثم ها هي مجتمعاتنا المأزومة تنفجر غضبا وانتفاضا، وتزداد انقساما وتذهب حتى الأقاصي باتجاه الطلاق الانفصالي، والتباكي على وحدة أو وحدات بيسماركية وأنظمة بونابرتية، وذلك على وقع بؤس أحوال سيّدتها تلك الأنظمة والسلطات المجتمعية الأبوية؛ تواطؤا أو مناكفة ومكايدة، أمرا واقعا مسكونا ومهجوسا بـ "الثبات المقدس" المسنود بجهل أكثر قداسة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل