المحتوى الرئيسى

مصير الثورة بين الشعب والجيش

02/08 00:18

لم تعد لدىَّ ذرة من شك فى أن الرئيس مبارك يسعى جاهداً لاحتواء الثورة، ويعمل بهمة ونشاط لإجهاضها، ويعتقد أن لديه الآن فرصة أكبر لتحقيق هذا الغرض بالرهان على عدة عوامل، أهمها: 1- إصابة بعض الشرائح الاجتماعية المساندة للثورة، خصوصا تلك التى بدأت تعانى فى معيشتها اليومية ومعرضة لمعاناة أكبر فى حال استمرار حالة التعبئة القائمة الآن - بالتعب والإرهاق. ومن شأن هذا العامل أن يتيح للنظام المتداعى فرصة للعمل على فك حالة التعبئة الشعبية المساندة للثورة والمولدة للطاقة التى تمنحها قدرة على الاستمرار فى توليد الضغط على النظام. 2- دخول عناصر انتهازية تتعجل قطف ثمار الثورة على الخط، بالسعى لعرض خدماتها، أملا فى حجز مواقع تمكنها من لعب أدوار مع الفائز فى المرحلة المقبلة أياً كان. ومن شأن هذا العامل أن يتيح للنظام المتداعى فرصة لتعميق الانقسامات فى صفوف شباب الثورة وجرهم إلى متاهات تمكنه من كسب الوقت ولتحميلهم مسؤولية ما يترتب على استمرار الأزمة الراهنة من تبعات. 3- تزايد مخاوف شريحة مهمة من رجال الأعمال لم تتورط فى قضايا فساد كبرى من أن يؤدى انهيار النظام الراهن برمته، خصوصا فى حال الإصرار على رحيل مبارك، إلى ترجيح كفة التوجهات الراديكالية للثورة. ومن شأن هذا العامل أن يتيح للنظام المتداعى فرصة أكبر لضم شرائح اجتماعية معينة إلى معسكر الساعين لتحجيم طموحات الثورة من خلال التهدئة. بعد الصدمة وفشل محاولات تصفية الثورة فى أيامها الأولى، سواء بالوسائل الأمنية التقليدية، التى أدت إلى انهيار جهازه الأمنى، أو بوسائل إجرام بدائية مبتكرة (موقعة الجمال والبلطجة) أدت إلى فضيحة كبرى أظهرت معدنه الحقيقى، يعتقد النظام أن بوسعه الآن استعادة تماسكه وكسب الوقت اللازم للانتقال إلى موقع الهجوم. فها هو الإعلام الرسمى يغير من أساليبه ويحاول التلاعب بمشاعر الجماهير، من خلال استدرار العطف على رئيس يدّعى أن عهده لم يكن كله «أخطاء»، والمطالبة باحترام دوره فى حرب أكتوبر وبحفظ كرامته كرجل عسكرى.. إلخ. غير أن هذا الإعلام الكاذب يتناسى حقيقة مهمة، هى أن الثورة قامت أصلاً للتخلص من رجل أفقر شعبه وأصر بعناد على نقل السلطة لابنه من بعده، وجمع حوله نخبة فاسدة من رجال الأعمال والسياسة والقانون. لذا فالسؤال المطروح على شعب مصر فى هذه اللحظة تحديدا: هل يمكن الاستمرار فى ائتمان رجل مكّن أسرته على مدى ثلاثين عاما من جمع ثروة تقدر بسبعين مليار دولار (400 مليار جنيه) على البقاء فى السلطة لمدة سبعة أشهر أخرى؟ أعتقد أن ذلك مستحيل. لا تعرف الثورات حلولا وسطا ولا أنصاف حلول، خصوصا أن دماً غالياً دفع ثمناً لها. ولأن الثورة إما أن تنجح فى تحقيق أهدافها كاملة فتقيم نظاما جديدا على أنقاض نظام قديم قامت لهدمه، وإما أن تخفق، فليس أمام الشعب الذى فجرها من خيار آخر سوى مواصلة الضغط على النظام بكل الوسائل إلى أن يعترف بالثورة ويستجيب لكل مطالبها. لذا يتعين على كل الحريصين عليها والمستعدين لمساعدتها ألا يلتفتوا كثيراً للمحاولات الرامية للبحث عن تهدئة أو حلول وسط، وأن يركزوا جهدهم على الدفع فى اتجاه استمرار التعبئة وشحذ الهمم ومواجهة الحملات المضللة لدغدغة المشاعر. ولأن استمرار بقاء مبارك خلال المرحلة المتبقية على نهاية ولايته الخامسة سيؤدى حتماً إلى إجهاض الثورة وتسليم السلطة فى نوفمبر المقبل إلى رئيس من اختياره ومن صلب النظام الذى قامت الثورة لإسقاطه، يتعين الإصرار على رحيله فورا أو بعد أسابيع قليلة على الأكثر، بشرط أن يلتزم علناً بالتعاون للقيام خلال هذه الأسابيع بكل ما هو ضرورى ومطلوب منه لضمان انتقال سلس للسلطة ولتمكين رجال الثورة من إدارة المرحلة الانتقالية بأنفسهم. استمرار الضغط سيؤدى حتماً إما إلى رحيل مبارك طواعية، وإما إلى دفع الجيش لإزاحته. فاستمرار الوضع على ما هو عليه الآن لشهور طويلة أمر غير قابل للاحتمال. والأفضل أن يرحل طواعية لفتح الطريق أمام تأسيس دولة مدنية حديثة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل